شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبدالفتّاح أبو مدين ومسيرة نصف قرن من الإنجاز الصّحافي والأدبي ..!
 
قد يختلف البعض حول طروحات النادي الأدبي بجدّة؛ وخصوصًا في الحقبة التي اشتدّ فيها الصراع بين التوجّه الحداثي من جهة، والمحافظ أو التراثي من جهة أخرى. ومن وجهة نظري أن تلك الحقبة قد ولّت وتلك الصفحات قد طويت، وبقيت المراهنة على وسطيّة تنأى بالسّاحة عن تشدّد يأتي من اليمين، ونظير له ينفلت من جهة اليسار، وكلا التشدّدين مرفوض قطعًا.
اليوم.. وقد استقالت إدارة النادي الأدبي بجدّة برئاسة الصحافي والأديب المعروف الأستاذ عبدالفتاح أبومدين؛ فإنه ليجدر بنا أن نقول كلمة للتاريخ عن الرجل ورفاقه وما أنجزوه، فالأستاذ أبومدين الذي أخذ عن الكبار في مؤسسة التعليم الرائدة بالمدينة المنورة (دار العلوم الشرعية)، لقد أخذ عن رجب أبوهلال، وعبدالرحمن عثمان ومحمّد الحافظ، وجلس إلى جيل الروّاد من أمثال شحاتة والعوّاد، وقنديل ومحمود عارف، وعبدالعزيز الربيع، وعبدالعزيز الرفاعي وماجد الحسيني، وهو الرجل الذي أسس أوّل صحيفة في جدّة (الأضواء) في العهد السعودي مع رفيق دربه المرحوم محمّد سعيد باعشن، وكان ذلك في عام 1376هـ وكانت تصدر حسب إمكانياتها مرّة كلّ أسبوع، ثم أصدر من جدّة أيضًا مجلة الرائد وكان ذلك في عام 1379هـ، وقد كان للأضواء من المواقف الوطنية الكثير والذي يسجّل رصيدًا للرجل الذي قاد سفينة النادي الأدبي بجدّة لمدة تزيد عن عقدين من النادي، ويمكنني القول، ومع التقدير لجهود كلّ الأخوة والزملاء والأصدقاء الذين شاركوا في مسيرة النادي والذي كان للرائد الكبير محمّد حسن عوّاد مبادرة تأسيسه أسوة بالأندية التي بدأت مسيرتها عام 1395هـ، إنّه لم يكن بإمكان هؤلاء الزملاء أن يوجّهوا طاقاتهم البحثية والإبداعية لو لم تكن شخصية واعية مثل شخصية الأستاذ أبومدين تقوم بتوجيه تلك المسيرة، فالرجل بخلفيته التراثية العميقة كان يقضي الساعات الطويلة لمراجعة إصدارات النادي المتعددة المسارات مثل (علامات) و(جذور) و(الراوي) و(نوافذ)، وقد استمعت إليه يومًا في مكتب الزميل الأستاذ علي محمّد حسون بصحيفة البلاد وهو يتحدّث عن كيفية إخضاع تلك الإبداعات لعملية تنقيح طويلة وخصوصًا من تلك العبارات التي تحمل دلالات لا تتّفق مع الرؤية الإسلامية للأدب، ويجب أن نقرّ بأن الأدب العربي الحديث قد تأثّر بالأدب الغربي الحديث وخصوصًا بالشاعر الإنجليزي الملتزم ت. س. إليوت. وبإمكان الباحث أن يجد ذلك مفصلاً في كتاب الباحث: س. موريه. الموسم الأدب العربي الحديث – 1800 – 1970، والصادر عن لايدن، بريل، عام 1976م، قد احتوى كذلك الكتاب الذي حرره عيسى بلاطة والصادر باللغة الإنجليزية سنة 1980م بعنوان: Critical Perspectives On Modern Arabic Literature, على بحث للناقد نذير العظمة يتحدث عن حركة تموز الأدبية وأثر "ت.س. إليوت" على الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، وليس من ضير في التأثر بالتقنيات الأدبية الحديثة الموجودة في الأدب الغربي والذي تأثّر بالتقنيات الأدبية الحديثة الموجودة في الأدب الغربي والذي تأثّر هو الآخر في العصور الوسطى بالأدب العربي وخصوصًا بـ"فن الموشحات" وتقنيات قصص ألف ليلة وليلة والذي كرّس الرحالة واللغوي والأديب الإنجليزي المعروف "ريتشارد بيرتون"في القرن التاسع عشر الميلادي جهوده لنقلها نثرًا وشعرًا إلى الإنجليزية وقد قامت المحررة الأديبة Kathy Casey، بتنقيح طبعة لترجمة بيرتون لذلك القصص في عام 2001م، والصادر عن دار دوفر Dover Publications.
في حقبة الأستاذ أبومدين أقام نادي جدّة ندوتين هامتين إحداهما بعنوان: قراءة جديدة لتراثنا النقدي، شارك فيها عدد من النقّاد العرب والسعوديين من أمثال تمام حسّان، وحمادي صمودي، وصلاح فضل، ومحمّد الكتاني، ومحمّد الهادي الطرابلسي، ومحمّد الهدلق، ومحمّد المريسي الحارثي، وعبدالله الغذّامي، وعبدالله المعطاني وسواهم. والندوة الأخرى عن قراءة النص، ولقد قدمت في هذه الندوة أو هذا الملتقى اثنتان وثلاثون ورقة من قبل باحثين وأكاديميين سعوديين وعرب، وقد تضمنت أعداد من فصلية العلامات الصادرة عن النادي بحوث هذه الندوة وما صاحبها من تعليقات على المحاور التي تضمنتها بحوث هذا الملتقى النقدي.
استقالة الأستاذ أبو مدين ورفاقه من إدارة النادي الأدبي بجدّة، أحدثت صدىً واسعًا في الوسط الثقافي والأدبي وتباينت ردود الفعل إزاءها، ونحن في العالم العربي كافة لم نقترب من هذا التقليد الموجود عند بعض الأمم الأخرى، ويحضرني في هذا السياق استقالة المنظّر العمالي المعروف (هارولد ويلسون) عام 1976م من رئاسة المؤسسة التي قادها لسنوات عدة فلما اقترب من الستين أعلن على الملأ وهو في الذروة من الشهرة استقالته طالبًا من الجيل الجديد في المؤسسة أن يأخذ فرصته ويضيف جديدًا؛ ولكن الرفاق بعده اختلفوا، ثمّ بعد سنين عدّة عادوا من جديد للالتفاف حول قيادات جديدة.
يستحق الأستاذ أبو مدين تقديرًا لمسيرة طويلة وغنية بالإنجازات؛ امتدت لما يقرب من نصف قرن من الزمن، يستحق الرائد أبومدين كلمة حب ووفاء، وأنه في هذه السن التي يبحث فيها الآخرون عن الراحة وكان أديبنا يتطلّع لصعود القمم، ولا بأس أن نختلف؛ ولكن للحظات الحاسمة ما يلائمها من القول والسلوك الحميدين.
 
طباعة
 القراءات :216  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 38 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.