شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبدالله جفري بين ريادة فن القصة وأساليب السرد الحديث..
لقد كبرت القصة والرواية كما يذكر الباحث ر. م. ألبيريس "مع الصحافة ومع تنظيم الرأي العام، وكانت تمثل إلى جانب الإعلام والمناقشة العامة أداة للتأمل والتحديد وتبسيط المواضيع وعرضها". [انظر: تاريخ الرواية الحديثة، ر. م. ألبيريس، ترجمة جورج شامل، ط2، 1982م، ص: 86].
وهذا الأمر يسري على هذا الفن الأدبي في عالمنا العربي، فعدد من المشتغلين بالصحافة الأدبية أخذوا يمهدون الطريق أمام القصة والرواية لتكون جزءًا من الأدب العربي الحديث في بدايات عصر النهضة، وكانت البداية ترجمة بعض القصص العالمي مثل "البؤساء" لفكتور هوغو، والتي قام بترجمتها حافظ إبراهيم، و"الفرسان الثلاثة" لاسكندر دوما –الأب-، وترجمها نجيب حداد، و"الفضيلة" لفرح أنطون، ثم جاءت مرحلة الإبداع الذاتي كما هو الحال مع سليم البستاني، وسعيد البستاني، ولقد كان المصريون واللبنانيون كما تذكر الباحثة عزيزة مريدن "أسرع اتصالاً وأعمق تأثرًا بالأدب الغربي عن غيرهم في الأقطار العربية الأخرى. [انظر: القصة والرواية، للدكتورة عزيزة مريدن، دار الفكر ـ دمشق، 1400هـ/ 1998م].
إلا أن نشأة القصة في الأدب السعودي -في بداياتها كما تدين للصحافة الحديثة في بلادنا- من حيث كونها الوسيلة الأهم في الارتقاء بالأدب، وتخليصه من القيود والأشكال اللفظية التي أضحى لفترة طويلة أسيرًا لها، فإنها كذلك تدين للتراث العربي في استيحاء مضمون هذه القصص، كما هو الشأن مع الكاتب أحمد السباعي في عمله الرائد "فكرة". ويرى الباحث الدكتور بكري شيخ أمين "أن الإصلاح الاجتماعي هو حصان طروادة الذي أدخل القصة حصن الأدب، وذلك لكونها حملت القيم الفكرية والاجتماعية لدى المجتمع الجديد، وعبرت عن المفهومات الحديثة -عنده- في الأخلاق، في المجتمع، والحياة، ولعلها لهذا السبب لقيت القبول لدى القراء، وفتح أمامها الباب الموصد". [انظر: الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية، د. بكري شيخ أمين، دار العلم للملايين، ط3، 1984م، ص: 463].
وبينما يرى الباحث صلاح عدس بأن "بعض الكُتَّاب في الفترة الأولى –للقصة- قد نجح في خلق شكل درامي جديد لقصصه مثل محمّد عالم أفغاني، وأحمد رضا حوحو، وغالب أبوالفرج". [ملامح الأدب السعودي، د. صلاح عدس، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986م، ص 28]، إلا أن ناقدًا كبيرًا ومتخصصًا في الأدب السعودي مثل الدكتور منصور الحازمي لا يرى "في قصص حوحو أو الأفغاني ما يضيف شيئًا مهمًا إلى تطور القصة السعودية خلال هذه الحقبة ـ ولكنهما قد سدا في ما يبدو ـ بعض الفراغ الذي كان يشعر به المهتمون بالفن القصصي من أدبائنا في ذلك الوقت". [انظر: فن القصص في الأدب السعودي الحديث د. منصور إبراهيم الحازمي، دار العلوم، الرياض 1401هـ، 1981م، ص 94].
ولقد شكّلت عودة الشباب السعودي الذين بُعثوا لتكملة دراستهم في الخارج، منعطفًا جديدًا في خارطة هذا الفن الأدبي الحديث، ويقف في مقدمة الكُتَّاب الذين تنبهوا إلى ضرورة الاهتمام بالجانب الفني في القصة السعودية، شخصية الأديب حامد دمنهوري، وخصوصًا في روايتيه الطويلتين "ثمن التضحية" والتي نشرت عام 1963م، و"مرت الأيام" ونشرت عام 1963م، ويضيف الدكتور الحازمي عمل الأديب إبراهيم الناصر "ثقب في رداء الليل" إلى منظومة الرواية الفنية في الأدب السعودي الحديث، وأول ملمح كما يرى الناقد الحازمي لهذا الاتجاه هو "معايشة الواقع والالتصاق به سواء بمهادنته كما فعل حامد دمنهوري، أو الاحتجاج عليه كما هو الشأن عند إبراهيم الناصر". [فن القصة في الأدب السعودي، ص: 53].
أما الجيل الثاني من كُتَّاب القصة السعوديين فلقد تألقت فيه أسماء عدة: يأتي في مقدمتهم عبدالله جفري والذي يرى شاكر النابلسي أن مجموعته "حياة جائعة" التي أصدرها سنة 1962م، تعتبر "تحولاً في القصة القصيرة السعودية، وأنها كانت بداية التأسيس الحقيقي لمفهوم هذه القصة في النصف الثاني من القرن العشرين". [انظر: القصة القصيرة في السعودية -الواقع والطموحات- أحمد مرتضى عبده، صحيفة الحياة، ملحق آفاق ـ 19 سبتمبر 1993م، 3 ربيع الثاني 1414هـ ـ العدد: 11176]، بل يذهب النابلسي في تقييم دور الجفري وردياته لفن القصة في مرحلته الجديدة والمتطورة، وذلك من خلال قصصه: "حياة جائعة" و"الجدار الآخر" و"ظمأ" إلى تشبيهه بالدور الذي قام به أدباء كبار في البلاد العربية الأخرى، مثل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، ويحيى حقي، مؤكدًا على أن "أدب عبدالله جفري يعتبر وثيقة اجتماعية عربية من ضمن الوثائق، التي يجب أن يطلع عليها كل من يريد أن يؤرخ للحياة الاجتماعية في الخليج وفي السعودية". [انظر: المسافة بين السيف والعنق، شاكر النابلسي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1985م، ص 24].
ويمكن القول إن دور الجيلين الثاني والثالث من كُتَّاب القصة السعوديين، واللذين تألقت فيهما أسماء عدة من مثل: عبدالله جفري، وعلوي طه الصافي، والدكتور محمّد عبده يماني، والدكتور عصام خوقير، وخديجة السقاف، والدكتور الصعقبي، وإبراهيم الناصر، وسباعي عثمان، ويوسف المحيميد، ومحمّد علوان، وعلي محمّد حسون، وعبدالله السالمي، وجار الله الحميد، وأنور عبدالمجيد، وحسين علي حسين، وسليمان سندي، وعبدالله باخشوين، وفهد الخليوي، وعبدالعزيز مشري، وسواهم، آخذين في الاعتبار أنه لا يمكن الفصل بين أجيال المبدعين، حيث تتداخل مع بعضها البعض في صورة تنبئ أن ملامح أي فن أدبي يمكن أن تتشكل من خلال أجيال مختلفة ولكنها تتعرض جميعًا لمؤثرات حضارية وفكرية وثقافية وأدبية متشابهة، وهذه المؤثرات هي التي تؤدي في النهاية إلى إنضاج هذا الفن واكتمال ملامحه.
نعود للقول إن هذه الأسماء وسواها هي التي فتحت الباب أمام الأجيال الجديدة لكتابة القصة والرواية الأكثر حداثة في المملكة، والتي تعرضنا لشيء من ملامح إبداعها الثري في الحلقة الماضية وذلك من خلال مناقشتنا لمقالة الأستاذ جمال الغيطاني، والتي ضرب فيها مثالاً سيئًا ومرفوضًا لعدم الموضوعية والحيادية عند تعرضه لمبدعين من أمثال: أحمد أبودهمان، ورجاء الصانع، واصفًا ذيوع الأسماء الجديدة في الرواية السعودية بأنه "رواج كاذب". [انظر: مقالة الغيطاني "التلصص لترويج السلعة، أخبار الأدب، 8/6/2008م]. وإذا كان النابلسي يذكر أن معظم الذين أرخوا للقصة القصيرة السعودية يرون أن بدايتها الحقيقية كانت عام 1386هـ/ 1967م، وذلك عندما نشر إبراهيم الناصر مجموعته القصصية "أرض بلا مطر" في حين يميل النابلسي إلى اعتبار عبدالله جفري رائدًا للقصة القصيرة السعودية الحديثة، اعتمادًا على المجموعة القصصية للأديب الجفري والتي صدرت سنة 1382هـ/ 1963م، وحملت اسم "حياة جائعة". [انظر: شاكر النابلسي-قراءة في تضاريس القصة القصيرة السعودية، ص 142].
ويمكن القول إن الجفري الذي لم تستطع الصحافة بضجيجها أن تسرق موهبة الإبداع منه، أو تطفئ جذوتها المتقدة في أعماقه، لقد سعى رائدنا من خلال كتاباته السردية المتعددة أن يجتاز حدود البيئة المحلية إلى آفاق أكثر اتساعًا وشمولاً، وحصد عددًا من جوائز الإبداع من مؤسسات ثقافية عربية معترف بها إلا أنه ظل في توق دائم للمجهول من عوالم الإبداع، ولربما كان لهذا الاستشراف الروحي العميق آثاره على شخصية عبدالله جفري، والتي كانت تتطلع لتكريم أكبر من بيئتها المحلية، فلقد أعطى "أبوزين" الكثير لثقافة هذا البلد وأدبه، وليس بغريب أن يكرمه ـ اليوم ـ هذا الملحق، الذي وضع لبناته قبل أكثر من ربع قرن من الزمن.
 
 
طباعة
 القراءات :400  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 70 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.