شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هاني فيروزي وحياة حافلة بضروب الإبداع
في الأدب والتاريخ
يرنّ الهاتف مع صباح يوم الخميس، الأيام الأولى من العام الهجري الجديد، تلك إطلالة الأخ الأكبر الأستاذ عبدالله رواس يهيئني لما يريد أن يخاطبني به، ثم يعقب (أدع بالرحمة للأخ هاني فيروزي.. فلقد انتقل إلى الدار الآخرة)، ولعلها الأقدار تشاء أن أكون في طيبة الطيبة، وكان هاني في كل لقاء يطلب مني أن أحدثه عن بيته لجده في المدينة (الأفندي عمر فيروزي)، كأنني أنظر إلى الدار من شرفة منزلنا في (السيح) حيث مجرى سيل أبي (جيده)، وكانت مجاورة لمنزل آل (الخريجي) الذي ترتفع في أعلاه قبة مضيئة وكانت من البيوت المميزة التي بنيت من الحجار المنحوتة والمصقولة، ولقد كان هدم تلك المنازل التي تقع على مدخل المدينة خسارة للتاريخ العمراني والحضاري للمدينة المنورة، ولو بقيت الساحة والسلطانية والعينية لقرت عيون واطمأنت نفوس وظلت شواهد التاريخ حاضرة في أذهان أجيال لا تعرف عن ذلك التاريخ شيئا.
عرفت (هاني) في مطلع التسعينيات الهجرية حيث قدمنا إلى (مكة) دارسين وكان المرحوم زميلا للإخوة الكرام: الدكتور يوسف حوالة ومصطفى قطيم ومحمد كمال في قسم التاريخ بكلية الشريعة بمكة.
كان (هاني) شغوفاً بالأدب والتاريخ وكان يتحدث عن علاقات والده مع أدباء جدة مثل العوّاد والقنديل، وربما هذا يفسّر شيئًا من تعلّق المرحوم بالشعر الشعبي الحجازي الذي نظم فيه شحاتة والقنديل وورثهما فيه الأستاذ عمر عبدربه - شافاه الله- ويتضمن كتاب "الأدب المقارن" للمرحوم الأستاذ عبدالسلام الساسي شيئًا من هذا الشعر الذي يعبر عن الحياة الاجتماعية في تلك الفترة خير تعبير كما أن كتاب "المركاز" للقنديل بجزأيه يعتبر مرجعًا لهذا الفن ويضاف إليهما كتاب "كيف كنا" لعبدالله الخطيب والذي تعتبر مقدمته التي كتبها الرائد والناقد الكبير عبدالله عبدالجبار دليلاً للدارسين الذين يعنون بمثل هذا التراث الاجتماعي والشعبي، ولقد بدا كذلك اهتمام المرحوم "هاني" بهذا الضرب من الشعر في الكتاب التذكاري عن الشاعر والمبدع الأستاذ إبراهيم خفاجي ولعل مما حفز المرحوم (هاني) لإخراج مثل هذا الكتاب هو إقدام معالي الصديق الدكتور سهيل قاضي مدير جامعة أم القرى الأسبق للاحتفاء بشخصية الأستاذ الخفاجي الذي لا تقتصر إبداعاته على الشعر الشعبي بل تتجاوزها إلى الشعر الفصيح وهو -أي الخفاجي- متحدث لبق يعكس حقيقة الشخصية المكية المعروفة بشهامتها وجرأتها وميلها لضروب الإبداع والإنشاد وأزعم أنني احتفظ في ذاكرتي بالشيء الكثير على مدى أربعين عامًا من معرفة أهل الجوار الذين خصهم الله بسقاية الحاج ورفادته ورعايته وأكرمهم بجوار بيته الآمن.
وكان إذا ما ضمنا مجلس مع المرحوم هاني في منزل الأخ الأكرم المربي الأستاذ محمد نور مقصود أو مجلس الإنسان الشهم الشيخ سراج عياد، أجد "هاني" قريبًا من المثقف وابن الحارة على حد سواء، وكان يحدثني عن اقتحامه لمجالس الكبار من أدباء مكة المكرمة ومؤرخيها وفي مقدمتهم الأستاذ والصحافي العريق الأستاذ أحمد السباعي الذي دون الكثير عن تاريخ مكة قديمًا وحديثًا في سفره الذي سلك في كتابته المنهج العلمي والموثق الذي عرف عند علي جواد الطاهر، ومحمد حميد الله، وأحمد أمين، وصالح العلي، وعبيد مدني، وحمد الجاسر، وأمين مدني، وعبدالقدوس الأنصاري، وعلي حافظ وعبدالله بن خميس ومحمد العقيلي وسواهم ولعل شغف المرحوم هاني بالتاريخ هو الذي دفعه للاهتمام بتدوين سيرة الشيخ محمد سرور الصبان وذلك في سياق تكريم جامعة أم القرى لشخصيته ضمن برنامجها التكريمي على عهد معالي الصديق الدكتور ناصر بن عبدالله بن عثمان الصالح مدير الجامعة السابق، آملين من معالي الصديق الدكتور عدنان وزان صلة ما انقطع من هذا البرنامج الهام الذي يوثق للشخصيات المكية بمختلف توجهاتها العلمية والفكرية والأدبية ومعروف أنه قبل صدور كتاب المرحوم هاني عن الإنسان النبيل وراعي الأدب والإبداع في عصره الشيخ الصبان لم يكتب إلا كتاب واحد عنه وهو "رجل وعمل" للأستاذ عبدالله عريف، كما دون الشيخ محمد علي مغربي ما يعرفه عن الصبان في كتابه عن إعلام الحجاز بأجزائه المتعددة، ولعلي أشير هنا للتأريخ فإن المرحوم الأستاذ إبراهيم فودة كان يعرف الكثير عن هذه الشخصية بحكم قربه منها وعمله معها ولكن الأقدار لم تسعفه ليدون شيئًا وبقي عند الأستاذ أمين عبدالله القرقوري ما يقوله، وصديقنا الدكتور أنور بن ماجد عشقي استمع مثلي لشذرات من سيرة الصبان عندما كانت تضمنا في كل عام وفي شهر رمضان احتفالية يقيمها المرحوم الأستاذ حامد عمر احتفاءً برجل الفضل وسليل أسرة العلم معالي السيد أحمد زكي يماني.
كان "هاني" يسابق الزمن وبعزيمة الشباب وهو يلج إلى نهاية العقد الخامس من عمره المبارك لتدوين الكثير من جوانب الحياة الحضارية والاجتماعية في "مكة" ومنها كتابته عن "عين زبيدة" والذي كان والده مسؤولاً عن إدارتها لمدة من الزمن.
إنني متيقن أن الكثير من الإخوة في مكة والمدينة وجدة بل على امتداد رقعة الوطن الكبير، يعرفون العديد من الجوانب المضيئة في حياة المبدع والمؤرخ "هاني فيروزي" وإنني لأكتب هذه السطور المتواضعة تعبيرًا عن مودة صادقة ربطت ما بيننا لردح من الزمن، لم أسمع خلالها من "أبي ماجد" ما يسيء، فلقد كان بطبعه، وديعًا وخلوقًا وسمحًا، وهل يبقى بعد الحياة سوى كلم طيب وعشرة صادقة وإخوة يترحمون على بعضهم البعض عند حلول الآجال، التي كتبها الله مقدرة لعباده وتفرده وحده عز وجل بالديمومة والبقاء والخلود، والعزاء لأبناء الفقيد "هاني"، وأسرته الطيبة وخؤولته وأصهاره في طيبة الطيبةو إنا لله وإنا إليه راجعون (البقرة: 156).
 
طباعة
 القراءات :285  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 55 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.