شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
محمّد حميدة.. والتجسيد الحي للاعتدال والمعرفة المتنوّعة..!
تفتّحت أعين أبناء البلدة الطّاهرة على شخصيّات علميّة وفكريّة وأدبيّة كانت مضرب المثل في رجولتها وشهامتها مع استقامة في السُّلوك، وورع شديد في التّعامل مع أمور هذه الحياة الفانية. وكان الأستاذ والمربّي والفقيه والأديب محمّد حميدة -أطال الله عمره- واحدًا من هذه الشخصيّات التي عرفتها على مدى ما يقرب من أربعة عقود من الزمن، فلقد كنّا نشاهده يخرج من داره في حي (ذروان)، إلى المسجد النّبوي الشّريف في تؤدة وتواضع، ثم نشاهده في مواضع أخرى حيث كان يقدّم لبعض المحاضرات التي تعقدها الأسرة التعليميّة والأدبيّة في المدينة على مسرح طيبة الثّانوية. وأتذكّر من الشخصيّات التي تمّ استضافتها في التسعينيات الهجرية المفكّر مالك بن نبي، والأستاذ علي الطنطاوي، والكاتب الإسلامي أحمد جمال، والفقيه المالكي المعروف محمّد المنتصر الكتاني –رحمهم الله–. وكان الأستاذ "حميدة" في تقديمه لبعض من هذه الشخصيّات وسواها يتحدّث بلغة سلسة وسليمة ارتجالاً وهو في هذا يشبه تلك الرموز المضيئة في تاريخنا الأدبي والفكري من أمثال الأساتذة عزيز ضياء، ومحمّد حسين زيدان، وحمد الجاسر، وعبدالعزيز الربيع، وعبدالرحمن رفّة، وإبراهيم فودة. كان توجيه الأستاذ حميدة لأبنائه ومريديه سواء في جامعة الإسلام الأولى، المسجد النبوي الشريف، أو في النشاطات الأدبية التي تقوم بها إدارة التعليم بحكم عمله فيها من خلال نشاطات أسرة الوادي المبارك التي تمخض عنها إنشاء نادي المدينة الأدبي سنة 1395هـ، كان توجيهه يمتح من ذلك التراث النبوي الذي تجسّد في شخصية نبي الأمة وشفيعها وهاديها سيدنا محمّد عليه صلاة الله وسلامه، وسلوك صحابته من بعده رضي الله عنهم، فلقد كان صلّى الله عليه وسلّم يأتيه الرّجل من البادية بعفويته ويقول له: اعدل يا محمّد، فيغضب لذلك صحابته الذين أحبّوه واتّبعوه وفي مقدّمتهم سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيمنعهم من إلحاق الأذى به، ويأخذه بالرّفق حتّى يتركه السّائل وقد ملأ الله قلبه بمحبّته فيأتي للإسلام طائعًا، وهذا مطلب غاب عن البعض ممن تصدّوا للوعظ والإرشاد، فأخذ بعضهم النّاس بشيء من الغلظة والقسوة التي ربما تدفع المتلقّي إلى ردّة فعل غير محمودة فنخسر بهذا الأسلوب أكثر من أن نكسب وخصوصًا أنّ من نخسرهم هم من الشباب الذي يمثّل دعامة قوية للأمة في مسيرتها الحضارية والفكرية.
وقد عرف علماء ومفكرو البلدة الطاهرة بالسماحة في القول، والاعتدال والوسطية في الرأي، وأستاذنا حميدة الذي ترعرع في كنف محدّث الحرمين الشيخ عمر حمدان المحرسي 1293- 1368هـ واتصل أثناء دراسته في مدرسة تحضير البعثات بمكّة، والتي كان من زملائه فيها الشيخ حسن آل الشيخ والأستاذ عبدالرحمن تونسي والأستاذ عبدالله سلامة الجهني -رحمهم الله-, نعم لقد أتاحت له الإقامة وطلب العلم في ظل البيت الحرام الاتصال بواحد من أكثر العلماء ورعًا في المسلك، وموسوعية في العلم، وخصوصًا في علوم الأدب واللغة؛ شيخنا العلاّمة السيد محمّد أمين كتبي 1328هـ- 1404هـ، وكان أستاذنا حميدة من أكثر الشخصيات قربًا من إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن صالح، قد أجمع الناس في بلد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم على حبّ الشيخ ابن صالح الذي كان عطوفًا على أهل الجوار آخذًا في ذلك بأمر الحبيب صلّى الله عليه سلّم في حبّ جيرانه وإكرامهم، فهم القوم الذين دعا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم لهم ولأبنائهم وأحفادهم اللّهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وخاطبهم صلّى الله عليه وسلّم قائلاً معترفًا بفضلهم وسبقهم لهذا الدين العظيم، فو الذي نفسي بيده لو أنّ النّاس سلكوا شعبًا وسلكت الأنصار شعبًا لسلكت شعب الأنصار.
وكما حاز أستاذنا حميدة على ثقة الشيخ ابن صالح فلقد حاز كذلك محبّة عدد آخر من علماء الأمّة؛ ويأتي في مقدّمتهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز أثناء الحقبة التي أدار فيها شؤون الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة، وقد ذكرت في مقالة سابقة أنّ الشيخ ابن باز كان كذلك يكرم أهل الجوار، فلقد حدّثني الوالد الشيخ جعفر بن إبراهيم فقيه أنّه زاره في داره بحي صيادة بباب المجيدي، وهذا يدلّ على التواصل المبارك الذي كانت تتّسم به الحقبة الماضية بين علماء الأمة ومفكريها وأدبائها.
يذكر أستاذنا حميدة الرجال الذين عرفتهم في التعليم مثل الأستاذ محمّد سعيد دفتردار، والذي كان معتمدًا للتعليم في المدينة، وسلفه الأستاذ عبدالعزيز الربيع، يذكرهم بكثير من الثناء والتقدير والعرفان، وقد ذكر لي أنّ الأستاذ الربيع إذا ما أراد تقديم ورقة رسمية له فإنه ينهض من الكرسي الذي يجلس عليه ويقف على قدميه احترامًا لمقام زملائه من أهل العلم والفضل، وكان مثل هذا الاحترام والتقدير مما حفظ المحبّة والوداد بين رجال تلك الحقبة على الرّغم من اختلاف مشاربهم في العلم، وتنوّع الموارد التي نهلوا منها ممّا يصلح مثالاً تقتديه الأمّة في مسيرتها الحالية.
لقد أدّى الأستاذ حميدة خدمات جلّى للتعليم في المدينة مدرّسًا ومسؤولاً وإداريًّا ومفتّشًا، وكان واحدًا من أبرز أعضاء أسرة الوادي المبارك ونادي المدينة الأدبي، ومسؤولاً عن التدريس بالمسجد النبوي الشريف، وقائمًا على تسيير شؤون جمعية تحفيظ القرآن الكريم وجمعية البر بالمدينة مع رجال يأتي في مقدّمتهم المرحوم الأستاذ عبدالعزيز ساب والشيخ عبدالرحيم عويضة -أطال الله عمره-، وعاش حياة أقرب ما تكون إلى حياة أولئك القوم الذين زهدوا في مظاهر الحياة الفانية ورضوا بالقليل منها، وهو كثير الثناء على شيخه أمين الطرابلسي المدني الذي كان يسير في دروب المدينة متأدّبًا، ويعيش في ربوعها زاهدًا، وهو الذي حباه الله الكثير من العلوم والمعارف ومن بينها الرياضيات والفلك والأدب.
لا يزال شيخنا (حميدة) يحدّث النّاس قبل مغرب كلّ يوم بالقرب من مثوى سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يحدّثهم حديثًا بسيطًا وبليغًا ومؤثّرًا، لأنّه الحديث أو الوعظ الذي يخرج من نفس مطمئنة وصادقة. إنّ رجلاً وعالمًا وأديبًا مثل أستاذنا (حميدة) لجدير بالتقدير والاحترام، ولهذا فإنّني أدعو معالي الصديق السيد إياد مدني وزير الثقافة والإعلام، وهو واحد من تلاميذه الأوفياء له، أن يبادر بتكريمه من خلال نادي المدينة الأدبي الذي أعطاه الأستاذ حميدة الكثير من وقته وجهده ولقد أثمر ذلك العطاء وأينع، فأنعم به من عطاء وجهد مبارك.
 
طباعة
 القراءات :367  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 35 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الرابع - ما نشر عن إصداراتها في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الخامس - حياتي مع الجوع والحب والحرب: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج