شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حمد القاضي.. الرائد الذي جمع بين
أدب الحرف وأدب النفس ..!
إذا ذُكر الأدباء وأرباب الكلمة الذين جمعوا بين أدب الحرف وأدب النفس، فإنّ الأستاذ حمد القاضي يأتي في مقدمة هذه الفئة التي أكرمها الله بجملة من السّمات التي تجعلهم قريبين من نفوس الآخرين، ومهيّئين لحمل رسالة الحب والسلام في المجتمع.
عرفت هذا (الحمد) قبل أكثر من ثلاثين عامًا، وبالتحديد في عام 1394هـ عندما انعقد المؤتمر الأول للأدباء السعوديين في رحاب مهبط الوحي بمكة المكرمة وبرعاية جامعة الملك عبدالعزيز، حيث كُرِّم عدد من رواد الأدب في بلادنا ومن مختلف مناطق المملكة، ولكن القائمة خلت من اسم الشاعر والمبدع طاهر زمخشري، فكتب القاضي مقالاً مؤثراً بعنوان: (ظلموك إذ لم ينصفوك)، وأخال أن أستاذنا معالي الدكتور محمد عبده يماني والذي كان له مع معالي المرحوم الأستاذ حسن آل الشيخ دور تاريخي في إنجاح هذا المؤتمر- يتذكر تلك المقالة التي تعبِّر عن وفاء هذا الحمد لهذا الرائد.
وشاءت الأقدار أن يكرّم الزمخشري في مطلع القرن الرابع عشر الهجري بجائزة الدولة التقديرية مع الأستاذ العلاّمة أحمد عبدالغفور عطار والشاعر الأمير عبدالله الفيصل.
وإذا كانت هذه الجائزة توقفت هناك ورحل كثير من الذين يستحقونها فإن انعقاد مؤتمر الأدباء ظل مؤجلاً حتى عام 1419هـ، ففي حقبة معالي الدكتور سهيل قاضي ومسؤوليته الإدارية عن جامعة أم القرى عقد المؤتمر الثاني، ولا يعلم المرء أسباب هذا التأجيل والتسويف هل هو خوفنا من الإبداع؟! أم تهميش لدور الكلمة الصادقة والبناءة في حياة الأمة والمجتمع؟ أم نسيان وشيء من الجحود والتنكر لمن أناروا الطريق أمام الأجيال الصاعدة التي استشرفت آفاقًا جديدة للكلمة وفي مقدمتها الرواية والقصة؟
لقد انطبعت في ذهني صورة حمد القاضي مقترنة بالوفاء والنبل، فلا يعقد حفل تكريم لواحد من أرباب الكلمة في جميع أرجاء الوطن إلا ويكون فيه -لحمد- نصيب، فإن تعذر حضوره لسبب أو لآخر فإنه يبعث بكلمة تلقى نيابة عنه، وكثيراً ما تجشم الصعاب لتلك البواعث النبيلة التي تنطوي عليها نفسه حتى يؤدي واجبًا ولكأنّ نفسه لا تجد راحتها وطمأنينتها إلا في إنصاف الآخرين أحياء وأمواتًا، وأتذكّر أنّه عندما توفّي أستاذنا عبدالله كردي كتب (حمد) مقالاً ضافيًا في صحيفة البلاد يرثي فيه جهاد ذلك القلم الصادق واللسان، الذي فطر على الصراحة وقول الحق وإن غضب منه الآخرون أو المتهم حقيقة كشف المستور من الأشياء والغامض منها، وأعتقد أن أخانا حمد لم يقابل الأستاذ الكردي في حياته ولكنه كان يقرأ كتاباته الصادقة والتي تذكر بمقالات الفيلسوف الزاهد المرحوم عبدالله سلامة الجهني الذي عاش وحيدًا ومات وحيدًا واختفت أفكاره البيضاء وضنت مؤسساتنا الأدبية بتكريمه حيًا وميتًا.
ولعلّي عرفت من شمائل القاضي منقبة أخرى فلقد كتب مقالاً ينتقد فيه، وبدون سوء طوية، أحد رجالات هذا البلد ورموزه ومفكريه لمقولة روجها البعض عنه حقدًا وضغينة عليه، فاتصلت بعزيزنا حمد أشرح ملابسات القضية بكاملها وما عرفته عن هذا الإنسان والمفكر من ضروب الورع والتقوى والتدين الفطري الذي تلقاه في بيت والده، والذي كان يعد مرجعًا في علوم الشريعة وتمسكه بأهداب الدين الحنيف طبعًا وليس تطبعًا وخوفًا من الله وليس تلبسًا أو تكلفًا، فعاد القاضي عن رأيه الأول وكتب مقالة في ملحق الرسالة تدل على دأبه على الرجوع إلى الحق والالتزام به وقليل من يفعل ذلك وبينما يكابر البعض ولا يقبل بما هو أساس ودعامة في إرثنا الحضاري والفكري، فهذا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيدنا عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- تجادله امرأة وهو يخطب على المنبر وتذكره بقول الله عز وجل: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (النساء: 20). فيعود هو الحريص على قول الحق والجهر به، عن قوله الأول ويرفع صوته بمقولة ذهبت مثلاً ودليلاً على حرية الرأي في الإسلام (لقد أصابت امرأة وأخطأ عمر).
نعم؛ إن حمد القاضي أوَّاب، فنفسه لا تعرف حقدًا وضغينة على أحد ولكنّها عرفت الحبّ فكان بضاعتها في كلّ محفل وناد.
لقد ترجّل هذا الإنسان المهذب عن الجواد الذي امتطاه عن معرفة واقتدار وقوة لمدة تقارب من العقدين من الزمن، وأعني به رئاسة تحرير المجلة العربية والتي أدت دورًا تثقيفيًا مع المجلات الأدبية والعلمية الأخرى كالمنهل والعرب والفيصل والدارة وقافلة الزيت وغيرها، بل إن هذه المجلات هي التي مهدت الطريق أمام المجلات الأخرى التي أضحت تصدرها مؤسساتنا الأدبية والثقافية.
لقد أعطى الرائد حمد لهذه المجلة صفاء نفسه، ومدد تفكيره ونور بصره، وهو اليوم بعد هذه الرحلة المضنية في عالم الحرف الصادق، لجدير بالاحتفاء والتكريم ولا أخال منقبة كهذه تغيب عن رجل الثقافة والإعلام في بلادنا معالي السيد إياد أمين مدني فهو أدرى الناس بالتضحيات التي يقدمها المفكرون والأدباء والمبدعون وحمد القاضي في مقدمة هذه الصفوة من رجالنا الذين سوف يفسح لهم التاريخ بين مجايليه مكانًا كبيرًا وأثيرًا ومتميزًا.
 
طباعة
 القراءات :264  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 42 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثاني - النثر - حصاد الأيام: 2005]

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج