((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلّم على سيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آل بيته الطاهرين الطيبين، وصحابته أجمعين. |
الأستاذات الفضليات. |
الأساتذة الأكارم. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: |
كليات خمس: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، قننتها الشريعة بضوابط فقهية معروفة، تسييراً لحركة الحياة الآمنة المطمئنة، تستكمل حلقاتها كخير أمة أخرجت للناس مستصحبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هيئةٌ مستقلة، أرسى حكيم الأمة، المؤسس الباني، الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- ميلادها بثاقب البصيرة، منذ دخوله إلى الحجاز عام 1344هـ، أي قبل تسعين سنة، يتربع على قمة هرمها ضيفنا الكريم، معالي فضيلة الدكتور عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ الذي خصّ اثنينيتكم بهذا اللقاء، فأهلاً وسهلاً ومرحباً به بين عارفي فضله وعلمه. |
تشير معطيات بداياته المشجعة إلى احتكامه لصوت العقل، وصوت المنطق، وميله إلى الحوار الهادئ البنّاء، والعمل المثمر، وإدراكه للواقع الذي نعيشه، ومشاركته الناس في صميم شؤونهم وشجونهم، متلمساً همومهم بخطاب ودود، بالخط العقلاني الذي اختطته الهيئة ونسق الحوار الهادئ حول الأشياء المختلف عليها بترجمتها إلى واقع يجمع عليه الناس، ويتفق مع إمكانية التحقيق، بما يقود إلى تخفيف حالات الاحتقان وعدم الرضا التي تسبب فيها بعض منسوبي الهيئة في عهود مضت، ربما لعدم تبنيهم هذا الخط العقلاني، وذلك بوضعها في حدها الأدنى توطئة لمحوها من ذهنية الجمهور. |
لقد اختطت الهيئة منهجاً مبنياً على فكرة التواصل في تناولها لهمومنا الشرعية، مستندة على فهم ينزع إلى مناقشة الفكرة الخلافية بحوار عقلاني من دون تغليفها بتوترات مختزنة، سعياً لتعاطٍ إيجابي مع كثير من همومنا الشرعية، فاهتمت بترسيخ فلسفة جديدة، ملامحها الحوار والاستنصاح، والموعظة الحسنة؛ بغية تصحيح النظرة لمنسوبيها، فقدمتهم للشرائح المجتمعية المختلفة بدرجة أكثر قبولاً، خاصة لدى الفئات الشبابية، بمد جسور المودة باتجاههم واعتماد الترغيب بديلاً للترهيب. |
كما يؤكد ضيفنا الكريم أن الهيئة جسم تتناسق أركانه مع حركة الحياة والمجتمع، لا تتخذ من التربص أداة، وتتبع العثرات متكأً، والتوثب والترقب وسيلة لتصيد الأخطاء وإيقاع الشبهات، فإحسان الظن خصيصة سليمة، والنأي عن الاتهامات الجوفاء ركيزة قويمة، وأن منهج الحسنى والموعظة الكريمة، والمجادلة الهادئة، من شيم الخلق المسلم، فلا تسلط وازدراء.. فنشد على يديه مثمنين عالياً النهج القويم الذي اختطه في إعادة صوغ منظومة مجتمعية تهم أفراد المجتمع، بالدعوة إلى إنشاء هيئة لـ "الأمن الفكري" أسوة بـ "الأمن القومي" في الدول الكبرى، فالأمن الفكري عنده أهم وأخطر من الأسلحة التي تهم كيانات الدول، لأنها خير معين لتأصيل الفكر الوسطي الذي تنتهجه بلادنا ولله الحمد. |
يرى ضيفنا الكريم أن تقنين الشريعة الإسلامية بضوابطه المعروفة التي وضعها الفقهاء، لا يتعارض مع سير المجتمع وأمنه وسلامته، وأن الشريعة الإسلامية تتمحور حول خدمة وتنظيم المجتمع بشكل يكفل له السعادة، فالحرية أن يعيش البشر كما أراد لهم الحق سبحانه وتعالى، أحراراً، هداهم النجدين تمييزاً بين الضار والنافع. |
ومما قاله ضيفنا لهذه الأمسية إن وجود 4907 فرداً من منسوبي الهيئة العاملين في الميدان حالياً، من العدد الإجمالي في الرئاسة العامة وفروعها، والبالغ 7521 فرداً، يعكس حجم الجهد والعطاء الكبيرين اللذين تضطلع بهما الهيئات المختصة لتطبيق شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما يستدعي ضرورة التطوير المستمر، بابتعاث أعداد مقدرة إلى الخارج لدراسة اللغة الإنجليزية؛ لمخاطبة مختلف الجنسيات واللغات على أرض المملكة. كما أن الهيئة أنهت حديثاً تدريب 950 موظفاً في إطار جهودها لتقليل الأخطاء، وتنقية الأداء من الشوائب وتقليل الشكاوى، فحصلوا على دورات تأهيلية في مهارات التواصل والتعامل مع الآخرين، فهنيئاً لاستخدام الهيئة لغة العصر المعلوماتية، وإدخال نظام التعاملات الإلكتروني في كافة أعمال الجهاز، تمهيداً للاندماج مع التوجه المستقبلي لمشروع الحكومة الإلكترونية. كما تكلّلت الجهود المضنية في حماية المجتمع من الجرائم خلال 5 أشهر بضبط 237 قضية ابتزاز احترافية خطرة، و173 قضيـة دعــارة، و87 قضية سحر، و92 قضية تصنيع خمور، و89 قضية مخدرات، إضافة إلى اكتشاف 26 مصنع خمور في جنوب الرياض وشرقها فقط، وتم التعامل مع جميعها بكل مهنية واقتدار. |
تناول ضيفنا الكريم موضوع الاختلاط مبيناً أنه يمارس في الأسواق، والأماكن العامة، ودور العبادة، كالحرم المكي والحرم المدني وموسم الحج، ومجالس القضاء وغير ذلك من التجمعات البشرية، مما تفرضها الحاجة والضرورة، وهي ممارسات لم تقتصر على زماننا، فقد وجدت منذ صدر الإسلام، وقد تناولت كتب السيرة والمغازي وبعض كتب الفقه ذلك بالتفسير والشرح، فالشريعة المطهرة لم تحرمه على إطلاقه، بل أجازته في حدود تكفل الحرية الشرعية المنضبطة المحافظة على الأعراض، والتي تمنع الوقوع في المحظورات التي تهدم كيان الأسرة والمجتمع، وتنافي العفة وكرامة البشر. فبادرت إلى وضع ضوابط وقيود واضحة وصريحة. فالعلماء يحرمون الاختلاط المطلق عن القيود والضوابط، أو ما يسمى بالاختلاط المستهتر، بيد أن الاختلاط الجائز ضوابطه: مراقبة الله تعالى وخشيته في السر والعلانية، وعدم تبرج المرأة وكشف ما لا يجوز، والنأي عن مواطن الريبة، وأن تبتعد المرأة عما يثير شهوة الرجال، وأن يكون الاختلاط في حدود ما تفرضه الضرورة من دون إسراف، أو توسع، أو تعطيل، وألا ترفع الحواجز بين الجنسين حتى لا يتجاوز الأمر حدود الأدب وينافي العفة والحياء. |
كما أشار ضيفنا الكريم إلى أن علماء الشريعة لم ينفردوا بالعمل بقاعدة "سد الذرائع"، فالقاعدة معمول بها أيضاً في القوانين الوضعية، ومتفق عليها بين العلماء جميعاً. فكل ما يفضي إلى محرّم فهو محرّم، كالخلوة وغيرها، فتحريم الذرائع التي تفضي إلى الحرام قطعاً، أو غالباً، فهو من باب تحريم الوسائل، وليس من باب تحريم المقاصد. وما حُرّم في هذا الباب فإنه يُباح عند الحاجة. وممّا أورده أهل العلم من الشواهد – في هذا الشأن - في كتبهم قولهم ما كان منهياً عنه للذريعة، فإنه يفعل لأجل المصلحة الراجحة، فحبّذا لو أخذ العلماء بالتوسط والاعتدال بقاعدة سد الذرائع. فلا يُسد من الذرائع ويقطع إلا ما أفضى غالبا إلى محظور، أو كانت المفسدة راجحة على المصلحة، لأن الأصل في الأشياء الإباحة.. |
ومن المهم أن أقف في هذه العجالة على بعض آثار ضيفنا الكريم، وهي مؤلفاته التي رفد بها مكتبتنا الحديثة بعدة عناوين جديرة بالاطلاع، منها كتابه "خصوم الدعوة في العهد المدني، ومظاهرها في العصر الحاضر"، وهو دراسة تاريخية تحليلية لسيرة الدولة الإسلامية الأولى، وله أيضاً كتاب "الحيازة والتقادم في الفقه الإسلامي مع مقارنة في القانون الوضعي"، وبعض البحوث المتخصصة منها "الشرط في الفقه الإسلامي"، وغير ذلك من المواضيع المتعلقة بقضايانا الإسلامية الراهنة، والتي يُفاد من محتواها الكثير. |
أرحب مرة أخرى بمعالي فضيلة ضيفنا الكريم، وأترككم في معيته ليحدثنا عن شؤون وشجون دائرته التي نراها دائماً تحت الأضواء الكاشفة، متمنياً لكم وقتاً ممتعاً مع ضيف أمسيتنا القادم إلينا خصيصاً من الكويت الشقيقة، سعادة الأستاذ عبد العزيز السريع، أمين عام مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري منذ عام 1991م، والحاصل على وسام الاستحقاق من الرئيس التونسي عام 1995م، وله 8 مسرحيات، تُرجم بعضها إلى اللغة الإنجليزية،فضلاً عن بعض المؤلفات القصصية. |
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
عريف الحفل: شكراً لسعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه على كلمته الترحيبية الضافية. أيها السادة والسيدات، أرجو أن أشير إلى أنه بعد أن يفرغ ضيفنا الكريم معالي الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ من كلمته وحديثه إليكم، سيُفتح المجال لطرح الأسئلة للضيف وتكون الأسئلة مباشرة من السائل. وأما طلبات الأسئلة فتصلنا هنا على المنصة، ونحن نتقدم بطلب من يريد السؤال تباعاً، إن شاء الله، سواء من قسم الرجال أو من قسم السيدات. ونرجو أن تقتصر الأسئلة على سؤال واحد لكل سائل، لتُتاح الفرصة لأكبر عدد ممكن إن شاء الله. والآن أيها الإخوة والأخوات نترككم مع بعض الكلمات التي تتحدث عن ضيفنا الكريم، وترحب به، نبدؤها بكلمة لسعادة الأديب والأكاديمي الأستاذ الدكتور عبد المحسن القحطاني، الرئيس السابق لمجلس إدارة النادي الأدبي بجدة. |
|