شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الدكتور عبد الله مناع))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم وأوقاتكن بكل خير.
لقد تحدث وزير البترول عن البترول والطاقة وتحدث الدكتور مدني علاقي عن التجارة والاقتصاد ولست بترولياً ولست اقتصادياً لذلك لا بد من أن يكون حديثي مختلفاً.. الحديث عن الدكتور محمد سالم سرور الصبان لا بد وأن يستدعي لذاكرتي معالي الشيخ محمد سرور صبان شخصياً، الدكتور محمد هو ابن أخ الشيخ محمد سرور الصبان ولي معه قصص كثيرة، لكننا نتوقف مراراً عند بعض هذه القصص: أول ما رأيت الشيخ محمد سرور الصبان عندما كنت طالباً مبتعثاً في جامعة الاسكندرية مع نخبة من الزملاء، دُعينا للسلام على معالي الشيخ محمد سرور الصبان وقد نزل في قصر في منطقة سيدي جابر وكان ذلك بترشيح مدير البعثات آنذاك الشيخ صادق كردي رحمه الله، ذهبنا للسلام على معالي الشيخ وقد كان ذلك عام 1958 أو 59 ميلادي، كان الشيخ في هذا المكان في سيدي جابر وكان المكان جميلاً ومثيراً أيضاً؛ إذ كان قصراً على رابية، وكان علينا أن نصعد هذه الرابية.. عشر أو خمس عشرة درجة أو أكثر حتى نصل إلى القصر. وصلنا القصر فوجدنا نفسنا في (ترّاس) كبير فخم، قدمت لنا فيه الشاي والقهوة وظللنا ننتظر مجيء الشيخ. كنا نسأل بين حين وآخر: ومتى سيأتي الشيخ؟ فقيل لنا إن الشيخ لديه المدلك اليوناني، ونحن لم نكن نعرف ما معنى مدلّك يوناني.. فانتظرنا حتى يأتينا الشيخ فإذا به بعد ربع ساعة أو نصف ساعة يطل علينا الشيخ إطلالة مشرقة جميلة رائعة رائقة عذبة، فسلمنا عليه وجلسنا نتحدث إليه ولا أذكر الآن ماهية الحديث لكنه كان يتحدث في الشأن الاجتماعي ولم يتحدث في أي شأن سياسي إطلاقاً. ذلك كان مشهداً لن أنساه، ولم يمر كثير من الوقت حتى رأيت نفسي أنا عضواً في مؤسسة "البلاد" مع معالي الشيخ محمد سرور الصبان الذي أصبح هو أيضاً عضواً في مؤسسة "البلاد" للصحافة، وكانت مفاجأة بالنسبة لي أن أكون عضواً في هذه المؤسسة التي تمتلئ بأصحاب المعالي وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة وأصحاب المراكز الاجتماعية والأدبية أمثال محمد حسن فقي، الأستاذ عبد الوهاب آشي، عابد شيخ، عمر السقاف، البوقري، عبد الله سعد، علي الجفالي، الخريجي.. يعني مجموعة ضخمة جداً ونجم النجوم الشيخ محمد عبد الله رضا زينل. كانت الجلسة الثانية في بيت الشيخ، أما الأولى فقد كانت في مكتب معالي الشيخ محمد عبد الله رضا زينل، فلما ذهبنا إلى بيت الشيخ لكي نجتمع ونضع -أو بالأحرى يضعوا (أي هم الرؤوس الكبيرة)- الهيكل أو التصور لشكل المؤسسة التي أصبحنا أعضاء فيها.. عندما ذهبنا إلى بيت الشيخ استقبلنا استقبالاً كريماً وجميلاً ولائقاً وعذباً في الحقيقة لكنه لا يخلو من الذكاء، وكان معنا معالي الشيخ محمد إبراهيم الذي كان آنذاك وكيلاً لوزارة الخارجية، استقبلنا جميعاً استقبالاً متساوياً معتدلاً جميلاً لكنه أعطى مساحة لمعالي الشيخ محمد إبراهيم مسعود لأن يجلس في مكانه وكانت حجته في هذا أن التلفون هناك وأن معالي الشيخ محمد إبراهيم مسعود قد يأتيه تلفون من هنا أو من هناك فيجب أن يكون إلى جواره. كانت لفتة جميلة ولفتة ذكية لكن الشيخ كان شديد الذكاء حقيقة وشديد الحنكة أيضاً، ولا يخلو من دهاء ولكن دائماً على قدر من الأدب في التعامل مع الآخرين، كل الآخرين على قدر من المساواة وعلى قدر من التقدير وعلى قدر من المحبة كبير جداً.. هذه الصفات في الشيخ إلى جانب أنه كان طبعاً- رغم أننا لم نحضر ذلك التاريخ- لكننا علمنا في وقت لاحق أنه أديب وشاعر وأيضاً رجل قريب من السلطة، ويذكر التاريخ أنه عندما قام الشيخ السيد طاهر دباغ بفتح التلفون المشهور للشريف الحسين يطلب منه التنازل عن العرش لابنه علي، كان أول من تلقى هذه المكالمة هو محمد سرور الصبان وقد ذكر هذا في مذكراته التي نشرها في المنهل فكانت مشكلة بالنسبة له أن يطلب منعه أن يكلم الشريف بأمر كهذا لكن الشريف ساعده أن يقول فقال الرسالة ووصلت الرسالة وانتهى الأمر إلى ما انتهينا إليه. فالشيخ إذاً صاحب مواهب عديدة وملكات عديدة وقدرات عديدة. الشيخ أديب وشاعر مقلّ لكنه صاحب مكانة أدبية كبيرة جداً من خلال مكتبته كما يذكر التاريخ ومن خلال أدواره التي قدّمها لكل المثقفين في تلك المرحلة الأولى من بواكير العهد السعودي. الشيخ محمد سرور الصبان أيضاً كان شاعراً مقلاً لكنه ينظم شعراً جميلاً، وإذا ما نسينا شعره فلا ننسى له قصيدتين، الأولى قصيدة:
ويحي أيعتلي القنوط عزيمتي
والحزم من طبعي ومن عاداتي
والدهر طوعي والزمان مصادقي
والصبر درعي والثبات قناتي
وهي تبدأ:
جل الأسى وتتابعت زفراتي
ودنا المشيب فقلت حان مماتي
لقد نسيت البيت لكن القصيدة المعنونة "جل الأسى" تعتبر في الحقيقة واحدة من قصائد الروائع. وهناك أيضاً قصيدة أخرى اكتشفناها لاحقاً وهي قصيدة رقيقة وعذبة لكنها أيضاً ذات بعد سياسي:
يا ليل صمتك راحة للموجعين أسى وكربا
خففت من آلامهم ووسعتهم رفقاً وحُبّا
أو ما ترى حدث الزمان أمضّهم عسفاً وغلبا؟
هذا التاريخ للشيخ محمد سرور الصبان انتقل بشكل أو بآخر بعضه أو لمحات منه أو صفات منه إلى الدكتور محمد سرور سالم الصبان المحتفى به هذه الليلة، لكن الدكتور محمد كان على عكس الشيخ محمد سرور الصبان؛ الشيخ محمد سرور الصبان كان نجماً تتحدث عنه المجالس تتحدث عنه الدنيا كلها، في حين أن الدكتور محمد سالم سرور الصبان كان أقرب إلى الاختفاء والاختباء منه إلى الظهور. وأنا عندما اطلعت وذكر الآن في تاريخه البيوغرافي أنه ظل أستاذاً بالاقتصاد مدة ثلاثة عشر عاماً في جدة، فإننا لم نره طوال هذه الأعوام إطلاقاً ولم نقرأ له سطراً إطلاقاً -وإذا كنت على خطأ فأرجو أن يصوب كلامي- ربما يكون قد نشر شيئاً في مكان لم أعرفه لكن في تلك الأيام -أي من عام 83 إلى 1996م، 13 سنة- لكن الدكتور ظل مختبئاً، ربما عملاً بالحكمة المتداولة بين رجال السلطة ورجال المجتمع الكبار والتي تقول: "كلما كنت بعيداً عن الأضواء كان ذلك أفضل لأن القرب منها قد يحرق الأشخاص"، ويبدو أن الدكتور قد أخذ بهذه الحكمة أو بهذه النصيحة فابتعد عن الأضواء ما وسعه، حتى عندما تم اختياره مستشاراً لوزير البترول بدأ يظهر على الساحة.
إن الدكتور محمد في الحقيقة مرجعية اقتصادية وأنا أتعلم منه وأسأله كثيراً في لقاءاتنا معه وألح عليه في الأسئلة وهي أسئلة من يريد أن يعرف، لكنني كنت دائماً أجد فيه مرجعية وأجد لديه إجابات شافية. أعتقد أننا في هذه الليلة أحوج ما نكون لأن يحدثنا الدكتور عن الصناديق السيادية وماذا تعني اقتصادياً وماذا تعني على اقتصاد الوطن وعلى حياة الناس والأمة.
إن الدكتور محمد أيضاً شديد الحياء وقليل الكلام وهو لا يتكلم إلا إذا تم جره إلى أن يتكلم أو استفزازه، وهو شديد الأدب وعلى قدر من الحياء كبير.. حقيقة إنني سعيد بأن ((الاثنينية)) تكرم وتحتفي بعلم كالدكتور محمد سالم سرور الصبان وهو جدير بهذا التكريم وجدير بأن نستمع إليه أيضاً نحن المجتمعون هنا. لقد أطلت في الحديث عن محمد سرور الصبان لكن بقي لي سطر واحد لعله مما يسلّي: الأستاذ الشيخ محمد سرور الصبان كان وزيراً للمالية وكان مديراً عاماً لوزارة المالية فأصبح وكيلاً ثم أصبح وزيراً أيام الملك سعود رحمهم الله جميعاً، عندما كان مديراً أو وكيلاً للوزارة كان أحد الموظفين -وهو السيد حسن الكتبي الذي أصبح وزيراً للحج في الثمانينيات الهجرية أو الستينيات الميلادية- يبدو أنه في حاجة إلى بعض المال في ذلك الزمان فكتب رسالة إلى الشيخ يطلب فيها سلفة وأرسل الرسالة.. وحكاية الرسائل في ذلك الزمان والطلبات من هذا النوع وأجواء الوزارات كانت غريبة ولها رهبة ومهابة، المهم سار الطلب وانتظر الجواب على أحر من الجمر، ثم جاء الجواب بعد حين وهو (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً)، يعني ماذا؟ موافق؟ غير موافق؟ لم يفهم شيئاً فخرج من الدوام، لكن في اليوم التالي جاءه تفسير الأحلام عندما جاءت الشرطة تطلب السيد حسن كتبي للمثول أمام القاضي، فكان الشيخ محمد سرور الصبان يعرف أن هناك قضية وأنه سيستدعى إلى المحكمة، لذلك كتب هذا الشرح الذكي والجميل. على أي حال نحن سعداء بأن نحتفي بالدكتور محمد سرور الصبان ونتمنى له التوفيق دائماً وأبداً.. والسلام عليكم.
عريف الحفل: شكراً للدكتور عبد الله مناع الذي أخذنا قليلاً في دهاليز الذاكرة، والآن أيها الإخوة والأخوات الحديث والكلمة لضيفنا المحتفى به الدكتور محمد سالم بن عبدالله سرور الصبان يتحدث إليكم الليلة حول مسيرته العلمية والعملية التي استحق على أثرها هذا التكريم فليتفضل.
 
طباعة
 القراءات :307  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 116 من 163
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.