شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إياد مدني.. بساطة المظهر ورصانة التفكير ..!
أثارت الكلمة التي ألقاها معالي وزير الثقافة والإعلام في اليوم الأول من فعاليات منتدى جدة الاقتصادي، ضجّة وصخبًا كبيرين في الساحة الصحافيّة والثقافيّة، ولنكن أكثر واقعية فمنذ وصول أبي مازن لهذا المنصب، والذي يعتبر من المناصب الحسّاسة في عالمنا العربي والإسلامي، وهو المنصب الذي تعاقبت عليه شخصيّات متعدّدة كان آخرهم، الإنسان المهذّب والذي يعمل في صمت محمود معالي الدكتور فؤاد فارسي، نعم منذ وصول أخينا ((إياد)) لهذا المنصب الذي يخشى الكثيرون الاقتراب منه لأسباب متعدّدة، وهو لا يسلم من غمز هنا ولمز هناك؛ وخصوصًا في ساحات الإنترنت التي يستخدمها القليل لما هو مفيد، وتستخدمها الكثرة للتنفيس عن احتقانها، أو للتبشير برأيها الأحادي، وأن بعضها من ضيق الأفق وضعف التصوّر حتى إنّه لا يرضى برأي مغاير، ويجب ألا نفقد مكتسبات القدرة على الحوار والتواصل كأبناء وطن واحد، أكرمه الله بأن جعل فيه بيته المعظّم ومسجد ومثوى نبيه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، ممّا يتوجّب معه بأن نضرب الأمثلة على أنفسنا للآخرين حضاريًّا وفكريًّا، حتى تكون في موقع القدوة الصالحة، كما فعل آباء وأجداد لنا في عصر النبوة والخلافة الراشدة وما تبعهما من حقب خيرة ومباركة.
لست في كلّ الأحوال مصنّفًا ضمن الدائرة الخاصة التي تعمل بمثابرة ودأب حول أبي مازن، ولا يتطلّع العبد الفقير إلى الله لضروب التقرّب والتزلّف الممقوتة؛ بل إنّني لا أذيع سرًّا إذا ما قلت إنّه عندما شرّف الله أخانا إياد بتبوّأ منصب وزارة الحج، وكنت أعمل قبل فترته بسنين عدّة مستشارًا غير متفرّغ، نعم لقد كنت من أكثر الناس اختلافًا معه؛ ولكنّه كان اختلاف العقلاء، وكثيرًا ما رفعت صوتي لحدّة جُبلت عليها، فكان يقابل ذلك كله بابتسامة هادئة ثم يخفض رأسه لأدب توارثته الأسرة التي ينتمي إليها في بلد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم؛ ثم يقول: لقد قلت لك مرارًا إنّك بمنزلة أبي.
وأعلم أنّه لا يفعل هذا إلا مع الذين يحترمهم حتّى وإن اختلف معهم، وللذين يحتفظ لهم في نفسه بمنزلة التقدير حتّى وإن اختلفت الرؤى، وتباعدت الأفكار.
لقد عملت معه رئيسًا لتحرير مجلّة الحج لمدة من الزمن، وكان في كلّ مرة نلتقي فيها لنناقش بعض المواد العلمية التي نكون بصدد نشرها، كان يقول لي: إنني أأتمنك على ما ينشر؛ فلهذه المجلة تاريخها ومنزلتها الدينية والتاريخية ووقارها، ولم ينشر في هذه المجلة التي تسلّم قيادتها في ما بعد الابن والزميل الأستاذ حسين بافقيه، ثم من بعده الصديق الأستاذ محمّد صادق دياب، نعم إنّه لم ينشر فيها مطلقًا مادة تتعارض مع الثوابت والمنطلقات، وكان أبومازن مثل سلفه معالي الدكتور محمود سفر وخلفه معالي الدكتور فؤاد الفارسي حريصًا على تطور المجلّة دون إخلال بالمضمون، وكنت أدفع له بمواد العدد فيدوّن برقّة ولطف ملاحظاته، وكانت معظم هذه الملاحظات تصب في خدمة المضمون العلمي الرصين لهذه المجلّة، ويحمد له أن جعل منها مجلّة تخاطب الشّعوب الإسلاميّة باللّغة الإنجليزيّة، وكان حريصًا على تقديم تراث المدينتين المقدّستين، حيث حلقات العلم ومنتديات الفكر التي انطلقت منها الدّعوات الإصلاحيّة النيّرة في العالمين الإسلامي والعربي.
ولعلّ مقولته التي ضمّنها الكلمة التي ألقاها في المنتدى المذكور بأنّ المملكة دائمًا تعمل على تطوير مجتمعها في إطار الشريعة الإسلامية التي تفخر بها، سيما وأنّ المملكة قبلة أنظار 1.5 مليار مسلم في العالم، وأنّ جميع ما يقومون به في حياتهم اليومية يعطي انعكاسًا للإسلام وقيمه، وإن كان الطّرف الآخر لا يدرك ذلك..
ففي هذه المقولة ما يؤكّد أن ما تلقّاه أبومازن من تربية دينية عميقة في أسرته أثّر على منحاه الفكري، فوالده الكاتب والمؤرّخ العربي والإسلامي السيد أمين مدني، وعمّه الشاعر والأديب والمؤرّخ السيد عبيد مدني، وهما من أبرز خريجي حلقات العلم في المسجد النبوي الشريف حوالي الخمسينيات الهجرية من القرن الماضي، ومن أبرز تلك الحلقات حلقات المشايخ، ألفا هاشم، وأبوالطيب الأنصاري، وصالح التونسي، وحمدان بن الونيس، ومحمّد العائش، وحسين أحمد الفيض آبادي، وعبدالقادر الشلبي، وأمين الطرابلسي، وسواهم ممن أخذ عنهم مصلحون معروفون من أمثال شكيب أرسلان، وعبدالحميد بن باديس، والبشير الإبراهيمي، وجمال الدين القاسمي.
وإن ما تلقّاه معاليه أو رُبّي عليه من قيّم إسلامية عظيمة ومؤثّرة لينعكس أيضًا في السّطور التالية من تلك الكلمة حيث يقول معالي السيد إياد: "إن بعض المجتمعات التي مارست التمييز بحسب اللّون أدركت أخيرًا أنّ الإنسان أبيض كان أم أسود هو جزء من المجتمع المحلي والعالمي؛ بل إنّ بعض الملونين تفوّقوا على البيض".
فمجتمعات هذه البلاد الطيبة وخصوصًا بيئات مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة وما حولهما، عرفت منذ زمن بعيد هجرات من بلاد إسلاميّة وعربيّة متعدّدة، ولقد انصهرت تلك الجماعات المهاجرة حبًّا في الله ورسوله في مجتمعنا، وانتفت بذلك العصبيّة المقيتة، والفئويّة المرفوضة من أرض عرفت بلالاً وعمّارًا وصهيبًا وزيد بن حارثة إلى جانب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم؛ بل إن الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم أعطى الحظوة للصّحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه؛ وذلك عندما قال: سلمان منّا أهل البيت، وهذا عمر بن الخطاب يقول في حقّ سيّدنا بلال رضي الله عنهما: "أبوبكر سيّدنا وأعتق سيّدنا"، وعندما ندت كلمة من أبي ذر الغفاري رضي الله عنه في حقّ سيّدنا بلال نجد النّبي والمعلّم صلّى الله عليه وسلّم يقول لأبي ذر: إنك امرؤ فيك جاهلية.
هذه كلمات في حقّ إياد مدني المثقّف.. لا أبتغي من ورائها شيئًا من حطام هذه الدنيا، وكثير من الرّفاق في هذه السّاحة يعرفون ذلك، ويبقى علينا أن ننتقد بموضوعيّة، ونختلف في أدب. وننأى عن رمي الآخرين بما هم منه براء، فهذا هو الطّريق الصّحيح لرقي الأمّة حضاريًّا وفكريًّا.
 
 
طباعة
 القراءات :265  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 36 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج