شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
السيد محمّد علوي المالكي وصور مشرقة من تاريخنا العلمي..!
عندما قدمت إلى مكة المكرمة، دارسًا في كلية الشريعة عام 1392هـ كان الحرم المكي يزدان بحلقات العلم التي يتصدى فيها للرأي والاجتهاد علماء من أمثال المشايخ حسن المشّاط، عبدالله بن حميد، ومحمّد نور سيف، وعبدالله بن دهيش، وعبدالله اللجحي، وعبدالله الخليفي، وطه البركاتي، وإسماعيل الزين، وعبدالفتاح راوه، وعبدالله خيّاط، وعبدالله دردوم، ومحمّد مرداد. وكان نفر من العلماء اختار أن يكون بيته موئلاً للعلم والمعرفة من أمثال فضيلة العالم اللغوي والفقيه السيد محمّد أمين كتبي، ومسند العصر محمّد بن ياسين الفاداني الذي تلقّى العلم عن محدّث الحرمين الشيخ عمر بن حمدان المحرسي، وزكريا بيلا، والسيد حسن فدعق، والسيد علي البار، والسيد إسحاق عزوز، وكانت حلقة المحدث السيد علوي بن عباس المالكي التي عرفتها حوالي عام 1388هـ، قد خلفه فيها ابنه السيد محمّد علوي بن عباس المالكي، حيث كانت وفاة والده في عام 1391هـ، وكنت قد عرفت السيد محمّد في المدينة المنورة مع والده عندما كان يزور في كل عام مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
كما تعرّفت في وقت مبكّر على ابنه السيد عبّاس المالكي الذي هو الآخر كأخيه السيد محمّد، أخذ العلم عن جملة من الرجال الذين نذروا أنفسهم للعلم والمعرفة ورضوا بالقليل في زاد الدنيا ومتاعها الفاني.
اقترب كثير من أندادنا من السيد محمّد، فلقد كان بليغًا كوالده في الحديث وإلقاء الدرس، وكان سمحًا فأنت لا تنظر في وجهه إلا وتجده مبتسمًا، وكان عطوفًا على طلابه ومريديه يتفقدهم إذا ما غابوا، وينظر في حوائجهم نظرة الوالد المحب والغيور، وكان وقته مملوءًا بنشر العلم الشرعي في كلية الشريعة التي تخرج فيها ثم طلب العلم في الأزهر الشريف على الأفذاذ من أهل العلم، وكان بعد صلاة العصر يفتح داره في (العتيبية) وكانت مكتبته الحافلة بأمهات الكتب في علم الأصول والفقه والحديث واللغة متاحة أمام كل من يقصد الدار من طلاب العلم، فقيرهم قبل غنيهم، وأسمرهم قبل أبيضهم، وقاصيهم قبل دانيهم.
كان السيد محمّد، بعد أن تصدى للدرس مكان والده في باب السلام، لا يجد حرجًا في ترك مكانه والذهاب إلى حلقات ودور مشايخه من أمثال: حسن المشّاط، ومحمّد نور سيف، وعبدالله اللجحي، وكان هذا الأخير قريبًا إلى نفسه وكان الشيخ اللجحي قد عرف تمكنه من علم أصول الفقه، وسمعت المرحوم السيد محمّد يخاطب الشيخ الحسيني عبدالمجيد، أحد علماء الأزهر الشريف، ودرس لمدة في كلية الشريعة، وكان صهرًا لشيخ الأزهر المعروف عبدالحليم محمود -رحمهم الله-؛ سمعته يخاطب عن مقدرة الشيخ اللجحي في علم أصول الفقه ويقول له: إنه يبرز الكثير من أقرانه ولكن عزوفه عن الظهور جعل الكثيرين لا يعرفون عن هذا العالم الذي كان جمع من أهل مكة من أمثال المشايخ جميل خشيفاتي، ورشيد فارسي يتحلّقون حوله في الحرم المكي.
وكان من أقرب الناس إلى نفسه الفقيه الشافعي المعروف السيد حسن بن سعيد يماني، فلقد لازمه في داره حتى وهو في أخريات حياته عندما لزم داره المتواضعة التي عرفتها شخصيًّا في حي أجياد بالقرب من الحرم، وكان السيد محمّد يعتزم إخراج أسانيد السيد حسن يماني ولكن المنية عاجلته، وهو فيما أجازني به من مروياته يروي كثيرًا عن السيد حسن يماني وجملة من علماء مكة وفي مقدمتهم والده -رحمه الله- وكان كثير الاعتزاز به، وكان يحدّثني عن العلاقة الحميمة التي تربط والده بأصحاب الفضيلة المشايخ عبدالله بن حميد، وعبدالملك بن إبراهيم آل الشيخ، وعبدالعزيز بن صالح، ومحمّد بن سبيل، ومحمّد نصيف، ومحمّد حسنين مخلوف، وحسن الشاعر، وعبدالقادر الشلبي المدني، ومحمّد المختار الشنقيطي المحدث وعمر محمّد جاده فلاتة.
كما كان السيد علوي -رحمه الله- قريبًا من نفوس رجال الفكر والأدب مثل الشيخ محمّد سرور الصبان، والسيد محمّد حسن فقي، ودرس في حلقته جملة من أرباب الكلمة ومبدعي الشعر والأدب وفي مقدمتهم الشاعر عبدالله بلخير، والأساتذة حسين سرحان وأحمد محمّد جمال، وحسن عبدالله القرشي، وهذا يوضح العلاقة الوثيقة التي كانت قائمة بين حلقات العلم في الحرمين الشريفين والمؤسسات التعليمية والفكرية والثقافية، مثل الصولتية والفلاح ودار العلوم في مكة، ودار العلوم الشرعية في المدينة المنورة.
كان السيد محمّد شديدًا في قضية الالتزام بثوابت الدين، فكان حريصًا على أداء الصلوات وفي أوقاتها ومع الجماعة، وكان يوقظ طلابه وأبناءه ويسير بهم لأداء صلاة الفجر في الحرم المكي الشريف، ويشدد عليهم عدم الخروج عن جماعة المسلمين، ولهذا فإنه عندما وقعت حادثة الحرم المكي الشريف عام 1400هـ كان من أوائل المنكرين عليها والمنددين بها وحذر من عواقبها المسيئة على الأمة. ولقد حمد له ولاة الأمر -جزاهم الله خيرًا- هذا الموقف الحازم المتسق مع مقاصد الشرع الحنيف وكان ينهي طلابه عن الحديث بما لا يليق في أي عالم من علماء الأمة، كما كان يكره أن يُذكر أحد في مجلسه بسوء وبما يدخل في باب الغيبة والنميمة. وقال لي مرة -رحمه الله- إن من دواعي القرب من الله ترك الحديث في الناس أو التشهير بهم، كما كان يدعو لعدم الخوض في أنساب الناس، ولهذا أحبه عامة الناس وخاصتهم وفقيرهم وغنيهم، ولكنه كان ينأى بنفسه عن غشيان مجالس أهل الثراء والجاه، وكنت بصحبته في الحرم المكي الشريف -في يوم جمعة- فقابله أحد وجهاء البلد، وعاتبه على عدم زيارته له وقال له إن بيننا وبين والدك يقصد- السيد علوي -رحمه الله- من الودّ ما بيننا، فأجابه برفق أن مشربه ومسلكه هو عدم التكفف على أبواب أهل الدنيا مع تقديره له ومحبته له.
كان يتفقد أصدقاء والده ويزورهم حتى وإن ارتحلوا في أخريات حياتهم عن مكة، وذكرت له مرة أن الأستاذ عبدالله بلخير يعتب عليه عدم سؤاله عنه، فسأل عن داره في جدة وكان الأستاذ بلخير قد ابتعد عن الناس بسبب مرضه.
فزاره وطلب منه الصفح إن هو قصر في أداء واجب المحبة، وهذا باب فريد من التواضع لا يقدر عليه إلا من أكرمهم الله بنور البصيرة وصفاء السريرة، وكان أبوأحمد على قدر كبير من هذه الصفات التي أكرمه الله بها، وسمعته بنفسي يثني على الشيخين محمّد بن سبيل وصالح بن عبدالله حميد، ولهذا لم أستغرب ما أوردته صحيفة (البلاد) قبل مدة يسيرة من ثناء الشيخ ابن سبيل على دروس السيد علوي وابنه السيد محمّد، وأنها كانت مصدر ثراء ومعرفة في الحرم المكي الشريف.
ولعلّ النّاس تتذكّر الدرس الشهير الذي كان يلقيه السيد محمّد في ذكرى غزوة بدر في كل عام، وكان ينقل حيًا على الهواء من الحرم المكي، وكانت الناس تعجب لقوة حافظة السيد المالكي وفصاحته وبلاغته وقدرته الفائقة على استنباط الأحكام من سيرة سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي السيرة العطرة التي أوقف الفقيد جلّ سني حياته في الكتابة والتأليف عنها، وما أحوج أجيال الأمة اليوم لمعرفة هذه السيرة والتأسي بها، من حِلم وتواضع ودعة في سماحة، وصدق حسان بن ثابت رضي الله عنه، عندما مدح سيد الأمة وشفيعها إلى الله عليه صلوات الله وسلامه:
وأحسنُ مِنكَ لَمْ تَر قَطُّ عَيْني
وأجْملُ مِنكَ لَمْ تَلِدُ النِّساءُ
خُلِقْتَ مُبَرَّأً مِن كُلِّ عَيْبٍ
كأنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَما تَشاءُ
 
 
طباعة
 القراءات :535  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 26 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .