شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبدالعزيز خوجه بين ركب الشعراء
العذريين وأشواق الروح..
لم يكن بين يدي الدارسين للأدب السعودي قبل التسعينيات الهجرية (السبعينيات الميلادية) إلا مصادر محدودة لدراسة هذا الأدب، مثل وحي الصحراء لمحمّد سعيد عبدالمقصود، وعبدالله بلخير، والموسوعة الأدبية، وشعراء الحجاز في العصر الحديث للراوية المرحوم الأستاذ عبدالسلام الساسي، وشعراء نجد المعاصرون للأستاذ عبدالله بن إدريس، وكانت الدراسة النقدية المتميزة بمنهجيتها (التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية) والتي صدرت في القاهرة سنة 1959م غير متوفرة إلا للقلة، وفي بداية السبعينيات الميلادية صدرت دراسة أدبية جادة عن الأدب السعودي للأستاذ الدكتور بكري شيخ أمين الموسوعة (الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية)، وكانت في حوالى سبعمائة صفحة، ودرس فيها الأدب السعودي بشقيه الشعري والنثري، ثم توالت بعد ذلك الدراسات النقدية لعدد من الأدباء السعوديين، مثل الأساتذة والدكاترة عبدالرحيم أبوبكر، ومنصور الحازمي، وعبدالرحمن الشامخ، وعبدالله الحامد، وعبدالله آل مبارك، وعبدالمحسن القحطاني، وحسن الهويمل، وعمر الطيب الساسي، وعبدالله الغذامي وإبراهيم الفوزان، وعبدالله المعطاني، وسعد البازعي، وجميل مغربي، وسعيد السريحي، وآمنة عبدالحميد عقاد، ومحمّد الدبيسي، وعالي سرحان القرشي، وحسن النعمي، وسحمي الهاجري، ومحمّد الصفراني، وعبدالله معيقل، ويوسف العارف.
وقد مر النقد في بلادنا بمنعطفات هامة، وخصوصًا في حقبة الثمانينيات الميلادية، وذلك من خلال الانفتاح على المدارس والتيارات النقدية الحديثة، وكان لبعض الدراسات الحديثة التي صدرت باللغة الإنجليزية صداها في ساحة النقد الحديث، من مثل دراسات س. موريه (الشعر العربي الحديث/ 1800 - 1970)، (Modern Arabic Poetry) والصادرة عن مؤسسة بريل في لايدن سنة 1976م، وكذلك دراسة سلمى خضراء الجيوسي (الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث) Trends And Movements in Modern Arabic Poetry، وصدرت عن نفس المؤسسة E.J.Brill - Leiden, 1977،
وكذلك دراسة الناقد الغربي: J. Br Ugman والتي تحمل اسم: مقدمة (خلفية) عن الأدب العربي الحديث في مصر An Introduction To The History Of Modern Arabic Literature.
كان لهذه الدراسات الصادرة بلغات أخرى -والتي ترجم بعضها- صداها في الساحة الأدبية الحديثة، ولعل في السجال الأدبي الذي دار بين كل من الأستاذ الدكتور عبدالله الغذامي، والأستاذ الدكتور إبراهيم الفوزان في بداية الثمانينيات الميلادية دليل على هذا الأثر، والذي وصل مداه في ما بعد في مقالات المرحوم الأستاذ أحمد الشيباني على صفحات هذا الملحق حول المنهج البنيوي الذي اتبعه الدكتور الغذامي في دراسته عن الشاعر حمزة شحاتة بعنوان (الخطيئة والتكفير)، والذي كان له مناصروه كما كان له من أمثال المرحوم الأستاذ محمّد عبدالله مليباري، كما كانت هناك دراسات نقدية هامة كتلك التي أخرجها الزميل الأستاذ الدكتور محمّد خضر عريف (الحداثة: مناقشة هادئة لقضية ساخنة).
كان للعلاقات الأخوية التي أسسها الأستاذ الدكتور بكري شيخ أمين مع جيل الرواد من أمثال الأساتذة الكرام: محمّد سعيد العامودي، وعبدالقدوس الأنصاري، وحمد الجاسر، وعبدالله بن خميس، وأحمد عبدالغفور عطار، وعبدالعزيز الرفاعي، وحسن القرشي، وسواهم دور في معرفة الأدب السعودي عن قرب، ولهذا نجده إضافة إلى دراسته الرائدة عن الأدب السعودي والتي لا تزال مع دراسة الأستاذ عبدالله عبدالجبار مرجعًا هامًا لدارسي الأدب السعودي في الجامعات السعودية وسواها، نجده يقدم لنا كتابه الموسوم (قراءات نقدية في كتب سعودية) حيث تناول في كتابه هذا عددًا من الأعمال الفكرية والثقافية والأدبية لعدد من الأدباء السعوديين مثل دراسته (عن أدب النثر في شرق الجزيرة العربية) للدكتور عبدالله عبدالجبار، و(ذكريات طفل وديع) للأستاذ عبدالعزيز الرفاعي و(تاريخ البلاد السعودية) للأستاذ منير العجلاني، و(الشوارد) للأستاذ عبدالله خميس، و(جدار الصمت) للشاعر محمّد العامر الرميح -وهو أديب ضاعت أو اختفت أعماله الأدبية والشعرية المتميزة -، و(خالتي كدرجان) للأستاذ أحمد السباعي، و(ليس الحب يكفي) لغالب أبوالفرج، و(رجل على الرصيف) للأستاذ عبدالله سعيد جمعان.
وأخيراً أخرج لنا أستاذنا بكري شيخ أمين دراسة جديدة عن أدبنا السعودي خصصها عن الشاعر عبدالعزيز خوجه وهو يطلق عليها (قراءة في شعر عبدالعزيز خوجه)، ويتحدث المؤلف في البداية عن الشعر القومي عند الشعراء الدبلوماسيين، ويتوقف عند شعراء مثل عمر أبوريشة، الذي هاجم في شعره الفرنسيين الذين أحرقوا دمشق وبرلمانها، وسُجن بسبب بعض قصائده القومية، وكذلك الشاعر السفير غازي القصيبي، ويذكر المؤلف أن أشعار القصيبي (أثارت عددًا من المتشنجين، وذوي العقول المتحجرة، والمستبدين برأيهم، والمنغلقين على كل رأي مخالف أو معترض، فرموه بألسنة حداد، واتهموه باتهامات ما أنزل الله بها من سلطان، ثم يعرج المؤلف على السفير الشاعر محمّد الفهد العيسى، ويرى (أن شعره يتميز بتأثره بالمدرسة الرومانسية الغربية)، وقبل أن يلج إلى عالم الخوجه الشعري يتوقف عند الشاعر نزار قباني والذي أثارت بعض قصائده ودواوينه عاصفة شديدة وصلت إلى البرلمان، كما يشير إلى الخلاف الفكري الذي حدث بين نزار وأدونيس في أوائل السبعينيات الميلادية، وذلك إثر نشر حوار مع نزار في مجلة (مواقف)، وكادت المشادة تصل إلى المحاكم لولا تدخّل أصدقاء الطرفين بالمصالحة.
يرى الدكتور بكري أن بيئة مكة المكرمة كان لها أثر كبير على الشاعر (خوجه) ويرى أن غزله يشبه غزل القدماء، وهو يرى أن سبب اختيار الشاعر لهذا الأسلوب من الغزل يعود لطهارة العلاقة في المقام الأول، والتوشح بالحياء، واصطباغه بالخجل، وكثيرًا ما كان يلجأ إلى الإيحاء بالتعبير عن معنى مادي، ويبقى لفظه مقبولاً لدى الأذن والمشاعر حين سماعه أو قراءته، ولأن المؤلف وطأ لدراسته هذه واصفًا إياها بأنها قراءة، لذلك نجده يختار القصائد التي يتأملها قارئًا، بدءًا من قصيدته (في مهب الريح)، إلى قصيدة (المبعوثة حبًا)، إلى (أشواك وأشواق)، ثم نجده بعد ذلك يختار عنوانًا جانبيًا وهو (المبالغة في قصائد الحب)، ويستشهد بالبيت الشعري الذي يقول فيه:
ملأ هذا الكون حبي
وهو أورادي وأنسي
نلحظ أن د. بكري يريد أن يلحق خوجه بركب شعراء (الحركة العذرية) التي تتمثل في شعر طائفة من الشعراء عاشوا جميعًا في زمن واحد، وتنقلوا في بيئات واحدة أو متقاربة ما بين مكة والمدينة ووديان البادية الخصبة القريبة من هاتين المدينتين، وعرف بعضهم بعضًا، وتناشدوا الأشعار، وتداخلت أشعارهم بعضها في بعض حتى ليصعب أحيانًا تحقيق نسبة القصيدة إلى قائلها [أنظر: د. عبدالقادر القط: في الشعر الإسلامي والأموي، دار النهضة العربية 1976م، ص 272- 273]، ولكننا عندما نعود إلى بعض أشعار الخوجه الغزلية مثل قوله:
من الأحلام جئت أم الغيوب
ومن ألقى بحسنك في دروبي
نعم أضحى غرامك كل وردي
وكل دقيقة تغشى وجيبي
فلا يبدو سواك أمام عيني
وباقي الكون كالشبح الغريب
فنائي فيك أرشدني طريقي
فصرت الفرد في الكون الرحيب
توحدنا فما تدري ضلوعي
أقلبي أم وجيبك في اللهيب؟
تمازجنا فصرنا محض سكر
وطاب الحب في الوصل الرطيب
قاموس الشاعر الخوجه في هذا البيت هو أقرب إلى قاموس شعراء (الصوفية)، فإذا ما توقفنا أمام مفردات من مثل: سواك، الكون، الفرد، توحّدنا، سكر، وجيب.. الخ، ولهذا نجد أن الخوجه سار في ركاب شعراء الصوفية، وهي حركة شعرية متأخرة أرى أنها تطورت عن حركة الشعراء العذريين التي ظهرت في العصور الأولى، وكان وراء ظهورها عوامل دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية، والتي ربما تؤكد هذا المنحى الذي ذهبنا إليه في هذه الإطلالة العابرة على شعر خوجه في قصيدته التي دعاها (الوردة)، والتي يقول فيها:
فتح الباب على جنة
عدن فجأة بين الزحام
ثم نادى من ستار الغيب
صوت جاء من خلف الغمام
ذلك الغيب اصطفاني
صفق القلب حنينًا ثم هام
ولعل هذا ما ذهب إليه الناقد عبدالله عبدالجبار عند حديثه عن التيار الرومانسي في الجزيرة العربية حيث أرجع الاتجاهات الرومانتيكية في أدبنا العربي إلى أنها (أثر من أثر الصوفية المتحكمة في الشرق، فإن هذا الأثر لابد أن يكون قويًا فعالاً في قلب جزيرة العرب، وسيما الحجاز، فهو البيئة الروحية التي انبثق فيها نور الإسلام، وتلقفت رحابه المقدسة في مكة والمدينة والوحي من السماء، ويرى الباحث هنا صوفية حالمة، بل تيارًا دينيًا يمكن أن يفرد بدراسة خاصة) [أنظر: عبدالله عبدالجبار: التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية 1959م، حتى 275].
ولعل الروح الشفافة التي يتمتع بها شاعرنا الخوجه هي التي دفعت به إلى طرق أبواب المحبة الصادقة التي طرقها شعراء من قبل مثل: ابن الفارض، والبوصيري، والبرعي والسيد محمّد أمين كتبي، فوقفوا جل شعرهم على مدح الذات الإلهية، والالتجاء إليها، أو مدح شخصية الرسول صلّى الله عليه وسلّم التي فتح كعب بن زهير بن أبي سلمى الباب ببردته الشهيرة التي أنشدها بين يديه وفي مسجده الطاهر، فتح الباب أمام اللاحقين ليبثوا أشواقهم مدحًا وهيامًا وتعلقًا بسر هذا الوجود، التي شملت رحمته الكائنات جميعًا.
 
طباعة
 القراءات :332  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 69 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج