شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمه لسعادة الدكتور محمود جبر الربداوي ))
- بسم الله الرحمن الرحيم، لست أدري ما أقول بعد أن تخطف أفكاري التي أعددتها ثلة من الزملاء على رأسهم معالي الدكتور الرشيد وسبقني الأساتذة الباني والبيطار، ولست أدري ماذا أقول عن الأستاذ الصباغ، ولكن أظن أنه في الخمس دقائق المتاحة سأقول ما تبقى لدي من أفكار وآمل أن أعطى دقيقة أو دقيقتين زيادة أيضاً لعلها تفي بالمتبقي من حديث آمل ألا يكون معاداً.
الحمد لله القائل في محكم كتابه: ولتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيرِ ويَأْمُرونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَونَ عَنِ الْمُنَكَرِ وأُوْلَئِكَ هُم المُفْلِحونَ والصلاة والسلام على رسوله المأثور عنه في جوامع كلمه أنه قال من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.
وبعد:
صاحب السعادة الأستاذ الفاضل عبد المقصود خوجة، أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة والعلماء الفضلاء سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته:
سعدت كثيراً عندما تلقيت دعوة الأخ المفضال الأديب عبد المقصود خوجة لحضور إثنينيته في هذا اليوم الموافق لغرة الأشهر الحرم لأحضر تكريم عالم من علماء الإسلام هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد لطفي الصباغ هذا التكريم الذي درج عليه الأخ عبد المقصود وهو سنة حسنة أغبط عليها سعادة الأخ عبد المقصود الذي أكرمه الله بأن وسع عليه في الرزق، وأكرمه الله بأن حبب إليه حملة العلم وأهل الأدب، فالتفت إليهم يكرمهم مما أكرمه به الله وهو بهذا الصنيع يسن أيضاً سنة حسنة بمخالفته لتقليد عرفناه في تاريخنا القديم إذ أن الشاعر كان في سالفات أيام حضارتنا يحمل قصيدته أو بضاعته من الشعر إلى رحاب الخليفة أو القائد أو العظيم فينشده إياها فيكرمه عليها إكراماً يكون مادياً صرفاً في أغلب الأحيان، كما أن الأديب يحمل مؤلفه أو بضاعته من النثر وينزل بين يدي الرجل العظيم، أو القائد أو الرجل المرموق، فيقدم إليه مؤلفه فيجيزه عليه إكراماً مادياً أيضاً، أما عبد المقصود فإنه فضلاً عن تكريمه لشخصيات مرموقة في المجتمع امتدت أياديه البيض فراحت تبحث عن العالم أو الشاعر أو الأديب أو المفكر الذي يعيش في الظل بعيداً عن الأضواء كما تقول التعبيرات المعاصرة، ينقب عن المثقف الذي يعتكف في صومعته مع علمه، أو الذي يعاشر مخطوطاته ومصادره، أو الأستاذ الأكاديمي الذي نذر نفسه ليكون من سدنة العلم، مخلصاً لجامعته وطلابه، أو الشخص المرموق الذي يكافح ويجاهد في سبيل أن تظل كلمة الله هي العليا، وكلمة الإسلام هي المسموعة وكلمة اللغة العربية هي المقروءة، فيكشف الخوجة عن هؤلاء النقاب، ويدعوهم للتكريم فيعرفهم بهذا التكريم إلى ثلة من الذين يشاركونهم متاعب المهنة، من الذين أدركتهم حرفة الأدب، أو مهنة العمل الفكري فكانت هذه الأمسية المباركة (الاثنينية) التي شقت طريقها في عالمي الفكر والنشر منذ أمد ليس بالقليل.
هذا النوع من التكريم المعنوي الطوعي أسمى وأخلد في تاريخ الفكر الإنساني من التكريم المادي القرضي الذي قرأنا عنه في حقب من تاريخ الحضارة العربية، ومثل هذا التكريم المعنوي الذي يتسم بالخلود هو الذي لمحه الخليفة عمر بن الخطاب عندما التقى ببعض ولد هرم بن سنان فقال له أنشدني ما قال فيكم زهير، فأنشده، فقال عمر: لقد كان يقول فيكم فيحسن.. قال له ابن هرم: يا أمير المؤمنين، إنا كنا نعطيه فنجزل، قال عمر كلمته المشهورة: لقد ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم.
أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة ما جئت لأعرّفكم بالخوجة، فأنا المجهول لديكم وهو المعلوم، ولكني جئت لأشهد بصحبتكم وفي دارة الخوجة هذه تكريم صديق عزيز علي هو المكرم بيننا في هذه الأمسية، والمكرم رجل عرفته قبل أن يعرفني منذ أن عُين مدرساً في المدينة المسماة بدرعاء حديثاً وقديماً كانت تسمـى أذريعـات، المجاورة لبصرى قصبة حوران متجر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومدينة درعاء كانت وزارة المعارف السورية تخصها بخيرة الأساتذة الدمشقيين المتخرجين حديثاً من الجامعات السورية لتفوقهم في درجاتهم، نظراً لقربها من دمشق، وجاءنا من جملة المتفوقين أستاذ يدعى محمد الصباغ متخصص في اللغة العربية ومارس في المدارس الثانوية تدريس اللغة العربية وآدابها، وأن الرجل كان يختلف عن مدرسي اللغة العربية بنشاطاته الإسلامية، وخطبه التي تجمع بين الفكر الإسلامي المتفتح، والأسلوب الأدبي البليغ الذي يخاطب به عقل جماهير الشباب، فطارت سمعته كخطيب بليغ ومحدث فصيح، وكان أترابه من المدرسين ينتظرون ليلة الخميس والجمعة ليذهبوا إلى بلدهم دمشق، على حين كان هو يغتنم يوم الجمعة ليخطب في مساجد مدينة درعاء، أو ربما يرحل إلى القرى المجاورة ليخطب الجمعة في مساجدها، وكان شباب المدارس يرحلون إلى القرى المجاورة ليستمتعوا بخطبه هناك، ومضت أيام انتقلت فيها أنا إلى دمشق لإتمام دراستي الجامعية فانقطعت عن متابعة خطب الصباغ التي كنت معجباً بها أيما إعجاب، وأعير الصباغ إلى المملكة العربية السعودية، وطال فراقه إلى أن قيض الله لنا لقاء آخر بعد ربع قرن كان يوم قدمت معاراً إلى جامعة الملك سعود في السنة الرابعة بعد الأربعمائة والألف، فوجدت الصباغ في المملكة وكان ما يزال يحمل هموم الأمة الإسلامية كما كان يحملها في سوريا، وجدته صاحب محاضرات ودروس في الجامعة والكلية، وله محاضرات ودروس كما أشار الدكتور الرشيد في الجامع والمسجد، وله حلقات في الإذاعات المسموعة والمرئية ورأيت فيه ذلك الشاب النشيط وإن شئت فقل الشيخ النشيط الجليل، لم يختلف عما عهدته إلا بذلك النوار الذي وخط فوديه ونوّر لحيته، التقيت بالصباغ الآن وجهاً لوجه لقاء زمالة في جامعة الملك سعود فدفعني الفضول العلمي للتعرف على ما أحدثه الشيخ من مؤلفات، فوجدت بين يديه ما يزيد على أربعين كتاباً بين مؤلف ومحقق، وهي ثروة فكرية تنوء بها العصبة أولو القوة ولكن ذلك ليس على همة الرجل بغريب، إذ ليس له من اهتمامات الحياة الدنيا إلا ثلاث: التعليم والتأليف والدعوة.. والدعوة إلى سبيل الله بالحسنى هذه هي سبيله، ووجدت مؤلفاته متنوعة تتراوح بين المؤلف الأكاديمي الذي تتلمذ على قراءته آلاف الخريجين وبين الكتاب الذي تقتنيه الأسرة المسلمة - كما أشار الأستاذ الباني - ويقرأه الزوجان وحققت هذه المؤلفات قدراً كبيراً من الانتشار والمقروئية كما نقول، فبعض مؤلفاته طبع خمس مرات وبعضها سبعاً وبعضها الآخر عشراً، وكما تعددت طبعاتها تعددت اتجاهاتها، فكان بعضها إسلامي النزعة، وبعضها الآخر أدبي الاتجاه وبعضها الآخر صبغها الصباغ بصبغة التربية الاجتماعية والأسرية، ففي حقل الدراسات القرآنية ألف الكتب التالية:
لمحات في علوم القرآن وإتجاهات التفسير.
بحوث في أصول التفسير.
توجيهات قرآنية في تربية الأمة.
الإنسان في القرآن.
وأترك الباقي وهو كثير لأن ضيق الوقت يستحثنّي بالإسراع.
وفي حقل الحديث النبوي الشريف وهو الموضوع الذي أفرد له ما يزيد على ثمانية عشر مصنفاً بين مؤلف ومحقق وعدا عن اتجاهاته بدراسة مصطلح الحديث وبلاغته فقد وقف وقفة مطولة عند ظاهرة تفشت في الحديث النبوي حتى كادت تفسد نقاءه وبلاغته بقصد أو بغير قصد تلكم هي ظاهرة استغلال القصاص للحديث النبوي ووضعهم لأحاديث يزينون بها قصصهم ليخدعوا بها العامة مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم، من مثل هذه الأقاصيص والأقاويل براء فتصدّى الصباغ لدحض هذه الظاهرة، وتخليصها فألف كتاب تاريخ القصاص وأثرهم في الحديث النبوي، وحقق كتاب السلوقي الذي تناول هذه الظاهرة بعنوان "تحرير الخواص من أكاذيب القصاص"، كما حقق كتاب الحافظ العراقي المعنون بـ (الباعث على الخلاص من حوادث القصاص) ثم أتبعهما بتحقيق كتاب ابن الجوزي المعنون بكتاب القصاص والمذكرين، وختم كل ذلك بتحقيق كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية الذي عنوانه أحاديث القصاص، وقاده الحديث عن القصاص وصنيعهم إلى ظاهرة نمت طفيلية على نسق الحديث النبوي، وهي ظاهر الأحاديث الموضوعة، فحقق في هذا المجال كتابين: الأول الفوائد الموضوعة لمودي علي القاري، ثم أتبع هذين الكتابين بتحقيق كتاب ثالث خصصه للضعفاء والمتروكين للدارقطني، ولكنه بعد أن فرغ من تحقيق الكتب في هذه الظاهرة السلبية التي اكتنفت الأحاديث النبوية، أراد أن يحقق التوازن، فقدم نمطاً آخر من الأحاديث ذات الطابع الإيجابي فحقق كتاب الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للإمام السيوطي، وكتاب التذكرة في الأحاديث المشتهرة للزركشي، وإذا تركنا اهتمامه الكبير في خدمة الأحاديث النبوية والتفتنا إلى جانب آخر من جهوده في التشريع الإسلامي ألفينا له خمسة كتب بين مؤلف ومحقق يأتي على رأسها كتاب التشريع الإسلامي وحاجتنا إليه، ولا داعي لاستعراض مزيد من مؤلفاته هذه، فقد جب الإخوة الذين سبقوني في الحديث عنها الكثير الكثير عنها.
أما في الدعوة والدعاة فهذا ركن كبير من أركان اهتمامات الصباغ التأليفية، فله كتاب (من صفات الداعية) هذا المؤلف الذي لاقى رواجاً كبيراً لدرجة أنه طبع ما يزيد على عشر مرات، وكتابه الآخر نداء إلى الدعاة، وبالإضافة إلى هذين الكتابين مؤلف ثالث بعنوان خواطر في الدعوة إلى الله، ثم ختم هذا بكتاب سماه أيها المؤمنون تذكرة للدعاة، ولولا أنني أخشى عليكم من الإطالة في تعداد مؤلفاته لعددت لكم جوانب أخرى في التربية الأسرية، والتربية الاجتماعية، والثقافية والتاريخية، وغيرها من مؤلفات سأعرض عنها الآن، ولكن إذا تجاوزت كل ذلك لا يصح لي أن أتجاوز مؤلفاته الأدبية لأن الرجل في أصل تكوينه الأصلي خريج كلية الآداب وقد منحه الله موهبة في البلاغة والفصاحة لونت خطبه ومحاضراته بأبهى الألوان البلاغية، كما منحه الله سلاسة في الكتابة ضمنت لكتاباته هذه السيرورة والانتشار، وهذه الموهبة الأدبية الفنية جعلته يخص الأدب والدراسات الأدبية بشيء من اهتمامه فألف كتاب "فن الوصف في مدرسة عبيد الشعر" وإذا صدقت المقولة الحكيمة التي سبقني بها الأستاذ الباني (اختيار الفرد قطعة من عقله) وإخالها صادقة، فإن اختياراته التي سماها أقوال مأثورة وكلمات جميلة تدل على عقل حصيف وذوق في الأدب الرفيع ولا تقل عنها قيمة جمالية مختاراته في كتابه وقفات مع الأبرار ولطائف من المنقول والأشعار.
كنت أرافق الأستاذ الصباغ بالطائرة، فحدثني بمقولة صغيرة ما كنت أعرفها، قال عندما طلب إليه خدمة العلم من الجيش السوري ذهب إلى هناك وأصطحب معه كتابين اثنين صحيح مسلم وديوان المتنبي، قلت هذه المقولة لو اطلع عليها علماء النفس لعضوا عليها بالنواجذ، لأن القراءات المبكرة للإنسان ستنعكس على قراءاته وعلى تفكيره فيما بعد، ومن هنا أنا كنت أستفيد منها وأفسر لماذا اتجه الشيخ الصباغ إلى اتجاهين كبيرين الاتجاه الأول الحديث النبوي الشريف والاتجاه الثاني الأدب العربي الذي ألف فيه كتباً كثيرة.
أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة هذه بعض مؤلفات الشيخ محمد لطفي الصباغ الذي أرجو من الباري عز وجل أن يمد في عمره وأن يمنحه الصحة والقوة وأن يضفي عليه من هدوء البال ونعمة الطمأنينة ما يجعله يواصل مسيرته الفكرية، ويخصب عطاءها وأن يظل في هذه الأمة أمثال الأخ الفاضل عبد المقصود خوجة الذين يكرمون أهل العلم ويرعون أهل الأدب ويجمعون أهل الفكر على هدي من الله ورسوله لأن هذا التكريم مظهر من مظاهر الاعتراف بأصالة الشخصية العربية الإسلامية، ومظهر من مظاهر الحفاظ على التراث الفكري لهذه الأمة طريفها والتليد، وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1047  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 124 من 146
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج