شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(21)
تعوّدتُ في ماضي السنين والأيام أن أقود مركبتي، وأتوجّه إلى بلد الحبيب صلّى الله عليه وسلّم لأقضي معك ما تبقّى من أيام الشهر المبارك، كُنتِ تنتصبين على مقعدك هادئة مطمئنة، هو اطمئنان عرفته فيكِ يا أماه منذ خرجتُ إلى هذه الدنيا، من المنزل في "السيح"، إلى "التحسينية"، ثم "الزاهدية"، ثم إلى أقصى جنوب البلدة الطاهرة في "الحزام".
كنتِ تسألينني وإخوتي ماذا نشتهي من الطعام في يوم العيد؟ وتتوجّهين بالسؤال إلى زوجاتنا ماذا يردن هنّ الأخريات؟ وإذا جاءت إجابتنا بأن الموجود خير وبركة، نراكِ تتوكّئين على عصاكِ التي حملتِها بعد أن رحل سيد الدار، وتدخلين إلى المطبخ الذي كنتِ تحرصين على تنضيده بنفسكِ، فلم يتطرّق الوهن إلى نفسكِ حتى بعد أن تجاوزتِ الثمانين من العمر، وتقفين لتوجّهي مَن معك بإعداد ما يشتهيه كل فرد من أفراد الأسرة، وإذا ما خرج الناس من صلاة العيد كنتِ تتنقلين بين مجالس الدار، وتبتسمين أحيانًا معبرةً عن قلقك من تضخيم البعض لصغائر الأشياء، وما يقود إليه ذلك التضخيم من تباعد وجفوة.
ننام في "القيلولة" وتظلّين مستيقظة، فلعلّ طارقًا من الأهل يطرق الباب -للمعايدة- وفي السنة التي سبقت رحيلكِ عن دنيانا الفانية، تسللتُ إلى غرفتكِ، وشاهدتُ الإعياء يتبدّى على محيّاكِ الوضيء، وسألتُكِ في هدوء -خشية أن أرفع صوتي في حضرتك-: لماذا لا تمنحين نفسكِ فرصة للراحة؟ فإذا أنت تجيبين بلهجة مدنية محببة: "طارق ولد المرحومة (بهيجة)، ورائحة حمدانة لم يحضر بعد".. وسمعنا طرقًا على الباب، فإذا "طارق" هو القادم.
لم يكن يا أماه يعرف "طارق" وسواه من قاصدي الدار لمعايدة المرأة التي عاشت للحب والصفاء، وجبر الخاطر أن ذلك هو آخر "عيد" تطل فيه "ماريّة" بوجهها الحبيب على أبنائها وأحفادها، واليوم يا "أماه" هذا أول عيد أقضيه بعيدًا عنك وعنهم.
 
 
طباعة
 القراءات :326  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 24 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[حياته وآثاره: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج