شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
في رثاء السيد ياسين طه.. وفقدناك يا آخر الآباء ..!
- يأتيني صوت أحد الأحبة متهدّجًا (السيد ياسين طه يعطيك عمره)، أخذت نفسًا عميقًا.. استرجعت أمام عيني ابتسامته، صفاءه، قامته الطويلة الشامخة بينه وبين السيد محمّد حسن، ففي ذلك الشبه في الشموخ وتلك العفّة في اللسان والاستقامة في السلوك، لقد كانا من أبرز جيل الرواد في هذا التفرد خلقًا وسلوكًا وحبًّا وصفاءً.
- قبل ما يقرب من أسبوعين فقط، كنت أتحدث إلى معالي المهندس فؤاد محمّد عمر توفيق - عن جيل.. أديب صقر، وأسعد طه، وحليت بن مسلم وعبدالحميد عبّاس، وعلي كماخي، ومحمّد حسين زيدان.
- الأستاذ محمّد سعيد طيب يسأل أخانا فؤاد هل كانت هناك قرابة أو نسب بين والده معالي الأستاذ محمّد عمر توفيق، والسيد ياسين، والشيخ حليت، وسمعت إجابة كنت أعرفها مسبقًا، لقد كانوا أصدقاء بل كانوا إخوانًا. وأستطيع القول في كلمة رثاء متواضعة في واحد من آخر أبنائنا الروحيين بأن ديمومة صداقتهم مردّها لما بنيت عليه من أساس متين قوامه المحبّة في الله، والصّدق في الإخاء، والحفاظ على جوهر المودّة، وعدم المساس بها حتى وإن حلّت سحابة صيف، وكثيرًا ما اختلف الكبار؛ ولكن في أدب. وسمعت أحدهم يومًا بعد أن سأله أحدهم لماذا لا يمرّ من ناحية من نواحي السوق في طيبة الطيبة، سمعته يتمتم قائلاً: كيف أمرّ من أمام حانوت صديقي ولا ألقي التحية عليه لجفوة بيننا؟! وكانت ليلة العيد فرأيت صاحب الحانوت يدخل على صديقه في منزله ويمطره قبلاً على جبهته؛ لأنّه الأكبر سنًّا، ورأيت هذا الأكبر يبكي وهو من أكثر رجالات عصره جسارة ومهابة.
- لن أرثي اليوم السيد ياسين الكاتب والأديب، والذي عندما خرج كتابه "يوميات ياسين طه" بجهود أحبابه وأبناء أحبابه، فكأن الساحة الأدبية اكتشفت من جديد ياسين طه الأديب صاحب الأسلوب الذي يذكرك بإبراهيم المازني في سخريته المريرة من مفارقات الحياة وعجائبها التي لا تنتهي، ولكنّني كنت أرى في تساؤل الساحة ودهشتها وتعجبها شيئًا آخر، هذا الشيء لم يكن سوى العبارة التي كان يردّدها بأسى وحزن صديقه صاحب الكلمة المجنّحة محمّد حسين زيدان (المجتمع دفان)! وسمعته - أي الزيدان) - في أخريات حياته وكان قد ضعف منه بصر، ووهن بين برديه جسد؛ سمعته يقول وهو يدخل مكتب معالي الدكتور رضا عبيد مدير جامعة الملك عبدالعزيز الأسبق حاملاً معه أوراق من تعرفهم السماء وتنكرهم الأرض، سمعته يتمتم بعد أن سقط العقال من فوق رأسه فانحنيت أحمله من الأرض وأضعه فوق رأسه احترامًا لصداقة كانت تربطه بوالدي -رحمه الله- زمن النشأة في طيبة الطيبة، نعم لقد سمعته وكأن النّاس معي تسمع ما يقول: (كنت أعيش حياة الترف واليوم أعيش شيئًا من القرف). ولم يدخل مكتب ابن عبيد إلا وهو يرفع يديه قائلاً: (أعزّك الله). وكانت الفاجعة في حياة الوالد السيد ياسين عندما فقد اثنين من أقرب النّاس إليه في وقت متقارب وهما محمّد حسين زيدان، وحليت بن مسلم. ثم رأيته جَلِدًا وصبورًا وهو يفقد ابنته الوحيدة ويتقبّل العزاء فيها، ولكنّه عندما فقد شريكة حياته اكتفى بالجلوس في أعلى الدار، ولم أستطع الجلوس كثيرًا في العزاء، واستأذنت من الأخ الكريم أحمد عبّاس وانصرفت وفي النّفس وحشة، وعلى العين غشاوة.
- لقد عاش آباؤنا مع نساء فضليات، وفَّرن لهم طمأنينة النّفس وراحة البال، وهذا أقصى ما يبحث عن الإنسان في هذه الحياة، وأستطيع القول وأعمارنا جميعًا بيد الله وحده؛ بأنّ (رحيل) رفيقة الدرب للسيد ياسين كان أمرًا لم يستطع الإنسان ياسين طه تحمّله.
ترى أيّ دار سوف أقصدها بعد دارك في الكندرة يا أبتاه؟؟، فلقد كنت أرى فيها العنبرية حيث عشت، وقباء حيث أحبابك، وباب السلام والعينية حيث النداء: حيّ على الصّلاة!
والصّلاة على النّبي المختار عليه ألف صلاة وسلام.
 
طباعة
 القراءات :309  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 31 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الثاني: تداعيات الغزو العراقي الغادر: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج