شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رثاء إنسان.. اللواء علي بن حسين الغري
عندما انتقلت إلى مدرسة طيبة الثّانوية في ما بين عامي 1389هـ/ 1390هـ وجدت أمامي وجوهًا جديدة وزملاء آخرين، كان من بينهم أسامة ومحمّد عبدالحليم عثمان، ومحمّد حمزة خشيم، وعبدالملك القين، ومحمّد أحمد بكري، وخالد السيّد، ولفت نظري شاب وديع، كثير التّهذيب، دائم الابتسامة، وسألت عنه فأعلموني أنّه علي بن حسين الغري، والده أحد وجوه القوم في حي قباء، مثل المشايخ، عبدالحميد عباس، وحليت بن مسلم، وعلي كماخي، وأسعد طه، وأديب صقر، وابن بادي، وسواهم. وتشاء الأقدار أن يجمعني وهذا الشاب فصل واحد في إحدى الثانويات، والتي كانت تضم عند إنشائها القسم الأدبي، والذي كان يشرف عليه بداية أستاذنا عبدالله خطيري، والذي اعترف له بفضل التوجيه والرعاية.
كثير من الحيرة في زمن مضى كانت تنتابني عندما أطرح السؤال بيني وبين نفسي، ترى ما سر هذه الرقّة والوداعة عند علي الغري؟ ولمن لا يعرف عن جذوره شيئًا فهو ينتمي لبني علي من قبيلة حرب، والتي نزح منها قسم توطن منطقة القصيم ومن هذا القسم برز العلاّمة الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله-.
المدينة البلد تصهر الناس في بوتقة واحدة، بحكم أنها بلد الهجرة والجوار والإيمان، وتطبع باديتهم وحاضرتهم وأبيضهم وأسودهم، وفقيرهم وغنيّهم، تطبعهم بتلك السمات التي عرف بها أهل الجوار من حب، ورقة، ولين جانب وطيب معشر، ولهذا انتفت عن المدينة منازع العصبية المقيتة، وأزعم أنّني أعرف عن هذا الجانب الشيء الكثير، ولقد رأيت القوم يجمعهم الحبّ، وتوحّدهم العاطفة الإنسانية التي ورثوها جيلاً بعد جيل منذ هاجر المصطفى صلّى الله عليه وسلّم إليها، فاستقبله أهلها في قباء مرحّبين بمقدمه الكريم إليها، ويشاء الله أن يشرّفها بانطلاق دعوة الإسلام منها، وأن يحتضن ثراها جسده الشّريف، فيشدّ النّاس رحالهم إليها زائرين مسجدها ومسلّمين على الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم والذي ضرب أروع أمثلة الوفاء لأهلها الذين ناصروه فقال في حقّهم يوم حنين: فو الذي نفسي بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك النّاس شِعبًا لسلكت شِعب الأنصار، اللّهم ارحم الأنصار.. وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، فبكى القوم يومها حتّى اخضلّت لحاهم، وتكلّمت دموعهم وصاحوا جميعًا بصوت واحد (رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا.
في كل مرة يكتب الله للعبد الفقير زيارة البلد الذي أكرمنا الله بالانتساب إليه، وليس من شرف يعلو على منقبة الجوار كنت اسأل عن بقية الأحباب ، وعلي الغري واحد منهم، فأسمع عنه ما يسر، فلقد وفّقه الله لخدمة البلدة الطّاهرة في شرطة قباء، وفي عمله مساعدًا لمدير شرطة المدينة على عهد الصديق المرحوم اللواء فهد عبدالقادر حمزة غوث، وقبل شهور أخبرني الابن الملازم ممدوح عبدالعزيز حمدان والذي كان يعمل مع المرحوم علي الغري، بأن هذا الأخير كان باستمرار يسأل عن حالة الابنة (سحر) -شافاها الله- ثمّ لمحت حزنًا على وجه الابن ممدوح وهو يخبرني بأنّ هذا الصديق قد أصابه عارض صحي، وتألّمت لهذا الخبر، وهاتفت أحد إخوته والذي أجابتني دموعه بأنّ زميلي وصديقي الوديع في حالة صحية حرجة، وانتحيت جانبًا وانتحبت باكيًّا، وطافت بي مواكب الذكريات بين العنبرية وقباء والمناخة وردّدت هاتفًا ترى ألم يحن يا طيبة أن يعود إليك جسد قد وهن، وروح يتبطّنها حنين وشوق لمرابع الصبا والطفولة حيث المصلى وعروة والنقا! حيث الحب ومنازع الشوق وطمأنينة النفس وسكينتها.
بعد أيام من مهاتفتي لشقيق المرحوم علي الغري، قرأت نعيه على صفحات جريدة المدينة الغرّاء، وفي نفس اليوم اتصل بي أحدهم ليخبرني بأنّ صديقًا له يبحث عن شخص يعرفه في شرطة المدينة ليقضي له حاجة، ثم أردف يقول: لقد فقدنا الغري، لقد كان يقضي حاجات من تنكرهم الأرض وتعرفهم عوالم الغيب والملكوت، فاعتبرت ذلك شهادة له بالخير والصلاح، فاللّهم ارحمه وانزله فسيح جناتك وتولّنا معه برحماتك ورضوانك، وفيض جودك يا كريم.
 
طباعة
 القراءات :1205  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 45 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.