شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الدكتور محمد سالم بن عبد الله سرور الصبان))
في البداية أود أن أتقدم بشكري الجزيل إلى سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه مؤسسة ((الاثنينية)) على دعوتي لأكون أحد المكرمين في هذه الليلة المباركة، وهو ما يمثل لي مصدر فخر واعتزاز، لأنضم بجهدي المقلّ في خدمة الوطن إلى قائمة من تم تكريمهم من القامات الطويلة الراسخة بمساهماتها في تاريخ وطننا الغالي.
كما أشكر كل من حضر الأمسية من أساتذتي والأخوات والإخوة الأفاضل، كما أشكر أصحاب المعالي الشيخ هشام ناظر والأستاذ الدكتور مدني علاقي وسعادة الدكتور عبدالله مناع على ما أنعموا به علي من كلمات هي وسام شرف، لأنها تأتي من أناس كان لهم فضل كبير على مسيرتي العلمية والعملية على حدٍّ سواء.
أود أن أذكر باختصار شديد بعض العلامات البارزة في مسيرتي العلمية والعملية.
لقد كان قراراً صعباً أن أنتقل من التدريس في الجامعة -وأنا أحب التدريس وأعشقه- إلى وزارة البترول، إلا أن التشجيع الذي لقيته من معالي الشيخ هشام، ودفعه بنا نحن الذين تم اختيارهم كمستشارين لمعاليه إلى الواجهة كممثلين للمملكة في اجتماعات بعض لجان الأوبك ومن ثم انضمامي معه إلى وفد المملكة للاجتماعات الوزارية للأوبك -وكان أن تشرفت منذ تمثيلي للمرة الأولى للمملكة في رسم أول استراتيجية طويلة الأمد لمنظمة الأوبك، ما زالت تقتدي بها المنظمة إلى الآن مع بعض التعديلات الطفيفة- كل هذا مثّل نقطة فاصلة وفتح الطريق أمامي لاكتساب الخبرة الدولية من منطلق الثقة المطلقة التي منحني إياها معاليه.
وكانت تلك الفترة من أصعب فترات أوبك؛ فالسوق كانت بحاجة إلى التزام تام بحصص الأوبك حتى تستقر أسعار البترول عند مستويات مرضية لنا كمنتجين، في الوقت الذي تزايد فيه الدين العام لدينا في المملكة ليصل إلى مستويات مرتفعة، وكان بعض أعضاء الأوبك يتجاوزون حصصهم بإعطاء حسومات سعرية في سوق هي "سوق مشترين".
إضافة إلى مهامي في الأوبك، أوكل معالي الوزير إليّ وإلى زميلي في الوزارة وقتذاك الدكتور مساعد العيبان وزير الدولة حالياً مهمة متابعة مفاوضات المناخ تحت مظلة الأمم المتحدة، وكان ذلك عام 1989م، وهي من أصعب المفاوضات التي خاضتها المملكة ودول الأوبك، حيث استخدمت حجة ارتفاع درجات حرارة الأرض وتغير المناخ لدفع العالم نحو تخفيض استهلاكه من البترول وبقية أنواع الوقود الأحفوري. وقد كان العالم الصناعي ولا يزال يقنع الدول النامية أن من مصلحتها الانضمام لهذه الجهود التي ستؤدي إلى تخفيض أسعار البترول ومن ثم تخفيض فاتورة وارداتها البترولية. لكننا استطعنا ولله الحمد تحقيق نوع من التوازن والمطالبة بمساواة عادلة مع مصادر الطاقة الأخرى التي يجب إزالة الإعانات المقدمة لها مثل الفحم والطاقة النووية. وفي أول اجتماع لنا في نيويورك، وحيث كنت بحاجة إلى تعميد من معالي الشيخ هشام، اتصلت به، وشرحت له الموقف الذي أمامنا، وقبل أن أكمل ذكر لي بالحرف الواحد: "يا محمد أنت تعرف موقفنا العام وأنت أعرف بالمواقف الأخرى، وأنت الأقدر على اتخاذ الموقف السليم، وواثق من كل ما ستتبنونه من مواقف". هذه الثقة المطلقة الممنوحة من معاليه كانت بمثابة الانطلاقة الحقيقية لي في تبني المواقف والقدرة على التفاوض وتقدير مساحة المناورة ومتى يمكن أن نوافق على أي صيغ توفيقية، والمقابل الذي يمكن الحصول عليه بما في ذلك قراءة أفكار الدول الأخرى وعدم الإفصاح عن خطوطنا الحمراء وإيهام الآخرين بأنها أعلى بكثير مما يعتقدون توصلاً للصيغ التوفيقية.
وهنالك العديد من المواقف المشرفة التي فرضت على الآخرين احترام مواقف المملكة، كون الكل يدافع عن مصالحه. وهنا أذكر اجتماع القمة التاريخي قبل أكثر من عامين حينما تم اختيار رؤساء خمس وعشرين دولة لإيجاد حل للمفاوضات المتعثرة، ولم يكن بالإمكان تجاوز المملكة فكنا ضمن الدول المختارة لهذه المفاوضات الصعبة والتي استمرت على مدار يومين متصلين، عدا فترات مختصرة جداً من الاستراحة، وكان لي الشرف الكبير أن مثلت المملكة في هذا الاجتماع بوجود رؤساء الدول مثل الرئيس أوباما وساركوزي وبراون وكالديريون المكسيكي وأنجيلا ميركل وميدفيديف وغيرهم. وكان أن عارض ساركوزي بشدة أن يتفاوض مع أناس ليسوا برؤساء مثلما هو الحال معي ومع رئيس الوفد الصيني، وقد كفاني الممثل الصيني الإجابة بأن قال "إن من يجلس خلف العَلَم الصيني يمثّل الصين بغض النظر عن مرتبته، وعلى الآخرين إما الاستمرار أو ترك هذه المفاوضات. أما أنا وزميلي رئيس الوفد السعودي فنحن باقون"، وأشار إليّ: "أليس كذلك؟"، فقلت له: "نعم، وأتمنى أن لا يتركنا الرئيس ساركوزي"، وقلت العبارة الأخيرة بوجه حزين.
موقف آخر: في اليوم التالي، وخلال فترة استراحة داخل غرفة الاجتماعات، وكنت لحظتها على اتصال بالجوال، شعرت أن أحداً يجلس بجانبي قابعاً على ركبتيه، فنظرت فوجدت الرئيس أوباما ينتظرني أنهي مكالمتي، وما إن رأيته حتى أقفلت المكالمة ونهضت لمعرفة ما يريد، وكان يمر على بعض الدول للحصول على مقترح منه قد يحقق الانفراج، وبعد نقاش معه استغرق حوالي عشر دقائق وافقت معه على مقترحه مع بعض التعديلات التي أدرجتها عليه حماية لمصالح المملكة ووافق أوباما عليها، لينتقل بعدها، بعد أن شكر المملكة على تعاونها، إلى الرئيس النروجي وبقية الأعضاء الذين أعتقد أنهم قد لا يوافقون على مقترحه.
لقد كنا دائماً وأبداً مسلحين بموقف رسمي واضح وافق المقام السامي على خطوطه العريضة، والذي كان يحرّصنا على حماية مصالحنا البترولية، وكان موقفنا متجانساً حول هذه المصلحة في ظل مناخ كانت كل دولة تدافع فيه عن مصالحها. من المواقف المفصلية في حياتي العملية أيضاً، تجربتي في المجلس الاقتصادي الأعلى، الذي كنت عضواً فيه منذ بدايته ولأربع فترات. خلال هذه الفترة تعرفت عن قرب إلى الملك عبد الله حفظه الله، وكنت قبل ذلك قد صحبته أيام كان ولياً للعهد في رحلته التي شملت الغرب والشرق من أوروبا إلى الولايات المتحدة إلى الصين واليابان وكوريا وباكستان، إلا أنها لم تكن كافية لي لمعرفته عن قرب كما هو الحال في المجلس الاقتصادي الأعلى. فقد كان حريصاً حفظه الله على المواطن وفي صفه في كل ما يتم اقتراحه في المجلس. وأذكر أن موضوع فرض رسوم على المواطن كان مطروحاً للنقاش، فكان أن عارض ذلك بقوله: "ما حصيلة ما قدمناه للمواطن حتى نطالبه بدفع رسوم؟". وكان ينقل إلينا نبض الناس حيث يقول حفظه الله بالحرف الواحد: "الناس يلحون عليّ دائماً.. ماذا فعلتم في المجلس الاقتصادي، عليكم التحرك بشكل أسرع يا إخوان".
كان يعطينا فرصة كهيئة استشارية للحديث قبل الوزراء، وجدير بالذكر أنه يرى الوزراء بصورة دائمة، وهو في حاجة إلى الرأي الآخر.
أذكر أنه حينما بدأت أسعار البترول في الارتفاع ونشرت وسائل الإعلام الدولية بأن المملكة ستتراخى في الإصلاحات الاقتصادية نتيجة لذلك، ثم ذكرت له حفظه الله ذلك، رد قائلاً بأن ذلك لن يكون ونحن ماضون بإذن الله في هذه الإصلاحات والمشروعات الاقتصادية. فطلبت منه أن يتضمن بيان المجلس لذلك اليوم الإشارة إلى هذا التأكيد فوافق وتم إدراجه.
وظهر مؤخراً تأكيد لاستعادة المجلس لدوره في كونه "المطبخ الاقتصادي" للمملكة، فطبيعة التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي عديدة في هذه الفترة، وفي تصوري لا بد أن يتحول المجلس إلى "مجلس إدارة الأزمات" ويكون في حالة انعقاد شبه دائمة.
أما بالنسبة للتطورات العالمية لسوق البترول العالمية، فهنالك اختلاف كبير بين سوق البترول العالمية الآن مقارنة بفترات التسعينيات وبدايات القرن الحالي؛ فقد تعدد بشكل كبير أعداد المتعاملين في السوق، وأصبح المضاربون هم من يؤثر في السوق، متأثرين بمختلف الأحداث ودرجة سخونة الأحداث السياسية في المنطقة وتوقعاتهم بما سيكون عليه وضع العرض والطلب العالميين، متجاهلين إلى حد ما طبيعة أساسيات السوق الحالية. كما أن التغيرات الهيكلية التي بدأت في الظهور في سوق البترول العالمي منذ أواخر العقد الماضي تنذر بفقدان تدريجي لأهمية بترول المنطقة، وهي التغييرات التي أثّرت في جانبي الطلب والعرض العالميين من البترول. فنجد أن الطلب العالمي على البترول من الدول الصناعية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد وصل إلى الذروة في عام 2008م، وهو آخذ في الانخفاض التدريجي، ولولا الزيادات الكبيرة في طلب الدول الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل وغيرها لرأينا معدلات انخفاض كبيرة في الطلب العالمي على البترول. ويتوقع أن يصل الطلب العالمي إلى ذروته بحلول عام 2020م، حيث سيتزايد الطلب الصيني والهندي وبقية الدول الصاعدة ولكن بمعدلات متناقصة نظراً لإجراءات ترشيد استخدام الطاقة وإحلال مختلف بدائل الطاقة في قطاعات رئيسية مثل قطاع النقل، وبالتالي عدم تكرار أخطاء الدول الصناعية التي سبقت في النمو في استخدام الطاقة.
أما في جانب العرض العالمي من البترول والغاز، فهنالك طفرة كبيرة نتجت أساساً من الاكتشافات الكبيرة لما يعرف بالبترول والغاز الصخريين، والحديث الآن أن الولايات المتحدة على سبيل المثال ستحقق اكتفاءً ذاتياً بحلول عام 2025م إن لم يكن قبل ذلك، وقد تفوقت حالياً واردات الصين من البترول على واردات الولايات المتحدة، والتي كانت ولا تزال أكبر مستهلك للبترول.
تأتي هذه التغيرات في السوق البترولية في الوقت الذي تستهلك فيه المملكة محلياً حوالي 4 مليون برميل بترول مكافئ، وهي كميات كبيرة جداً بكل المقاييس العالمية. فالفرد في المملكة يستهلك حوالي 48 برميل بترول في العام بينما يستهلك الفرد في الولايات المتحدة حوالي 9 براميل بترول في العام، والفارق كبير وكبير جداً. وإذا أخذنا في الاعتبار معدل النمو في الطلب المحلي على النفط والغاز والذي يصل إلى 7% سنوياً، فلنا أن نتصور التناقص التدريجي والكبير في ما يمكن أن نصدره من بترول، ناهيك عن احتمالات الانخفاض التدريجي في أسعار البترول العالمية نتيجة العوامل المؤثرة في كلٍّ من العرض والطلب العالميين على البترول، وشكراً.
عريف الحفل: وشكراً لكم أنتم أيضاً سعادة ضيفنا الكريم الدكتور محمد سالم سرور الصبان، شكراً لهذا النموذج الرائع، شكراً لهذا الحضور الجميل الذي يفخر به الوطن وينطلق بكل ثقة واقتدار إلى المحافل الدولية بهذه السواعد والعقول الفتية من أبناء الوطن البررة نتمنى لكم التوفيق دائماً إن شاء الله. الآن أيها السادة والسيدات نبدأ بتقديم الأسئلة ولتكن الفرصة من قسم السيدات، الزميلة نازك الإمام تبدأ من قسم السيدات بالترحيب بضيفنا أولاً ثم بطرح أول سؤال في قسم الأسئلة، تفضلي نازك.
 
طباعة
 القراءات :259  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 117 من 163
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.