((الحوار مع المحتفى به))
|
نازك الإمام: بسم الله الرحمن الرحيم. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أصحاب المعالي، أصحاب الفضيلة، أصحاب السعادة، الإخوة والأخوات الحضور.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لا يُذكر المسرح الكويتي إلا ويُذكر معه اسم ضيفنا لهذه الليلة. فقد وصفه البعض بأنه أبو المسرح الكويتي، وهو أحد أبرز رواد وصُنّاع الحركة المسرحية العربية والخليجية، وأول من مدَّ جسراً من المسرح في مصر والشام من خلال طرحه لقضايا البيئة المحلية على مستوى من العمق الإنساني يسمح بتذوقها في مختلف البيئات، هو سعادة الأستاذ عبد العزيز السريّع الأديب والكاتب الكويتي المسرحي، والأمين العام لمؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، وصاحب العديد من الفعاليات العربية المتعلقة بالثقافة والمسرح، وله عدة مؤلفات، ومجموعات قصصية.. فمرحباً بسعادته الليلة بيننا، واسمحوا لنا بطرح الأسئلة.. بداية مع الأستاذة سميرة سمرقندي. |
بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ضيفنا الكريم ذكرت بأنك لست أديباً مسرحياً، وهناك فرق بين الأدب المسرحي وفن المسرح، وإنك تكتب من داخل الفريق المسرحي، وجزء من اللعبة المسرحية، نرجو توضيح ذلك. وشكراً. |
الأستاذ عبد العزيز السريّع: أشكرك على سؤالك الذكي. فالخلط في التصنيف، بمعنى أن يكون المرء أديباً مسرحياً.. هناك كتّاب مسرح أدباء.. يعني من يكتبون للرف، ويأتي من بعد ذلك من يأخذ هذه المسرحية المطبوعة المؤلفة من الرف، وربما يخرجها أو لا.. ولكن من يكتب فناً مسرحياً، وليس أدباً مسرحياً، فهو من داخل الفريق. أي أنه يكتب وفي ذهنه هذا وهذا وهذا، وهذا المخرج الذي سينفذ عمله، وهذا الممثل، وهذه الممثلة، فيصنع عرضه المسرحي وهو يعلم بالضبط من سيعمل فيه بهذه الصيغة. فأنا أكتب عرضاً مسرحياً لأني من ضمن الفريق المسرحي، ولست من خارجه، ولا أكتب للرف، إنما أكتب لفريق أعرفه، وأعرف قدراته وإمكانياته وحدود ما أريد أن أطرحه من خلاله ذلك.. هذا كان قصدي. |
عريف الحفل: سؤال للأستاذ منصور السيد أكرم. |
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. سؤالي عن الأستاذ زكي طليمات، ما هو دوره في المسرح الكويتي. |
الأستاذ عبد العزيز السريّع: ربما أشرت إلى دور الأستاذ زكي طليمات، فهو عميد المسرح العربي بحق، فقد ساعد المسرح في تونس وفي الجزائر وفي الكويت وفي الإمارات، وقدم تقارير، ووصف الحالة، ووصف العلاج، وباشر بنفسه بتنفيذ تقاريره أو مقترحاته. وأما بالنسبة إلينا في الكويت، فقد ألقى محاضرتين عام 1958م، عن المسرح في الموسم الثقافي الذي كانت تنظمه دائرة المعارف حينذاك. وقد حضرت هاتين المحاضرتين، وكان أن نصح فيهما بأن يجري الاهتمام بالمسرح، وكان مدير دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل الأستاذ حمد الرجيب، وهو تلميذ مباشر للأستاذ زكي، لأن حمد الرجيب كان أول خريج من معهد التمثيل في القاهرة سنة 1950م، الدفعة الأولى مع الأستاذ زكي طليمات، وكان زميلاً لفاتن حمامة وفريد شوقي، ومجموعة من الممثلين المعروفين. فلما تبوأ مركزه في دائرة الشؤون، وهو مدرك لأهمية المسرح ومحبٌّ له، استقدم أستاذنا زكي طليمات، وطلب منه إلقاء محاضرتين عن المسرح، وبعد ذلك طلب منه أن يضع تقريراً عن الحالة المسرحية في الكويت، فوضع هذا التقرير، ووصف الوضع والإمكانيات وقابلية تحريك الواقع المسرحي، لما هو أفضل، وعاد إلى القاهرة. وفي عام 1960م استقدمه الأستاذ حمد الرجيب إلى الكويت للنظر في إمكانية تنفيذ تقريره أو الإشراف على تنفيذه. وفعلاً بدأ من هنا، فأنشأ صالات العرض، ساعد في استخراج القانون رقم 24 لسنة 1962م، وأسس فرقة المسرح العربي، وهي الفرقة التي قدمت نجوم التمثيل الكويتين الذين لمعت أسماؤهم، مثل عبد الحسين عبد الرضا، سعد الفرج، غانم الصالح، علي البريكي، محمد جابر، عائشة إبراهيم، خالد النفيسي، وكان النفيسي أبرزهم، عبد الرحمن الضويحي. فجميع الفاعلين الأساسيين والكبار في الحركة المسرحية هم تلاميذ مباشرون للأستاذ زكي طليمات، فله أفضاله على الحركة المسرحية. وهنا أود أن أشير إلى نقطة، وهي أننا كفرقة مسرح الخليج العربي، لم نكن تلاميذ مباشرين للأستاذ زكي، ولا يد له في عملنا، بل ناكفناه عندما تأسست فرقتنا، وأذيناه.. هذا اعتراف مني.. لكننا ندرك الآن تماماً العمل الجبار الذي قام به. فلولا زكي طليمات ما تمهدت الأرض، ولا تهيأت لنا جميع هذه الفرص بأن نقدم مسرحاً جيداً، فزكي طليمات هو الأساس، وهو الذي نظم المسابقة التي نلت منها الجائزة الأولى.. فأفضال زكي طليمات على الحركة المسرحية كبيرة جداً، ولو أردت أن أتحدث في هذا الموضوع، لتحدثت لساعتين. |
عريف الحفل: سؤال من قسم السيدات.. الزميلة نازك الإمام. |
نازك الإمام: سؤال من الأستاذة الإعلامية منى مراد من صحيفة (هام) الإلكترونية وصحيفة (الإحساء نيوز). |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لم يعد جمهور المسرح العربي اليوم مثل جمهور الأمس، حيث بات يعتبره مكانا للترفيه والضحك والتسلية، بعد أن كان المسرح مكاناً للتثقيف والأدب والتعليم. سؤالي ما أسباب ذلك؟ وما هو دور المسرح الشعبي في حياة الجمهور؟ ولماذا قلت بأن الرقابة أسلوب غير حضاري كونها ترفض نشر بعض الأعمال الفنية التلفازية أو المسرحية؟ شكراً. |
الأستاذ عبد العزيز السريّع: بصراحة لا يوجد مسرحي محترم يقبل بموضوع الرقابة. وأنا أقصد طبعاً الرقابة المسبقة، فهي مرفوضة للمسرح.. فالمسرح يعتمد على هامش كبير من الحرية المتاحة له. فإذا لم تكن هناك حرية كافية، يصبح مسرحاً بليداً وغير مفيد. وأما الحالة المسرحية الراهنة التي تشهد غياباً كبيراً للجمهور وقلة عدد المشاهدين، فضلاً عن قلة العروض المسرحية، حتى على الساحة العربية، وربما حتى العالمية.. ففي مصر كان عادل إمام، على سبيل المثال، يعمل عشر سنوات في مسرحية واحدة، كل ليلة عملاً متصلاً. ولم يعد لهذا وجود الآن. لا هو ولا سمير غانم ولا غيره.. حتى المسرحيات الكوميدية الخفيفة التي يستهجنها بعضنا أو يرى أنها قليلة القيمة لم تعد تحظى بجمهور. وهذا يصدق على البلاد العربية كلها، في العراق، في سوريا، في لبنان، تذكرون في لبنان كان مسرح شوشو يعمل طول العام، ولم يعد له وجود، وكان مسرح المدينة، ومسرح بيروت كان فيه عصام محفوظ، وكان فيه مجموعة من المسرحيين اللبنانيين المشاهير.. كل هذا لم يعد موجوداً.. ونعاني في الكويت من الشيء ذاته.. فالفرق كانت تتنافس على ملء الموسم.. وأما الآن فلم يعد لذلك وجود، ولا حتى في أي مكان. بالمصادفة مرة كان لدي ضيوف في بيتي، اثنان من رؤساء الجامعات من إسبانيا، وبرفقة كل منهما زوجته.. وتجاذبنا أطراف الحديث، وهم على دراية عن اهتمامي بالمسرح، فسألني أحدهما عن المسرح لدينا، فأخبرته أننا نعاني من تراجع أعداد الجماهير، وأخبرته أن بعض دور العرض أقفلت أبوابها، فهز رأسه وقال لي إن الحال من بعضه. وسألني الثاني عن رأيي في مخرجات الجامعة، وإن كنت راضياً عنها، فقلت له إنه لا يوجد من يرضى عن هذه المخرجات، فقد أصبحت هزيلة، فلربما كان خريج الثانوية في أزمنة سابقة أفضل من خريج الجامعة. فالتعليم الجامعي أصبح خفيفاً أكثر من اللازم، فهز رأسه أيضاً وقال لي إن الحال من بعضه، فنحن نعاني من الشيء نفسه. إذاً، هي مسألة عالمية، فجون جاستنر في كتابه "مفترق مسرحي"، مفترق طرق، يقول بأنه كلما ظن الناس بأن المسرح مات يُردُّ مثل مارد يعيش من جديد. أنا متفائل وأعتقد بأن المسرح يمر بفترة تغيير كبيرة، ويحدث فيها نوع من الفراغ والركود، ثم يعود للنهوض من جديد.. ولكن هناك شيء أساسي نفتقده، وهو المسرح المدرسي. فالمسرح المدرسي هو الذي يربي جمهوراً، ويهيئ كوادرَ تعمل في المسرح. فلا فائدة ترتجى من دون وجود المسرح المدرسي، فهو أساسي جداً. فكما قلت حتى بلدان أوروبا تأثر المسرح فيها، ولا يوجد فيها الآن سوى المسرح السياحي الذي يعتمد على السواح الذين يأتون من الخارج ليشاهدوه، ولكنه داخلي. يحدثني أحد المسرحيين في قطر، زميلنا حمد الرميحي، فيقول بأنه ذهب إلى فرنسا بسبب مشروع مشترك مع مخرجة فرنسية في قطر، فدعته إلى فرنسا لمشاهدة عرض من عروضها. فيقول ذهبت أول ليلة وشاهدت العرض وسررت به. فعاتبتني لأنني لم أذهب لمشاهدة العرض مرة أخرى، فخجلت منها، وشاهدت العرض الثاني، ولاحظت شيئاً اضطرني إلى الذهاب مرة ثالثة لمشاهدة العرض، فصارحتها بقولي أن جميع جمهور مسرحيتها قد تعدوا الخمسين من العمر، وأنني لم أجد شخصاً واحداً دون هذا العمر. فهزّت رأسها وقالت لي أن هذه بقايا جمهور المسرح، فإذاً لا بد للمسرح أن يتغير ويواكب تطور الذهنية.. وتغير الحال لا بد منه. |
عريف الحفل: سؤال سعادة المهندس سعد الجعيد، مدرب طيران أكاديمية الأمير سلطان للطيران. |
السلام عليكم أسعد الله مساءكم بكل خير. في الحقيقة أشكر الشيخ عبد المقصود خوجه على تكريم الأستاذ عبد العزيز السريع في هذه الأمسية الرائعة.. عندما تشاهد المسرحيات أو المسلسلات القديمة مثل "درب الزلق"، فإنك تشتاق إلى رؤيتها مرات عديدة ولا تمل من مشاهدتها.. وأما مسرحيات اليوم، فعلى كثرتها، فإنك تنساها بمجرد رؤيتها ولا تجذبك لمشاهدتها مرة أخرى، ما هو السبب من وجهة نظركم وخبرتكم الطويلة في مجال العمل المسرحي؟ شكراً لكم. |
الأستاذ عبد العزيز السريّع: مع الأسف السبب إن هذه الأعمال القديمة هي التي يُروّج لها أكثر، وهي التي يُعاد عرضها على شاشات التلفزيون، والسبب في ذلك هو القائمون على التلفزيون الذين لا ينظرون إلى مسألة فن المسرح أو جودة العرض، إنما ينظرون إلى عدد المشاهدين للأعمال الخفيفة، أعمال الفرجة. فهناك عدد كبير من المسرحيات المهمة جداً موجودة في علبها في التلفزيون، ولا تذاع. كما توجد مسرحيات ممنوعة رقابياً.. أنا لا أتحدّث عن هذه، بل أتكلّم على المسرحيات المجازة، ولكنها تعرض من باب رفع العتب مرة واحدة فقط. أنا أؤيدك الرأي أنه توجد أعمال لا تُملّ، وثمة أعمال يُعاد عرضها بعد أربعين سنة من تنفيذها، مثلاً "عشت وشفت" لسعد الفرج قُدّمت عام 1964م، ولو شاهدتها الآن لاستمتعت بذلك. فهي تعبير عن صورة من الصور الاجتماعية.. كما أنّ هناك أعمالاً مسرحية أخرى مثل مسرحية "علي جناح تبريز" لصقر الرشود، ولا يمكن أن تمل من مشاهدتها كل يوم. طبعاً أنا لا أتحدث عن مسرحياتي، بل أتكلم عن مسرحيات زملائي. شكراً. |
عريف الحفل: شكراً، سؤال من قسم السيدات،تفضلي أستاذة نازك. |
نازك الإمام: سؤال من قسم السيدات.. اسمحوا لي نيابة عن المجموعة بإلقائه وهو لماذا الكتابة المسرحية مهددة بالانقراض؟ وهل للكتّاب المسرحيين دور في الاستخفاف بدور المؤلف المسرحي؟ وهل انحسار الكتابة المسرحية تتسبب في تشكيل تيار جديد في الحركة المسرحية؟ شكراً لكم. |
الأستاذ عبد العزيز السريّع: لا.. طبعاً هناك كتاب مسرح جيدون جداً. وربما يتمتعون بقدرات أكثر من قدرات جيلنا.. هناك من كتبوا نصوصاً كثيرة جداً، مثلاً إسماعيل عبدالله في الإمارات لافت، فهو كاتب مهم جداً، ويشارك دائماً في المسابقات، وفي العروض المهرجانية، ويفوز دائماً بالجوائز الأولى على النص والكتابة المسرحية. كما أن هناك كثير من المؤلفين المسرحيين الشبان الذين يؤلفون على طريقتهم الحديثة في التأليف. ولكن أين أهميتها؟ هذا أمر متروك للنقاد، ولكتاب الرأي وللذين يقيمون العروض. لكن الكتابات الجيدة تبرز ولا تخفى، ويُكتب عنها وتُحترم وتُقدر ويشار إليها. وإنما الكاتب العادي فيوجد منه كم هائل.. على سبيل المثال، أعرف كاتباً له خمسون مسرحية.. خمسون.. ولا أحد يعرفه. لم يسمع أحد باسمه.. أنا فوجئت لما قال لي أن في رصيده خمسين مسرحية.. ولكنني لم أسمع به، ولم يسمع به غيري.. وأما الذين يشار إليهم بالبنان فهم موجودون ويكتبون كتابة جيدة، ومعروفون.. يعني حمد الرميحي في قطر كاتب مهم جداً، وعبد الرحمن المناعي كذلك، كما أن هناك عدداً كبيراً من الكتاب المهمين في السعودية مثل محمد العثيم، فهو كاتب مهم، وراشد الشمراني في كوميدياته عن لويس السادس عشر وغيرها.. إنه مسرحي متمكن. |
عريف الحفل: الدكتور عبدالله مناع يود أن يعلق، تفضل. |
الدكتور عبد الله مناع: فتح الأستاذ عبد العزيز السريّع شهيتنا بهذه النقاط التي تحدث عنها، وأثار شجوننا كثيراً، فالمسرح كالأدب والصحافة وكل الفنون يحتاج إلى حرية، وفي هذا السياق أذكر ما حدث ذات مرة في أيام الرئيس (شارل ديغول) في الستينيات الميلادية. فقد صدر كتاب لأحد الكتاب يدعو الشباب إلى الانتحار، وانتشر الكتاب بين الشباب انتشاراً عظيماً، فوجد وزير الثقافة -وكان آنذاك المسيو أندريه مارلو- أن هذا الكتاب يشكل خطراً على الشباب، لأن كل من كان يقرؤه يبادر بالانتحار، فطالب بسحب هذا الكتاب أو منعه أو مصادرته. ولكن العجيب أن وزير الداخلية قدم عرضاً مختلفاً، وقال أنه لا يصح أن يصادر كتاب في فرنسا، ولا بد أن يبقى قيد التداول. فعندما يصبح لدينا وزراء الداخلية يدافعون عن الفكر، كما دافع وزير الداخلية الفرنسية إبان حياة الرئيس شارل ديغول، فحينئذٍ سنجد مسرحاً ونصاً وجمهوراً.. ولن يفرغ المسرح من جمهوره. شكراً. |
عريف الحفل: سؤال من قسم السيدات.. تفضلي أستاذة نازك. |
نازك الإمام: سؤال من الشابة صفاء عبد المجيد زهراء، بكالوريوس علم اجتماع، جامعة الملك عبد العزيز. فلتتفضل. |
بسم الله الرحمن الرحيم. يعلم الجميع، ومنهم الضيف الكريم كم تعاني مجتمعاتنا العربية من سلبيات وأمراض اجتماعية وسلوكية وخلقية، وأنا اعتبر أن الانشغال عن علاج أمراض كهذه هو نوع من التهرّب من مواجهتها. السؤال هو: هل يؤيد الضيف الكريم تناول كتّاب القصة والمسرحية في عالمنا العربي هذه السلبيات وإبرازها والمساهمة في وضع حلول لها، في قصصهم وأعمالهم المسرحية؟ وشكراً لكم. |
الأستاذ عبد العزيز السريّع: من المؤكد أن المسرح، ربما أكثر من القصة وأكثر من الرواية، مهتم بفضح هذه العيوب وكشفها سعياً لعلاجها ولإعادة النظر في كثير من المظاهر السلبية في الحياة الاجتماعية. وطبعاً للمسرح دائماً نصيب للتغيير للأفضل وللتطوير وللتقدم، وهو دوماً بشير التقدم والتنوير والسعي لحياة أفضل على كل المستويات. بالتأكيد أوافقك الرأي في أنه ينبغي علينا القيام بذلك، ولا أتفق مع بعض الناس الذين يرون، من موقع الحرص على مجتمعاتهم، أن لا داعي للإشارة إلى هذه المسألة السلبية أو تلك. |
عريف الحفل: سؤال من علي فقندش، الصحافي الفني بصحيفة "عكاظ". |
السلام عليكم. قبل ربع قرن تقريباً جاء وفد أكاديمي مسرحي خليجي إلى جدة والتقى بالعديد من المسرحيين والفنانين من مختلف ضروب الفن. وكان الأستاذ عبد العزيز على رأسهم، كما كان أيضاً أحمد الصالح، والدكتور إبراهيم غلوم من البحرين. وكما اتضح في تلك الآونة، فقد كان الهدف إنشاء مسابقة للمسرح الخليجي في دول الخليج. وأقيمت هذه المسابقة، وما تزال حتى الآن، ولكنها لا تزال تتسم بالضعف الشديد، فالمسابقة تفوز بها المملكة أحياناً، أو البحرين، أو الكويت، ولكن منهجيتها لا تزال منهجية مدرسية، وهكذا تكون المسابقات المسرحية العربية عادة، وبالذات إقليمياً.. لماذا هذا الضعف في هذه المسابقة، على الرغم من أنها فرصة كبيرة لتقديم مسرح كبير؟ كما طُرح في ما مضى فكرة تكوين هجين مسرحي خليجي، نشاهد فيه المسرحية السعودية مرتبطة بالإمارات، وبالنجم الكويتي، وهذا لم يحدث إلى الآن.. لماذا؟ |
الأستاذ عبد العزيز السريّع: المهرجان طبعاً تأسس من قبل الفرق الأهلية التابعة لدول مجلس التعاون، برعاية من الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي. وقد كان للدكتور عبد العزيز الجلال دور مهم جداً في تأسيس هذا المهرجان. ولا يزال هذا المهرجان مستقراً ومستمراً حتى الآن. وكانت دورته الأولى أُقيمت في الكويت، وأُقيمت آخر دورة في سلطنة عمان السنة الماضية. ويقدم المهرجان عروضاً متفاوتة من ناحية القيمة، وهذا هو شأن المهرجانات كلها في العالم، وفي كل مكان. شخصياً شاهدت عروضاً مسرحية في فرنسا، كما شاهدت عروضاً مسرحية في مهرجانات عديدة، ورأيت التفاوت في المستويات.. وربما يكون الجيد في وجهة نظري، قليل القيمة في وجهة نظر شخص آخر. فالعروض متنوعة ومتفاوتة، وأما من ناحية القيمة، فمنها ما يتميز بقيمة عالية، ومنها ما هو ضعيف متواضع، وهذا لا ينحصر في مستوى التنفيذ، إنما حتى في مستوى الفكر والرأي. وهذا التفاوت موجود بين البشر.. كما أنك لا يمكن أن تجبر الناس على الحضور وعلى المشاركة. فعلى سبيل المثال، قد يتجلى في دورة من الدورات ثلاثة أو أربعة عروض مسرحية من بين ستة عروض، أو قد لا يتضمن مهرجان بأكمله عرضاً لافتاً يستحق التقدير، ولكنك مضطر -ما دمت أعلنت عن مسابقة- أن تعطي الجوائز.. فأنت تعطي الجوائز ليس على الإطلاق، وإنما تعطيها بحسب العروض المتوفرة في المهرجان.. أي لأحسن الموجود المعروض. ولكن في ظني، فإن هذا المهرجان حقق كثيراً من الفوائد. فقد تعارف الزملاء واشتركوا وتعاونوا.. |
صحيح طُرحت أفكار في البداية عن قيام أعمال مشتركة، يشارك فيها فنان من هنا وآخر من هناك، ولكن ما حال دون تنفيذها هو صعوبة العملية، ولكنها تنفذ بشكل جزئي، فكثير من الفنانين والفنانات من دول الخليج المحيطة أتوا واشتغلوا في الكويت، وقدّموا أعمالاً كبيرة هناك. وفي تقديري، فإن ثمة شيء آخر مهم جداً تحقق، وهو أن أن العروض والمسرحيات الكويتية مثلاً صارت تعرض في البحرين، وقطر، والإمارات، كما صارت تُعرض مسرحيات من هذه الدول في الكويت أيضاً. فالفرصة متاحة أن يحقق هذا المهرجان جانباً مهماً من أهدافه في المستقبل. |
عريف الحفل: في الحقيقة سأل السائل سؤالاً ثانياً، نرجو الإجابة ولو كان هذا مخالف لسياسة ((الاثنينية)) باقتصار السؤال على سؤال واحد لإتاحة الفرصة للجميع، ولكن لأهمية السؤال نرجو الإجابة.. السؤال هو: عن المسرحيات الهجين المختلطة سعودية-كويتية. |
الأستاذ عبد العزيز السريّع: لقد أجبت عن هذا السؤال.. وهو أن يتم تشكيل فريق من فنانين من عدة دول.. لقد تم هذا التعاون، بأن يأتي فنان من قطر، وفنانة من عُمان... إلخ، وينفّذون عملاً في الكويت مثلاً. كما أن عدداً من الفنانين الكويتيين اشتغلوا في الإمارات، وأخرجوا أعمالاً، وقدّموا وشاركوا في أعمال.. لكن الفريق المكون من مجموعة دائمة هجين، فهو لم يتحقق، لأنه صعب من الناحية العملية، بسبب مسألة التفرغ، ذلك أن المسرح يحتاج مثلاً إلى تدريبات قد تمتد لمدة شهرين أو ثلاثة شهور، فمن يستطيع أن يتفرغ لهذه المدة كلها، خاصة أنه لا يوجد لدينا بالأساس فنان متفرغ.. فجميع الفنانين مرتبطون بأعمال وموظفون. |
عريف الحفل: سؤال من قسم السيدات، تفضلي نازك. |
نازك الإمام: السؤال الأخير من قسم السيدات، ونقول لكم كل عام وأنتم بخير، وهو من المدرّسة عطية ناشد، مدرسة لغة عربية. |
سعادة الأستاذ عبد العزيز.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نلاحظ أن أكثر المسرحيات التي تُكتب وتُعرض في أرجاء الوطن العربي، تهتم بالكبار، ونرى اهتمام الأدباء والكتاب بالصغار والمراهقين قليلاً، ولا يكاد يذكر، في وقت نحن فيه بأمس الحاجة إلى الاهتمام بأدب الطفل، سواء مسرحيات أو تمثيليات جذابة لتحصل الفائدة منها. وجزاكم الله خير. |
الأستاذ عبد العزيز السريّع: لا يوجد لدى السائلة الكريمة فكرة عن مسرح الطفل في الكويت. وأقول لها إن مسرح الطفل في الكويت متقدم جداً وغزير الإنتاج. فقد رصدنا في موسم مسرحي واحد عرض 29 مسرحية، وتراوحت عروض كل مسرحية ما بين عشرين وثلاثين عرضاً، فهي وجبة دائمة ومستمرة في جميع الأعياد الآن. فعيد الفطر وعيد الأضحى يشهدان دائماً عروضاً لمسرح الطفل بالذات وبكثافة، تبلغ فيها عروض اليوم الواحد للمسرحية الواحدة سبعة أو ثمانية عروض. كما أنه أُقيم لأول مرة مهرجان لمسرح الطفل، غير مهرجان المسرح العام، وكان مهرجاناً جيداً ويبشر بالخير. وكنت قبل أسبوعين تقريباً حضرت في الدوحة في قطر حفلاً لتوزيع جوائز المهتمين بثقافة الطفل، ومن بينها المسرح. كما شاهدت عرضاً بهيجاً جداً، لم أعد أذكر اسمه، ولكنه من إخراج يوسف الحشاش، وهو شاب كويتي موهوب، وقد أدّى مجموع الفريق من الممثلين والممثلات عملاً في منتهى الجمال، داعب خيال الطفل.. فنرى في العرض الشجرة تتكلّم، والغابة تنطق، والنبع يحكي. فهذه الصور تجسيد للأشياء، وقد تمت كلها برشاقة مع موسيقى وكلام باللغة الفصحى البسيطة الواضحة، فكان عرضاً بهياً جداً يبعث على السرور والاغتباط. وأنا لي صلة بالموضوع باعتباري أحد أعضاء لجنة التحكيم التي عملت على موضوع مسرح الطفل، فلذا دعيت إلى حضور هذا العرض. وقد تم توزيع حوالى عشر جوائز في مجال ثقافة الطفل.. في القصة والمسرح والرواية ورسوم الأطفال، وعدد من الجوانب المهمة في ثقافة الطفل.. وكان الفائزون من مختلف الدول العربية. فأطمئنك بأن التوجه للطفل على مستوى العالم جيد الآن، وعلى المستوى العربي، وفي الخليج بالذات، مبشرة بكثير من الأشياء الطيبة، إن شاء الله. |
عريف الحفل: أستاذ عبد العزيز لم يتبقَّ من وقت الأمسية سوى حوالى عشر دقائق. لذا نرجو أن تكون الإجابات مختصرة، كي نعطي فرصة أكثر، كما أن لدينا في الحقيقة كثيراً من الأسئلة. وشكراً لقسم السيدات لأنهن اكتفين بالأسئلة.. ولكن بقي لدي هنا في قسم السادة الرجال مجموعة من الأسئلة.. السؤال الآن لعبد الغني حاووط، مهندس. |
السلام عليكم.. أستاذ عبد العزيز هناك مسرحيات تعتمد الفكاهة أساساً وعموداً لها، لكن بعضها يوغل في هذا الجانب، ويعتمد على الاستهزاء بالأشخاص والهيئات، بل ويزيد بعضهم في القيام بحركات لإضحاك الحضور، ما رأي الأستاذ عبد العزيز في هذا النوع من المسرحيات؟ شكراً. |
|
الأستاذ عبد العزيز السريّع: أنا لا أمارسه، مع أن مسرحياتي أيضاً لها طابع كوميدي في معظمها، ولا أتفق مع من ينحون هذا المنحى، ولكنني لا أستهجنه، فهو مطلوب من الناس، وله جمهور عريض جداً.. ولربما هو المسرح الوحيد الرائج الآن.. ومع ذلك، لا أوافق على أن يستمر الحال هكذا، فإن كان لهذا اللون جمهوره، فعلينا ألا نفقد البقية الباقية من الجمهور. قد يكون هذا مبرراً ضعيفاً، ولكنني أنا أراه مبرراً كافياً. |
عريف الحفل: سؤال للأستاذ محمد بن حبيب العلوي، عضو النادي الأدبي بجدة، وعضو اتحاد كتاب مصر. |
السلام عليكم. الحديث عن دولة الكويت، وفنون الكويت، يعني الحديث عن دولة لها ثقل ثقافي في شتى أنواع الفنون الجميلة، بل يأتي ترتيبها بعد جمهورية مصر العربية من الناحية الثقافية مباشرة. فمن منا ينكر مجلة "العربي" التي كانت تعتبر جامعة تمشي على الأرض، ناهيك عمَّا أنتجه فنانوها العظام من ألحان غنائية عذبة لا زالت خالدة في الذاكرة العربية، إضافة إلى بقية الفنون بشتى أنواعها. والكويت دولة ذات مفخرة لكل من له اهتمام بشؤون الثقافة والإبداع الفني. وشكراً. |
عريف الحفل: أين السؤال يا أستاذ محمد. |
محمد بن حبيب العلوي: هذا هو السؤال. |
الأستاذ عبد العزيز السريّع: شكراً، أحييك. |
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ أحمد عائل فقيهي، الكاتب والناقد المعروف. |
مساء الخير جميعاً. أستاذ عبدالعزيز، سؤالي محدد، يعني هل عبَّر المسرح الكويتي والدراما الكويتية عن كويت ما قبل النفط، وعن التحولات الاجتماعية في الكويت، وعلى مستوى الخليج بشكل عام؟ هل عبّر حقيقة عن الواقع الاجتماعي والسياسي في الكويت والخليج؟ |
الأستاذ عبد العزيز السريّع: إلى حد كبير صحيح.. لكن دعوني أحدّثكم عن طرفة، لننهي الجلسة بشيء من الضحك، إذا سمح لي الشيخ. تصادفت بالأستاذ أحمد في بغداد إبان الحرب العراقية-الإيرانية، وكان رئيس الوفد السعودي الأستاذ عبدالله الشيخ -الله يعطيه الصحة- وكنت وإياه صديقين، نجتمع ونلتقي ببعض. وكان أحمد معه. وفي يوم سقط صاروخ من إيران، وتفجر، فارتج الفندق الذي كنا جالسين فيه. فقفز أحمد قفزة، ولا أدري كيف وصل إلى حضن عبدالله الشيخ. وبدأ يقول له: "أنت رئيسي.. عليك أن ترجعني إلى بلدي الآن، أنا لن أبقى في بلد فيها حرب". فقال له: "يا أخي نحن معاً.. ونواجه نفس الشيء". رد عليه أحمد: "لا.. أنا أرجع.. أنا عندي زوجة وأطفال". فقال له عبدالله الشيخ: "طيب يعني نحن خالين.. ما عندنا حد". ودعوني أحيي صديقي الأستاذ أحمد الذي أراه بعد هذه المدة الطويلة، وهذا من بركات ((الاثنينية)) بكل تأكيد. وأما عن فالمسرح لمس الحياة. أنت تحاول أن تتحدث عن البون البون، ما بين الحالة التي كان عليها والحال التي تطوّر فيها والإمكانات المتوفرة. وقد رصدت هذه الظاهرة وتحدثت عنها بإسهاب. ولربما رأيت وعايشت مسرحيات كثيرة جداً لامست هذا الوضع، وتنبأت بكثير من الأشياء التي تحدث الآن. مثلاً أحدّثك عن مسرحية، ربما شاهدها كثير منكم، اسمها "واحد اثنان ثلاثة أربعة.. بوم"، والتي تجسد شخصية الشايع وأبو شايع وشايع وابنه الذين يعودون إلى الحياة. فأنا من كتب هذه المسرحية في وقت مبكر، وقُدّمت على المسرح، وانقسم المجتمع إزاءها إلى قسمين، كما انقسم خطباء المساجد إلى قسمين. فقسم منهم طالب بإعدام الكاتب، وإلغاء رخصة الفرقة المسرحية، وسجن أفرادها، لأن ما ورد في المسرحية تجديف وكفر.. وأما القسم الآخر فرأى أنها مسرحية بناءة، تدعو إلى الله، وتدعو إلى الخير والفضيلة، فقد فهمها كل فريق بطريقته. وهذا هو جدل المسرح.. وهذه هي عظمة المسرح. |
في الواقع نحن حاولنا ننقده، فحتى أحد النقاد، وهو الدكتور سليمان الشرطي أشار إلى ذلك، فقال بأننا قمنا بإطلالة من داخل الكويت إلى الخارج، وبإطلالة من الخارج إلى الداخل. كما قمنا بإجراء مقارنة بين الماضي والحاضر. ففي هذه المسرحية التي أشرت إليها (واحد اثنان ثلاثة أربعة.. بوم)، أشرنا إلى الذين ماتوا عام 1945م، يعني مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وعادوا إلى الحياة عام 1974م–1975م. فثمة بون شاسع.. فأين الكويت في تلك الفترة وأين الكويت في هذه اللحظة. فلما عادوا إلى الحياة استنكروا طريقة عيش أولادهم. وكذلك لم يعرف الأولاد كيف يتعاملون مع آبائهم، صحيح هو أبوه، صحيح هو جده.. ولكنه مات سنة 1945م، وتوقفت عنده الحياة، ونحن الآن في سنة 1975م، تغيّرت فيها المدارس وطريقة اللبس، وتغير البيت وكل شيء تغير.. فيقول له عندما يسأله الجد عن الفتاة، فيقول له: "هذي خطيبة أخوي". فيقول:"خطيبة أخوك!!"، قال "هي".. فيسأله: "شنو هو؟". قال: "خطيبته".. فيعاود سؤاله: "يعني شو خطيبته.. فهمني؟". فقال له: "اللي خاطبها يشوفها ويقعد معها أسبوعين تلاتة أسابيع.. شهر شهرين.. إن جاز له يتزوجها". فقال له: "وإن ما جازت له؟". فيرد الحفيد: "خلاها!". فقال: "عجيب يعني متل الرقبي على السكين!!". فالبون شاسع ما بين هذا النوع من المعالجة. وقس على ذلك مسرحية "عشت وشفت"، عندما يتحاور الأب يتحاور مع حفيده حول مسألة الشمس تدور، والأرض تدور حول الشمس، والبخار تنزل منه الأمطار، فأين كان يتصور هذا لما رأى أن المسألة انتهت. فقال دقت ساعة البخار.. فيجيب في نهاية العرض الأمطار والأرض تدور حول الشمس غصباً عن جدك. |
عريف الحفل: سؤال من محمد أيمن مراد، مسؤول العلاقات العامة، مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية. |
بسم الله الرحمن الرحيم. أرجو التكرم من ضيف ((الاثنينية)) أن يفيد الحضور بتسليط الضوء والإجابة عن السؤال التالي، مع العلم أنه من المفترض أن يكون نشاط وإنجازات الفرقة المسرحية أو بعضها محاكياً لما تعانيه الأمة في شتى المجالات السؤال هل يا ترى غطت أعمال، أو بعض أعمال ونشاطات الفرقة المسرحية ما تعانيه منطقة ثورات الربيع العربي، وخاصة ما يعانيه الشعب السوري من الظلم القاسي الذي لحق به، وهو ما لم يلقَه أي شعب من شعوب الأرض قاطبة، وخاصة في مجال المسرح؟ وشكراً. |
الأستاذ عبد العزيز السريّع: من طبيعة المسرح أنه يختزل، وهو بخلاف الصحيفة، وبخلاف الرأي والمقالة.. المسرح يحتاج إلى وقت، وأي عمل مسرحي أو فني مباشر في أو أثناء الحدث لا يكتب له التوفيق.. التعاطف موجود والإحساس موجود.. فالفاجعة كبيرة والحدث كبير. كلنا نتألم له، ولكن ما أستطيع أن أؤكده لك هو أن هناك من يكتب الآن حتى في سوريا ذاتها. وطبعاً أنت تعرف أنه يوجد في سوريا فن وصل إلى مستويات عالية جداً. كما أن فيها فنانين كباراً جداً، ومتعاطفين ومعنا في الموقف، لكنهم غير قادرين على فعل أي شيء، لا داخل سوريا ولا حتى خارجها، نحن التقينا بهم في محافل كثيرة.. وهم يتألمون جداً، ويتأذون، ولديهم رغبة في أن يقولوا شيئاً، ولكن لا يمكن لأحد أن يقول شيئاً الآن. |
عريف الحفل: سؤال من سامي صالح التتر، مسؤول تحرير بمجلة "اليمامة". |
أسعد الله مساء الجميع. جاءت مسرحية "عنده شهادة" على نسق "قنديل أم هاشم" ليحيى حقي، و"عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم، فلماذا اختلفت عنهما في المضامين، وهل يمكننا أن نُرجِع تشابه أسلوب الطرح لتشابه قضايا مجتمعاتنا العربية؟ شكراً. |
الأستاذ عبد العزيز السريّع: كلامك صحيح.. حتى أن الأستاذ يحيى حقي علم بذلك، وكلمني عندما زارنا في الكويت. وقال لي بأنه سعد بما كتبته. ولكن عندما كتبت مسرحية "عنده شهادة"، فلا أدري إن كنت قرأت "قنديل أم هاشم"، أو لم أقرأها. لا يمكنني أن أجزم.. لكن الإنسان الذي يكتب، لا تصدر كتاباته من فراغ، بل تصدر من ثقافة، ومن خزين.. فأنت تختزن الأشياء كلها، وتقرؤها، وتحبها، وتتفاعل معها، وعندما تكتب، فمن هو المعين، ومن أين تأتي بالكلام، فلا يوجد لديك أشياء خاصة تماماً، أو خارقة. ويشرفني جداً أن أكتب وفي ذهني عمل ليحي حقي أو لتوفيق الحكيم، لا بأس في ذلك، ولكن بالمقارنة فإن أي شخص منصف، يقرؤ هذه النصوص، سيجد بينها فروقات جمة. |
عريف الحفل: السؤال للأستاذ فيصل محمد علي نعساني. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسعد الله أوقاتكم بكل خير. يقول الكاتب المسرحي توفيق الحكيم بأن المسرحية نموذج وقدوة. وقد لاحظنا انفصاماً بيّناً في الشخصية لدى أساطين العاملين على خشبة المسرح، وخاصة في الآونة الأخيرة، بعد ما يسمى بالربيع العربي.. فبمَ تفسرون ذلك؟ وما أثر ذلك على رواد المسرح؟ وهذا جزء من السؤال الأخير للأستاذ محمد أيمن مراد. وشكراً.
|
الأستاذ عبد العزيز السريّع: شخصياً لا أستطيع أن أجزم بأن جميعهم لهم رأي واحد في الموضوع، فمثلاً الشعب في سوريا منقسم أصلاً، مع وضد.. صحيح أن الأكثرية ضد، ولكن هناك أشخاص مستفيدين، ويرون في سقوط هذا الحكم تهديداً لمصالحهم وتهديداً لمكوناتهم. ولكن ربما هناك -ولا شك في ذلك- أشخاص خائفون من شيء مجهول.. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الفنانين، فلا يمكن أن أطلب من فنان يعيش داخل سوريا أن يبدي رأيه.. فمن الصعب جداً أن يبدي رأيه، لأنه إذا أعرب عن رأي مخالف للسلطة، قضي عليه. أنا أعذر مَنْ صَمَتَ، ولكني لا أعذر من تحدث ضد إرادة الشعب وضد الناس. فعلى سبيل المثال، دريد لحام قامة كبيرة لا يستطيع أحد أن يمسها، ولكنه للأسف تبرع بالوقوف إلى جانب النظام ضد أماني شعبه، وهو الذي كان طوال عمره يقول شيئاً مختلفاً في أعماله المسرحية. مثل هذا الموقف أدينه صراحة، لأن دريد لحام شخص قيادي، ولا يستطيع أحد أن يمسه، ولا يستطيع أحد أن يصادر رأيه. ومع ذلك اتخذ موقفاً غير مناسب، وربما هناك آخرون لا أعلم عنهم، ولكن من المؤكد أن هناك كثير من الزملاء، واعذروني عن عدم الإفصاح عن أسمائهم، التقيتهم في الفترات الأخيرة في أماكن مختلفة من الوطن العربي، وكانوا مستاءين جداً ومتألمين جداً، بل إن بعضهم هاجر الآن واستقرّ خارج سوريا للسبب نفسه. |
عريف الحفل: السؤال الأخير للأستاذ الصحافي والكاتب مشعل الحارثي. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ضيفنا الكريم، نحن سعداء جداً بوجودكم بيننا في هذا المنتدى العريق، ((الاثنينية))، فأهلاً ومرحباً بكم بين إخوانكم ومحبيكم. سؤالي باختصار، كثيراً ما يتردد مصطلح المسرح التجريبي، فهل سيظل هذا المفهوم كذلك، ولن يصل إلى مرحلة النضج والاكتمال؟ شكراً لكم. |
الأستاذ عبد العزيز السريّع: المسرح التجريبي في الأساس هو عمل مشروع يكون فيه تجريب لكتاب ولممثلي ولمخرجي المسرح، حيث يجربون لعلهم يعثرون على أشكال جديدة وأساليب جديدة في العرض المسرحي، فيحسنون ويطورون ويغيرون ويبدلون.. هذا شيء مشروع، ولكن أن يسمي مسرحاً تجريبياً فقط، فأعتقد أن هذه تسمية خاطئة.. وكنت من بين من كان لهم رأي في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، فأرى أنه غير صحيح.. فباسم التجريب خربوا كثيراً من الأشياء، إذ حذا حذوهم كثير من صناع العرض المسرحي، فاختل المسرح نتيجة الإسراف في موضوع التجريب.. فهم قد جربوا كل شيء.. ممثل وحيد يتعرى على المسرح.. ممثل يسب.. ممثل يشتم.. ممثل قاعد في محل زبالة.. يعني أشياء غريبة، وأشياء مستنكرة، وأشياء مستهجنة.. أنا شاركت في الدورة الأولى للمسرح التجريبي.. وكان لي في الدورة الثانية شرف أن أكون عضو لجنة تحكيم كان يرأسها أستاذنا لويس عوض -الله يرحمه- وشاركنا وشاهدنا العروض. كان مهرجاناً مبشراً، ولكن بعد ذلك تحوّل إلى نمطية، ولم يعد فيه تجريب.. أصبح شيئاً غريباً ومثيراً.. ملفقاً.. واعتبروه مسرحاً تجريبياً. ولذلك اتفق في وجوب بقاء المسرح التجريبي في إطاره الأكاديمي والعلمي، فهو عبارة عن ورشة يُجرى عليها تجارب، حتى يتم العثور على شيء مستقر وجيد. |
|