شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبدالقادر طاش رائد الحكمة والوسطية والاعتدال في المسيرة الصحافية ..!
عندما يكتب تاريخ الصحافة السعودية في العصر الحديث فإنه سوف يفسح مكانًا أثيرًا ومتميزًا للراحل عبدالقادر طاش، ليس لأنه فقط أسندت إليه مهمات صحافية متنوعة فقط، ولكنه كان قادرًا على الجمع بين قدرات الصحافي وإنجازات الفكر -في آن- كما أنه استطاع من خلال سلوكياته وأخلاقياته أن يشق طريقًا خاصًا في ساحة تتزاحم فيها المناكب وتتنوع في دروبها المشارب.
لقد اقتربت من المرحوم الطاش عندما عمل نائبًا لرئيس تحرير "المسلمون" -المحتجبة- ثم رئيسًا لتحريرها وعندما أسندت إليه في نفس الوقت رئاسة تحرير (عرب نيوز)، فحقق نجاحًا في ميدان الصحافة بشقيها العربي والإنجليزي، ووجدت من خلال تلك التجربة أن (الطاش) كان محبوبًا من مراسل الصحيفة ومحررها ومخرجها وكاتبها وهي معادلة صعبة لم يستطع بعض من خلفوا (الطاش) في المطبوعتين أن يحققوها، وإذا كانت الساحة قد عرفت في البعض تناقضًا وازدواجية، فلقد كان الطاش يعمل في الخفاء والعلن أو تحت ضوء الشمس وفي سجف الظلام بوجه واحد، يبتسم في وجهك عندما تدخل إلى مكتبه ويلاطفك عند الوداع، ثم لا يقول فيك ما تكره عندما تترك مجلسه، ولا يدع أحدًا أن يمسك بسوء وأنت قد احتجبت عن أنظار المجلس أو تواريت عن الآخرين في دروب الحياة.
في المسلمون كانت صفحة الثقافة التي أوكل أمر تحريرها -بداية- للمربي الأستاذ بكر بصفر حاضرة بهدوء واعتدال عند احتدام معركة الحداثة أو أنصار القديم ودعاة التجديد، وهي تجارب ومعارك تمر بها جميع الأمم، وإن وصلت إلينا متأخرة، وحسب ما أتذكر فقد نأت (المسلمون) عن الولوج إلى عالم محاكمة النوايا، بل أتذكر أن الصحيفة كانت أول من نبه إلى خطورة المنحى التكفيري، والذي أدى في النهاية إلى (سفك الدماء)، والذي حرمه شرع الله حتى في حق أولئك الذين كانت توجه إليهم تهمة النفاق -أعاذنا الله منها- في عهد الوحي والتنزيل - (فعن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلاً من الأنصار حدثه أنه أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم في مجلس فساره يستأذنه في قتل رجل من المنافقين، فجهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ فقال الأنصاري: بلى يا رسول الله - ولا شهادة له، فقال: أليس يشهد أن محمّدًا رسول الله؟ قال: بلى ولا شهادة له، قال: أوَ ليس يصلي؟ قال بلى، ولا صلاة له، قال: أولئك الذين نهى الله عن قتلهم رواه الشافعي في ترتيب المسند 5/ 432.
كان الدكتور طاش من أوائل من تنبه لبعض ما تعرض للصحوة من جموح، وفي عمله هذا يشابه استشراف القلة من أهل العلم لضرورة وضع الضوابط أمام جيل يمتلئ حماسًا فيقوده ذلك الحماس لترك الأولويات في أمر الدعوة من رفق واعتدال وتسامح، وتقديم حسن الظن، واللجوء إلى مظاهر الغلظة والجفوة التي ربما أدت ببعض صغار السن وقليلي المعرفة من علوم الشريعة ومقاصدها إلى مقاطعة والديهم وهجر ذويهم، وبهذا الفعل يكونون قد ارتكبوا ما هو أعظم مما كانوا يسعون لتغييره من عوامل النقص أو الاهتزاز في السلوك، ولنا في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسوة حسنة، والشواهد على ذلك كثيرة.. ومن ذلك حين قال عبدالله بن أبي غزاة في سلع فيها رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فتناصرا أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ النبي صلّى الله عليه وسلّم فقام عمر فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم :دعه لا يتحدث الناس أن محمّدًا يقتل أصحابه متفق عليه.
ويعلق الدكتور محمّد توفيق محمّد سعد في كتابه (فقه تغيير المنكر) (فتلك حكمة النبوة التي يجب أن يتأسى بها القانون بتغيير المنكر، ولهذا قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن استبان له نور الحكمة النبوية في هذا (قد -والله- علمت لأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعظم بركة من أمري) ومن ثم كان تغيير المنكر عند العقلاء من رموز النهج الإسلامي -الوسطي والمعتدل- ومنهم الدكتور الطاش، (كان مثل ذلك التغيير المترتب على تغييره آثاراً فردية أو جماعية لا يستقيم القيام به إلا بعد مراجعة ملابساته ومساقاته، والموازنة بينه وبين آثاره).. وهذا يقتضي استشارة أهل العلم والحكمة.. فكثيرًا ما يتوقف الطبيب عن معالجة داء ما خشية مما سوف يترتب على معالجته دوائيًا أو جراحيًا من أدواء وآثار أفدح، إلى أن تتهيّأ الظروف والملابسات لمعالجته دونما آثار ضارة، وكذلك مُغيّر المنكر يحتاج إلى الحكمة في هذا أكثر من احتياج الطبيب، فإن ما يترتّب على غفلة الطبيب في هذا أقل ضررًا مما قد يترتّب على غفلة المُغيّر للمنكر، ولا أحسب أنّ أحدًا يتهم مثل ذلك الطبيب بالتقصير أو الخيانة أو الإفراط في القيام بواجبه حينئذ، بل هو وصف الحكيم النطاسي أجدر وأحق وهذا وجه من وجوه المعنى القرآني في قوله تعالى: ادعُ إلى سبيلِ ربِّك بالحكمة (النحل: 125)، وفي قوله تعالى: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين (يوسف: 108).
لقد كانت الحكمة والبصيرة رائدة الرائد الطاش في مسيرته الصحافية والكتابية، ويحمد للزميل الدكتور عبدالعزيز قاسم وفاءه الرائع لأستاذه، وهذا من ضروب السلوك الذي يجب احتذاؤه.
 
 
 
طباعة
 القراءات :288  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 48 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الأول - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج