شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ إحسان صالح طيب))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حمد الشاكرين وأصلي وأسلم على الحبيب الشفيع سيدنا محمد بن عبد الله الصادق الوعد الأمين. سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه راعي "الاثنينية"، معالي وزير الاتصالات المغربي ضيفنا الكريم في هذه الليلة المباركة، أصحاب المعالي والسعادة أيها السيدات والسادة، إن المشاعر الكريمة التي عبّر بها بعض إخواني وعلى رأسهم سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه عن وجدانياتهم تجاه أخيهم إحسان طيب وما قدمه خلال مسيرة عمله الاجتماعي في خلال هذه الدورة الحياتية، أريد أن أثني على أصحابها وأشكر كل من ألقى الكلمات السابقة، محيياً إخواني الدكتور أنور ماجد عشقي وسعادة الدكتور عبد المحسن وأخي محمد سعيد طيب، وأخي محمد أحمد طيب، ومثلما ذكر أخي سعادة السفير محمد فإنني أمثل الجيل الثالث من أبناء الوالد لأن اثنين من إخواني المنتمين إلى الجيل الأول شريكان في عمر الوالد لأنهما تزوجا مبكراً في سن السادسة عشرة، وقد كانت ابنة عمه الزوجة الأولى والزوجة الثانية كانت والدة إخواني سراج ويوسف وسليمان وأخواتي زين وفائزة من السيدة الفاضلة مريم محمد سعيد لأمي، وكانت الزوجة الثالثة في حياة والدي السيدة الفاضلة والأم البارة الحنونة عائشة إبراهيم فرج التي أنجبتني وأنجبت خمسة من الأبناء الآخرين، وهذه البدايات في تركيبة الأسرة التي أنتمي إليها فبعض أبناء عمومتي -ومثلما ذكر السفير محمد أحمد طيب- لديهم أبناء أكبر منا.. الجيل الثالث من أبناء صالح طيب، كانت ولادته ونشأته في حي الغزة بمكة المكرمة، وكانت في بيت يتكوّن من أربعة أدوار ومبيت وخارجة تُرصّ عليها الروارق والشراب ليلفحها السموم بهوائه وتبرد. عندما يأتي شهر الحج نخرج جميعنا من هذا المبيت وهذه الخارجة ومثل عامة أهل مكة المكرمة فإنهم يؤجرون منازلهم للحجيج وكان لهذا الموقع الأثر الكبير في تنشئتي الاجتماعية لعدة أسباب؛ فهو قريب من الحرم المكي الشريف وقريب من أماكن عمل والدي الذي كان تاجر قماش، ومن المعروف أن معظم آل طيب كانوا يمتهنون مهنة القمّاشة أي أنهم "بزّازين" مثلما كان سيدنا أبو بكر رضي الله عنه أشرف البزّازين، فكان هذا الموقع قريباً من سوق الليل وشعب علي وشعب عامر.. وكانت هذه الأماكن تمثل الرئة الحيوية لمكة المكرمة خصوصاً وأن طريق الغزة يمر على طريق الحرم وتفد وفود الحجاج والمعتمرين وتعلو أصوات المؤذنين التي كانت تصدح بالأذان من خلال المنائر الأربع. إذاً عشت في هذا الجو وتربيت فيه وكان لأبي رحمه الله الدور الكبير في غرس القيم الفاضلة والصالحة لأنه كان مشهوراً حتى بين أقرانه بالرجل الصالح وحتى بين إخوانه كان عميداً لهم ومرجعاً في كثير من أمورهم، ومثلما ذُكِرَ كان من حظي أن أكون ابناً لهذا الأب، وأن أكون ابناً للأم العظيمة عائشة بنت إبراهيم فرج التي سعت بكفاح لتربية أبنائها والانكباب على العناية بهم واستطاعت أن توصلهم جميعاً إلى بر الأمان، حتى أصبح صغيرهم شقيقي مروان الذي يصغرني بعشر أو إحدى عشرة سنة تقريباً، هو الذي دخل المدرسة عند وفاة والدي في سن السادسة وعندما رجع إلى المنزل كان فرحاً بتجمع الناس ويقول "في بيتنا عزيمة".. أصبح الآن طبيباً استشارياً في جراحة القلب والأطفال، وقد أخذ سنة إضافية وأصبح متميزاً في هذا المجال.
في السنة الأولى التحقتُ "بالرحمانية" الابتدائية وكانت عبارة عن نجوم في مبنى متعدد الأدوار في حي القرارة بجوار مسكن العمدة الهرساني الذي كان موجوداً هناك، وكانت تلك البداية الأولى لي في المدرسة، في ذلك الوقت كان كثير من الأباء يرسلون أبناءهم للدراسة في مصر وكان من حظي أنني ابتعثت في سن مبكرة ورحلت إلى القاهرة في الصف الثاني الابتدائي ودرست في مدارس منيل الروضة الخاصة، وكان على رأس هذه المدارس معتمد المعارف آنذاك المربي الفاضل السيد ولي الدين أسعد وهو من هو؟ قامة وعلماً وأدباً ومكانة، وأحد صناع تاريخ التعليم في هذا البلد من بداياته. أرجع إلى والدتي العظيمة التي كانت تأخذنا أحياناً إلى الحرم، وعندما تأخذني إلى الحرم تمر على دكة السيد علوي المالكي رحمة الله عليه التي كانت تقع إلى يسار الداخل للمسجد الحرام من باب السلام وعلى بسطة مرتفعة وعليها ثلاثة سطول من الماء وبعض المغاريف وخشبة كانت فوقها، فتطلب والدتي من السيد علوي المالكي أن يدعو لي بالهداية ويدعو لي بالتوفيق ويدعو لي بالفلاح ثم تأخذ واحداً من المغاريف وتقول له: "يا سيد اقرأ عليها وخليه يشربها"، وفعلاً كنا نتبارك بهذه الأمور الطيبة المباركة، وأنا أحكي عن جزء من الحياة الاجتماعية للحجاز وبالذات في مكة المكرمة وهذا الجانب أعيد التذكير به وإن كان لا يزال حاضراً في أذهان كثير من الناس. كان والدي يحرص على النزول إلى صلاة الفجر وكان يصطحبني معه منذ سن مبكرة -ربما الخامسة أو السادسة- فكان يفرش سجادة الصوف ويكممها ويضع رأسي عليها وهو يطوف بالبيت سبع سبعين تلاتة أسباع ولمن لا يعرف معنى السبع، السبع هو الطواف سبعة أشواط بالبيت الحرام.. وبعدما ينتهي من ذلك يقول لي: "قم وانزل البئر واغسل وجهك"، فكنا ننزل البئر نغسل الوجه ونتوضأ وفي الوقت نفسه نشرب من الدلو المملوء بماء زمزم في تلك الغرفة التي كانت في الأسفل.
عندما ذهبت إلى مصر ودخلت مدرسة (منيل) الروضة كتلميذ داخلي كان مديرها وصاحبها يدعى ولي الدين أسعد، وكان يسود في ذلك الوقت شعور عارم بالعروبة نتيجة أحداث 1956م (وكنت قد جئت مصر في عام 1957 أو 58 ميلادي)، وكانت التنشئة القومية في المدارس تحض كلها على مناهضة الاستعمار وتدعو إلى الوحدة العربية، إضافة إلى أناشيد دع سلاحي وسواها.. كان كل هذا الجو الحماسي الوجداني يؤثر في التكوين وفي النشأة الاجتماعية لأي فرد خصوصاً في تلك السن المبكرة كان الواحد منا يتشرب بعض هذه القيم التي كانت تسود المجتمع العربي. في عام 81هـ أو 61 ميلادية حصل النزاع في اليمن وأدى إلى القطيعة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر، وانتهى الحال بأن عدت من مصر في ذلك الوقت والتحقت بالمدرسة السعودية الابتدائية التي تقع بجوار مدرسة الفلاح في مدينة جدة، وكان مديرها في ذلك الوقت الأب الدكتور يوسف نعمة الله الذي كان مستشاراً اقتصادياً، وهذا الأب كان صديقاً للوالد رحمة الله عليه. بعد ذلك دخلت كما تفضل أخي محمد مدرسة التجارة المتوسطة للغرض الذي أشار إليه والذي أفخر به والحمدلله، وتوجهت للعمل بعدما تخرجت من التجارة لكني في ذلك الوقت كنت دون السن التي يُسمح لك بأن (تقسم) فيها على الحفيظة أو التابعية كما كانت تسمى في السابق، والتي تؤهلك للعمل، غير أنني اجتزت اختباراً في الخطوط السعودية لوظيفة ناسخ آلة عربي-إنجليزي بحكم أنني خريج دبلوم تجارة متوسطة وأجيد هذا العمل، وكان أستاذنا في تلك الفترة الذي يدرسنا الآلة الكاتبة العربي والإفرنجي هو الأستاذ عبد الرحمن المنيعي، وهو من الأعلام الرياضيين ومشهور وأيضاً معروف لرواد "ثلوثية" محمد سعيد طيب. إذاً بعدما تخرجت لاحت لي فرصة وظيفية في الخطوط السعودية لأنهم كانوا يقبلون من هم تحت السن ولا يعتدّون بشرط التابعية، فنجحت في اختبار الآلة العربي - الإنجليزي وعندما علمت أن الدوام على فترتين فترة في الصباح وأخرى في العصر هربت منهم لأنني كنت أحب كرة القدم وأعشقها للغاية، إلى حد أن أحد زملائي في معهد الخدمة الاجتماعية كان يقول: "لو يموت إحسان طيب حتحصلوا تحت رأسه كرة". طبعاً كان متعذراً في ذلك الوقت عندما تخرجت أن تجد عملاً مناسباً وكنا -نحن خريجي- التجارة المتوسطة حائرين في أمرنا، إلى أن أخبرني أحد زملائي في التجارة بأن هناك معهداً في الرياض يقبل خريجي الخدمة الاجتماعية فلا تدع الفرصة تفوتك، والعجيب في الأمر أن طالب التجارة المتوسطة كان يدرس أربع سنوات ويدرس ضمن السنوات هذه Elementary Business Training أي طرق التجارة باللغة الإنجليزية ومع ذلك ما كان ليقبل في الثانوية العامة ليواصل دراسته، الأمر الذي دفع بأحد زملائنا واسمه محمد الشنقيطي إلى أن يعيد الثانوية ففعلها ونجح وكان الأول على المملكة وهو من خريجي التجارة في تلك الفترة. كنت متردداً بادئ الأمر، لكنه قال لي إن أمامي اليوم فقط لكي أقرر لأن غداً سوف يكون آخر يوم لقبول الطلبات. فذهبت تواً إلى الجعفرية وركبت أحد الباصات المسافرة إلى الرياض وفي الصباح قصدت ابن عمي عبد المجيد طيب الذي كان يعمل في وزارة التجارة في الرياض وذهبت وقدمت أوراقي في المعهد والحمد لله تم قبولي، وقد كانت مواد المعهد محدودة وهي ثماني مواد فقط لكنها كانت مواد مركزة وشديدة تعتمد في الدرجة الأولى على التدريب الميداني الذي كان مهماً جداً بالنسبة للمعهد. التحقنا بالسنة الأولى، وفي السنة الثانية التي تعادل الثاني ثانوي كان هناك تدريب ميداني، فتدربت بادئ الأمر في مركز الخدمة الاجتماعية بمنفوحة بلد الأعشى وكان رسام الكاريكاتير الشهير علي الخرجي عليه رحمة الله الذي كان يمثل قيمة كبيرة في الفكر السياسي والفكر التنويري وفي جميع هذه المجالات، هو مدير هذا المركز، وحظيت بفرصة أن أكون من بين الذين تدربوا في هذا المركز من خريجي الكلية. وكان الأخصائي الاجتماعي في هذا المركز الأستاذ عبدالله عزت وكان من المميزين والمبدعين في هذا المجال. من حظنا في هذا المعهد أن من كانوا يدرسون فيه "عتاولة"، وأذكر بعضاً منهم الآن على قدر ما تسعفني به الذاكرة: الأستاذ فهمي بدر واضع أسس نظام الضمان الاجتماعي في معظم دول العالم العربي كان يدرسنا مادة اسمها "الضمان الاجتماعي"؛ صالح الشبكشي كانوا يسمونه أبا خدمة الفرد في العالم العربي وخريج مدارس ومعاهد الخدمة الاجتماعية بأمريكا؛ حامد الأفندي عميد كلية التربية الرياضية بحلوان كان يعمل على إعطائنا مادة اسمها الهوايات، ويعلمك كيف تجري الدوري ونصف الدوري والمسابقات الرياضية وخلافه بحيث يطلع الأخصائي الاجتماعي خريج هذا المعهد انساناً متمكناً وقديراً... ولقد كان من حظي أن أتدرب في السنة الثالثة في المعهد في سجن الملز، حيث كان هناك الرائد حسين قصاص وهو من أهالي المدينة المنورة، وكان هذا الرجل رجلاً مبدعاً وأول من أدخل المهن في السجون، إلى حد أنه كان هناك سمكرة وبوهية وسواها من مهن اقتطع لها أقساماً من السجن، وفي ذلك الوقت في الثمانينيات الهجرية أو الستينيات الميلادية كان هذا الكلام يعني ضرباً من المحال وكان سجن الرياض تقريباً قبل القاعدة الجوية الحالية بقليل وما بعده كان خلاء.. فمن حظنا إذاً أننا تعلمنا على أيدي هؤلاء الرجال، طبعاً في تلك الفترة كنت أدرس ووصلت إلى الصف الثالث الثانوي وفي شهر ذي القعدة أو شهر شوال بالضبط وصلني خبر أن والدي وهو كان ينام على السطوح قد استدعاه بعض إخواني يقول له ابتدأ برنامج الشيخ علي الطنطاوي فنزل الدرج مسرعاً فسقط عنه وانكسر حوضه في هذه السن، وكان لي أخ اسمه سليمان طيب رحمة الله عليه كان مدير مستشفى في جدة وكان طبيباً باطنياً، كان أخي سليمان غائباً في ألمانيا منذ خمس سنوات عندما أرسل والدي يقول له: "يا سليمان إذا لم تأت هذه السنة فلن تراني"، وكانت المراسلات كلها بالكتب والكتاب لا يأتي جوابه إلاّ في الشهر التالي محملاً بالأشواق والتمنيات وسلام الأهل جميعهم والكتابة نصف المشاهدة.. إذاً مرض والدي واضطررت لأن أترك المعهد وأغادر الرياض وأجلس بجانبه وأنا وأشقائي، وعندما جئت مع الوالدة من الرياض طبعاً بباصات إذ لم تكن هناك إمكانية للذهاب بالطائرة بالنظر إلى المال الذي معنا.. المهم سألت عن الوالد فقالت لي إنه في المستشفى. لقد رأيته والله العلي العظيم في منامي وهو يسقط، وأخبرت حينها زميلي حسن الأحمدي شريكي في الغرفة وإخواني حسن عاشور والموجودين هنا بما رأيت وقلت لهم "إن أبي مريض"، ورغم أنهم لم يقولوا لي لا هم ولا أمي فإنني أيقظت أمي وكنت عندها في البيت وأخبرتها بما شاهدته في منامي، فقالت لي هو في المستشفى فعلاً. إذاً ذهبت إليه وبقيت بجانبه إلى أن جاء أخي سليمان من ألمانيا وقصد الحج وحج، في ذلك الوقت تحديداً وافت المنية والدي يوم الأربعاء غرة محرم عام ألف وثلاثمئة وتسعة وثمانين هجرية. طبعاً أنا كنت قد تغيبت عن المعهد لأكثر من ستة أو سبعة أسابيع فتراكمت الإنذارات وكنت عرضة للفصل لولا أن تدخل رجل فاضل في ذلك الوقت اسمه الأستاذ علي غندورة كان وكيل المعهد وكان قبل ذلك مديراً لمكتب وزير المواصلات رحمة الله عليه ورجا مدير المعهد حينذاك الدكتور أحمد الجنوبي الذي كان خريج أمريكا ومشبعاً بروح العمل الاجتماعي وبروح الخدمة الاجتماعية، فقدر الوضع الذي كنت عليه وأعفاني من طلب الاستمرار، وفي الوقت نفسه أكملت السنة وتخرجت في تلك السنة عام ألف وثلاثمئة وتسعين وكان ترتيبي في ذلك الوقت السابع على الدفعة البالغ عددها اثنين وأربعين طالباً. بعد وفاة والدي كنا -كما تفضل محمد- ستة أشقاء الجيل الثالث لوالدي، ووالدتي كانت سيدة عظيمة وكانت لا تدعو على أبنائها، وحتى بعد أن تزوجنا وأنجبنا كانت تقول لكل واحد من لكل زوجة من زوجات الأبناء (أصحي تدعي على ابنك ترى ينتحس) ولما يصير تمرد من الولد تقوله له الله يهديك. هذا الكلام للبروفيسور صالح العائد الذي كان قد صدّر كتاباً عن والدته فأعطاني الكتاب بينما كنا في ورشة عمل للتخطيط الاستراتيجي في أبحر في "درة العروس" فقرأته ودمعت عيناي لأنني تذكرت والدتي في ذلك الوقت وهو يصف والدته وبعض مواقفها مع إخوانه وأفراد عائلته قائلاً: هل لدى أحد والدة مثل والدتي؟ فقلت له نعم عندنا والدة مثل والدتك وأكثر.. وحكيت له بعض المواقف فقال لي: "يا إحسان والله حقيقة أنني وجدت فعلاً من هو مثل والدتي وأكثر من خلال الكلام الذي عرضته أمامي"، والكلمة قالها بالضبط عندما أخبرته بشمائل الوالدة وفضائلها فقال لي بعدها: "معك حق بأن تفخر بأمك، والله ما وجدت من يماثل أمي في الحكمة، وبعد النظر إلا أمك، وأعتقد أن أمك أكثر".. هذه بالضبط كلماته ورأيه.
إذاً تخرجت عام تسعين والوالد ميت والوالدة لديها ستة أبناء ونحن كلنا موجودون، وكما تكلمت وقلت إن أخي مروان كان آخرنا وحاصل على الدكتوراه في هذا المجال، تم تعييني في مكتب العمل عام ألف وثلاثمئة وتسعين بالقرار رقم 204 في 2/11/90م، ولا أنسى هذا القرار وكانت البدايات الأولى لي كرجل أمرد بلا شنب مع مجموعة من "العتاولة" في مكتب العمل الفرعي في جدة، وكان مكتب العمل مكتبين: مكتب رئيسي في شارع المطار ومكتب فرعي في البلد في باب شريف وتحتنا مقهى يطلب منه الموظفون أربعة أباريق من الشاي من ذوات الأربعة أكواب أو من ذوات العشرة ويتم إرسالها إلى الموجودين من الموظفين في هذا المكتب، وأول ما جيت.. دوري وأخذ مساعد أخصائي كان كل واحد من الموظفين عنده شغلات أنا جاي لهم من مكة المكرمة أركب واجي في بيجو مع سبعة من الأفراد كلنا ولمن أجي في هذا الوقت يقوم إيش بعضنا يفرك من هنا وعارفين هذا جالس، جالس ينتظرونني أروح، وأتاحت لي هذه الفرصة بأن أجول على المكتب كله فتعلمت خلال هذه الدورة، وشاء الحظ أن أكون من بين آخر أربعة تم تعيينهم من دفعتنا البالغ عددها اثنين وأربعين نفراً، كان منهم حمد البراد وإبراهيم الجابر يرحمه الله وسعد العريفي من أهالي بادية الشعراء بالدوادمي الذي أصبح مديراً لمكتب العمل بالخُبر. ثم كانت دورة تفتيش في مكتب العمل واختاروا عدداً من محققي القضايا العمالية ليصبحوا مفتشين وأقسموا القسم وبالتالي شغرت الأماكن لديهم، فرشحني المستشار القانوني في مكتب العمل واسمه حسين عوض محمود لأتولى مهام القضايا وأعطاني نظام العمل وأشّر لي على المواد الأساسية والمهمة لمحقق القضايا العمالية في الفصل التعسفي وحساب مكافأة نهاية الخدمة المادتين 74 و75 والمواد الأخرى المتعلقة بجميع الجوانب وتمرست في هذا العمل وأصبحت محقق قضايا عمالية رغم أن وظيفتي مساعد أخصائي توظيف، وجاءت الفرصة لكي أعود إلى مكة المكرمة وكنا نذهب ونعود بثمانين ريالاً نعطيها لسائق البيجو الذي يقوم بهذه المهمة، وكان الأخ ناصر الجلوي رحمه الله موظفاً يعمل في الرئاسة العامة لتعليم البنات في جدة وكان في الوقت نفسه يسكن في المعابدة وكلنا كنا نسكن في المعابدة فيأخذنا معه، وكان يرحمه الله الداعية الذي أصبح أخيراً مسفر القتامي صاحب أوقد النار يا شَبّابها، هذه طبعاً كانت تشكل معاناة لنا في الذهاب والإياب وخصم الراتب الذي لم يكن ليتعدّى سبعمئة وثمانية عشر ريالاً، يذهب منها ثمانون ريالاً لسائق البيجو.. يعني لم يكن الأمر عملياً. ثم انتقلت إلى دار الرعاية بمكة المكرمة بديلاً عن زميل لي بصفة أخصائي اجتماعي في الدار، وأول ما قابلت الأستاذ علي السليمان الحمدان رحمة الله عليه، الذي كان مدير الشؤون الاجتماعية في المنطقة فقال لي: "سوف تذهب إلى دار الرعاية" ولم أكن أعرف ما سينتظرني في دار الرعاية التي هرب منها زميلي في ذلك الوقت بسبب مشكلة كبيرة قد حدثت فيها وجاءت لجان تحقيقية.. ثلاثة شهور وأنا فرحان أحسب والله أن زميلي قد ترك لي مكانه خدمةً لأنه انتقل إلى جدة فإذا به كان هارباً من هذه الوظيفة وجئت أنا كأخصائي اجتماعي وشاء لي الله أن أشارك أخي هذا الجالس أمامكم حسن عاشور طاولة طويلة تبلغ مساحتها ثلاثة أمتار كنا نجلس على كرسي ونلعب لعباً، وبدأنا مرحلة جديدة في العمل مع المسنين وكان المسنون موجودين في هذه الدار لا يخرجون منها فنظمنا رحلات إلى الحرم ووادي فاطمة وسواها وزرنا الشيخ سراج الكعكي كانت الدور في تلك الأيام ما فيها إلا (ونيتات قرنبع) وحالتها يرثى لها ولم تكن توجد إمكانيات. أنا أغبط الناس الموجودين اليوم ولديهم الإمكانيات الكبيرة ومع ذلك فإن عطاءهم أقل مما يتوفر لهم من إمكانيات، فكنا نسعى في خلال تلك الفترة إلى أن نأخذ من عندهم باصات للنزلاء ونأخذهم رحلة، ومن ضمن الرحلات التي قمنا بها رحلة للمدينة المنورة. ومن الأمور التي لا أنساها أنه في دار الرعاية الاجتماعية الذي ينقسم إلى قسم للسيدات المسنّات في الأعلى وقسم الرجال في الأسفل، قد أتوا لنا ذات مرة (بجمّال) قصير كان "يهوجن" طوال الليل فأقلق المراقبين وأقلق الموجودين وإياه إضافة إلى امرأة كانت تقلقهم أيضاً، فاقترحت على مدير الدار آنذاك الأستاذ محروس أن نزوجهما من بعضهما وكانت لدينا أماكن شاغرة فزوجناهما، وبعدما حصل ذلك أصبح عمك (عليّان) يحكي كل أخبار بطولاته لسنية (هي كان اسمها سنية) كيف قاتل الذئب وأخبار من هذا القبيل، وانشغل عن المراقبين وهدأ، وكانت هذه البدايات الأولى للتفكير في كيفية تدبير الأمور وإبعاد الفراغ عن المسنين. في تلك الفترة نظم الدكتور حسن خفاجي -وقد كان أستاذاً في كلية التربية فرع جامعة الملك عبد العزيز في أم القرى في مكة المكرمة (قبل أن تسمى أم القرى) وكان عميد الكلية في ذلك الوقت الدكتور عبد العزيز محيي الدين خوجه– إذاً نظّم زيارة لعدد من المتدربين إلى دار الرعاية وجلسوا معنا وصرنا ننقل لهم خبراتنا في العمل الاجتماعي أنا وزميلي الأخ حسن عاشور، بعد ذلك تم الإعلان عن وظائف للمسابقة وكلفوني بإدارة افتتاح أول مكتب لمكافحة التسول، وكان الملك فيصل في ذلك الوقت متشدداً للغاية في مسألة منع التسول حيث كان يتم توقيع المحاضر بحق أي متهاون لدرجة أن الكل كان يخاف، وقد كان مندوب الجوازات موجوداً في دار الرعاية ودار الرعاية هي كانت هي المكان حيث تُجرى المحَاضِر بحقهم ومن ثم الترحيل، وأذكر أن هناك رجلاً منهم داخل الدار كان اسمه حسن الميمان، كان يبدو ظريفاً ساعة يضع قطرة في عينيه ويضع أشياء أخرى المهم أنه كان ينجز عمله.. في تلك الفترة أُعلن عن مسابقة لمديري الدور ونجحت في المسابقة وذهبت إلى مدير إدارة التوجيه بالطائف بتاريخ 29/12/1393هـ، في هذا التوقيت ومع بداية العام الهجري استحققت العلاوة الإضافية في حين أن بعض زملائي الذين تباطؤوا في المباشرة حُرموا من العلاوة الإضافية؛ لأنهم دخلوا في العام التالي. إذاً عندما ابتدأت في دار التوجيه -وهي منشأة لرعاية الأحداث المعرضين للانحراف عبارة عن مدرسة داخلية يقتاد إليها كل من يشرد من المدرسة، وموجود فيها اخصائيون اجتماعيون ومجموعة من الموظفين- بدأنا نعدّ برامج للأولاد الموجودين الذين كانوا على درجة من الشقاوة بحيث أن واحداً منهم عمره عشر سنوات اسمه المطيري عبد الرحمن المطيري (ما زلت أذكر اسمه) لم ندركه إلا في اليمن، فأتوا لنا به من اليمن بواسطة إحدى الحافلات. وقد كان المراقبون مخلصين للغاية وكانوا أصحاب واجب ومهنة وظيفية، إلى حد أن رجلاً كمنيع الجعيد رحمة الله عليه حياً كان أو ميتاً كان يسيطر على معسكر فيه مئتين وأربعين طالباً بعصا لا تتجاوز ثلاثين سنتيمتراً، لأنه كان أباً ويجب أن تسجل له ولأمثاله المخلصين هذه الأعمال.. كذلك أعرف في دار التربية للبنين مراقباً من المراقبين يدعى محمود حلبي كان يقوم في الليل ويمر على الطلاب ممن يعرف أنهم يعانون من التبول اللاإرادي يوقظهم من الفراش ويصحبهم إلى الحمام ليقضوا حاجتهم ويرجعهم ثانية، ثم يلاحظ من منهم مريض وحرارته مرتفعة فينهض به بأوتوبيس ستين راكباً من العزيزية ويقوده إلى مستشفى الزاهد حيث يطلب من الطبيب هناك إعطاءه العلاج المطلوب. هذه نماذج من الناس كانوا موجودين وكنا نفخر بهم. في عام أربعة وتسعين تم تكليفي وأنا في دار التوجيه برئاسة معسكرين: معسكر في أبها أيام كان الأمير خالد الفيصل فيها حيث قمنا بإعداد عدد من البرامج وكانت الإمكانيات هزيلة يعني كل ميزانية المعسكر كانت لا تتجاوز واحداً وعشرين ألف ريال، فحدث أن انقطع عنا متعهد الإعاشة وبالتالي أصبحت في ورطة، فذهبت إلى مدير الشرطة في ذلك الوقت وكان في ما بين خميس مشيط وأبها محل تستطيع الاتصال منه بالتلفون فاتصلت بمحمد المالك وقلت له إن الإعاشة انقطعت عنا وطلبت إرسال المال.. مثل هذه المسائل كانت تواجهنا باستمرار في هذا العمل. بعد ذلك عينوا مكاننا وأتوا لي بأربعة وعشرين شخصاً دربتهم في المعسكر بأبها والمعسكر الثاني كان في الطائف اختاروا أربعة وعشرين شخصاً أيضاً من خريجي جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد، وكان الأمير فهد بن سلطان وكيل وزارة الرعاية الاجتماعية يسعى إلى إيجاد عناصر مؤهلة جامعياً لمسك فروع الرعاية الاجتماعية، وكان نصيبي مكافأة لاجتهادي أنهم أقالوني من ذاك المنصب ولكن بطيب خاطر مني وألحقوني بدورة في معهد الإدارة مدتها ستة شهور طويلة. في تلك الأثناء وأنا في الدورة علمتُ أنهم وضعوا مكاني شخصاً اسمه علي الطويلعي وهو نعم الأخ... وفي الوقت نفسه لم أيأس وأحسست أنه من الضروري أنه أحصل على الشهادة الجامعية فسعيت مع جامعة الملك عبد العزيز وكان فيها الدكتور عبد الله الخريجي في قسم الاجتماع والدكتور سعود الزبيدي ومعهم مجموعة واستطعت أن أقنعهم بأن طالب الخدمة الاجتماعية يستطيع أن يكون أكثر إلماماً بهذا العمل، فوافقوا وفتحنا باب الانتساب وكان مدير الانتساب في ذلك الوقت الدكتور محمد علي قطان الذي أصبح في وقت لاحق وكيلاً لأمانة جدة ونجحنا بفضل الله وكانت معي مجموعة وبدأت أحض زملائي الموجودين معي على الالتحاق بالجامعة ونال معظمنا البكالوريوس من الجامعة ثم تابعت دراستي حتى نلت الماجستير في عام ألف وأربعمئة وتسعة برسالة عن "أثر خطط التنمية الاجتماعية على التغير الاجتماعي في قريتي الجموم وهدا الشام". وعندما جاءت الوزارة رُفّعت إلى المرتبة العاشرة ومن ثم استحدثت إدارة للتفتيش بوكالة الوزارة لشؤون الرعاية الاجتماعية وعملت تحت إشراف مباشر مع الأمير فهد بن سلطان، وبعد فترة من الزمن وبالنظر إلى المتأخرات المترتبة على وكالة الوزارة للرعاية الاجتماعية ووجود عدد من المعاملات المعادة من ديوان المراقبة العامة والمتراكمة منذ ثماني سنوات حيث كانوا يعتمدون على أن الأمير هو وكيل للوزارة، والصناديق الخاصة بالمعاملات المعادة من ديوان المراقبة العامة وعندما خرج الأمير فهد بن سلطان من هنا وبدأ يتحرك محمد علي الفائز، أتى وزير العمل والشؤون الاجتماعية آنذاك الأستاذ محمد الفائز بنا أنا ومجموعة من زملائي عبد الله عامودي وعلي الناصر وعبد الرحمن الناصر وأعاد توزيع المهام علينا وأوكلني الإدارة المالية والإدارة الهندسية، فقلت له في ذلك الوقت إنني لا أفهم في الإدارة ولا سيما الإدارة المالية، فقال: "إن هذه وزارتكم وهذه وكالتكم وأنتم أبناؤها ويجب أن تنجزوا هذه المهمة"، فاستطعت في خلال هذه الفترة أولاً أن أستحدث إدارة أسميتها إدارة الرد على الديوان، ورحّلنا كل المعاملات التي كانت تملأ الصناديق إلى المستودع لأنها كانت تمثّل هماً أمام كل من كُلّفوا العمل في هذا الملف، وكنا نأخذ الصناديق ثلاثة ثلاثة وبذلك استطعنا في سنة واحدة أن نسدد جميع ملاحظات ديوان المراقبة من خلال وضع خطة مالية وأن نكلف المدققين بأن يأخذوا المعاملة ويراجعوا الجهة التي أتت منها الملاحظة فلا يعود إلا وقد سددها، وكنا نكلف مديري الفروع أن يستقبلوا في المطار مندوب الإدارة المالية ويصطحبوه من المطار ويهتموا به لجهة المأكل والمنامة وكنا نصرف له أيضاً الانتداب الخاص به فأعطى هذا نوعاً من الدافعية بالنسبة للعمل. طبعاً أعدنا ترتيب الإدارة المالية، وفي الوقت نفسه كانت هناك مجموعة من إخواننا المتعاقدين ممسكين بالإدارة المالية وكانوا يقولون إنهم لا يعرفون ما هو الحساب الختامي، إلاّ عبد الروؤف أبو خطوة وهو رجل محاسب كبير وقدير مصري الجنسية فبدأت وإياه العمل وأتيت أيضاً بسعيد الغامدي الذي يشغل الآن منصب مساعد مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة، إضافة إلى أحمد القحطاني وعلي العامري ومجموعة من الشباب من خريجي المحاسبة وسلمناهم الأدوار واستطاعوا الإكمال بمهامهم.. المهم أننا انتهينا من جميع الملاحظات. طبعاً لقد تسلمت الإدارة المالية في فترة الميزانية الاثني عشرية بمعنى أنه لم تكن هناك ميزانية بل مخصصات شهرية، وقد استطاع في ذلك الوقت الوزير محمد علي الفايز أن يدافع فيما كانت الجهات الحكومية الأخرى تأتيها التوجيهات بخصم ثلاثين في المئة أو إبراز المنظور عدم صرفه وتجنيبه؛ ففي ذلك الوقت كان محمد علي الفايز يذهب إلى الملك ويقول له: "أبناؤك أصبحوا يقتسمون التفاحة"، وفي ظل العجز والشح المالي جاء دعم لوكالة الرعاية الاجتماعية بقيمة مئة وأربعة وتسعين مليون ريال، الأمر الذي أثار استغراب الممثلين الماليين الذين كانوا في الوزارة وتعاقبوا عليها. طبعاً اشتغلت كمدير عام للرعاية والتوجيه بالإضافة إلى هذا العمل وكنت أداوم في ثلاثة مواقع بالوزارة كمدير عام للرعاية والتوجيه، وكنت أشرف على القطاع الأكبر من البرامج والخدمات الخاصة بالرعاية ووصلت المرتبة الثالثة عشرة وكنت أتردد إلى والدتي كل شهر، فقلت للأستاذ محمد علي الفايز: "لقد تعبت وفي الوقت نفسه والدتي قد كبرت في السن وعليّ أن أعود إلى هناك"، وكانت وظيفة مدير المكتب الرئيسي في المرتبة الحادية عشرة، وآخر من كان يشغلها أخونا يرحمه الله جعفر ...، فنقلني بمرتبتي الثالثة عشرة إلى المنطقة هنا وأصبحت المنطقة الغربية (مكة المكرمة والمدينة وتبوك) من ضمن صلاحياتي، وكانت هذه كلها تتبع لمدير عام الشؤون الاجتماعية في المنطقة أيضاً.. يعني المسيرة طويلة جداً. لدي الكثير من المواقف مع بعض الأمراء الموجودين في المنطقة ماجد وعبد المجيد رحمة الله على الاثنين ومسائل كثيرة لعل أبرز الجوانب التي تمثلت هنا أننا استطعنا أن نبني مقر الشؤون الاجتماعية ومقر مركز التأهيل الشامل الحالي، وكذلك الحصول على عدد من الأراضي حيث كان لأخينا الفاضل يحيى الحارثي الدور الأكبر في توفير عدد من الأراضي بالتنسيق مع أمانة جدة، واستطعنا أن نوجد للشؤون الاجتماعية حوالي أكثر من مئة موقع تقريباً في منطقة مكة المكرمة واستلمنا محلاتها، حتى أن البعض منهم كان يقول لي إن هذه الأرض بعيدة أو ما شابه، وكنت أقول لا بأس نأخذها، وكان من ضمن ذلك أن منحونا أرضاً لدار الملاحظة تبعد هنا في جنوب جدة مائتين في مائتين متر وكنت أقول: لا بأس أفضل من الاختناق الذي نعيش فيه. وعندما أصبحت في المنطقة هنا كانوا يقولون لي: أنت مسؤول عن كل القطاعات فلا تقل لي محمد علي الفايز ولا تقل لي والله حريم ورجال.. وهنا أضرب مثالاً: كنت أذهب لزيارة بعض الفروع النسائية فاتصل على مديرة الإشراف وأقول لها أريدك أن تمري بي (بالجمس)، فتمر بي (بالجمس) راكبة في المقعد الأوسط وأنا أركب معها لكي أقول لها مثلاً إننا الآن سوف نزور دار الحضانة.. لم يكن هناك جوال للاتصال قبل أن نصل فكنا نزور الدار ونعاين ما فيها مباشرة، وبهذه الطريقة كوّنت علاقة طيبة مع السيدات الفضليات اللواتي تولين مهام الإشراف، سواء كانت السيدة دعد باعشن أم السيدة نورة آل الشيخ وكلهن سيدات فضليات ساعدنني على أداء المهمة وتحقيق كثير من الإنجازات، حتى أنني اتصلت ذات مرة بمديرة دار التربية للبنات في جدة فقالت لي إن لديها سبعاً وثلاثين طالبة مضربات لا يذهبن للدراسة وهذا هو اليوم الرابع، فوصلت من دون ضجة وأول ما لفت انتباهي بنت كانت تبدو "شمحيطة" ما شاء الله وتحمل عكازاً وتلوّح به حتى على المدرسات، فاختطفت منها العكاز وبدأت أضربها في أماكن لا تسبب لها أذى أو كسور، وكنت أصيح بهن: "كلكن إلى الأوتوبيس.. إلى الأوتوبيس.. اصعدن الأوتوبيس"، أما تلك الفتاة فبعد هزيمتها بدأت تصيح قائلة: "أنا أعرف كيف أشكوك.. سوف أشكوك للأمير"، المهم وصل الخبر إلى كل الموجودين في المنطقة وإلى الأخصائيات الاجتماعيات، حتى أن بعضهن قلن: إن هذا الإنسان شرس لا نودّ التعامل معه.. ورغم أنني والله ما كنت كذلك لكن هذا الموقف حتّم علي أن أكون هكذا في هذا المجال. ولي موقف أيضاً مع الأمير ماجد عندما كان يطلب مني أن أتجوّل على المحافظات وأعطيه تقارير، فكنت أكتب تقارير على الورق وأعطيه تقارير شفهية، حيث إن الناحية الأمنية لا تسمح بنشر أوراق أو أي شيء قد يعرضك للخطر لاسيما من تجار ومروّجي المخدرات أو سواهم.. هكذا استطعت خلال وجودي في الشؤون الاجتماعية أن أكوّن علاقات طيبة مع كثير من الجمعيات واللجان ومراكز التنمية الأهلية وأن أرفع عددها، إذ كان عدد الجمعيات الخيرية في المنطقة لا يتجاوز ستاً وأربعين جمعية، وأوجدنا من ثم الجمعيات المتخصصة كجمعية زمزم مثلاً، وكان نمط التفكير السائد في الوزارة أن الجمعية لا تحتاج إلا إلى إعاشة أو مأكل ومشرب فقط وعند هذا ينتهي دورها، فبدأنا في مسألة التنمية المستدامة في وقت مبكر وشجعنا إنشاء الجمعيات وفي الوقت نفسه كان لبعض الرجال الأفاضل الدور الكبير في أن يكون لإحسان طيب قيمة ومكانة، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: صالح التركي، سليمان موصلي، هاني ساب، السيد أمين عطاس وكل إخواني الموجودين في الجمعيات الخيرية، وقد كانت أمي تقول لي أحياناً: "يا واد أنت إيش عرّفك"، فأقول لها: "والله يا أمي إن ما مر عليّ في الشؤون الاجتماعية ما مر على أحد من بيت الطيب (وأنا قد تشيبت منذ سن الثلاثين)، وأحلى ما في الأمر أننا نعرف أحسن الناس ونعرف أسوأ الناس"؛ نعرف أسوأ الناس في العنف الأسري، ونعرف أحسن الناس من أمثال الطيبين الخيرين محمد سراج عطار وعبد العزيز حنفي المبتسم أمامي هنا ومجموعة من الأفاضل والرجال المحترمين عموماً.
انتقلت إلى هيئة الإغاثة وبدأت أتعاون معهم ومعي أخي الدكتور عدنان باشا والتحقت في 27/10، في 7/12 صدر قرار بتكليفي كأمين عام لهيئة الإغاثة وبدأت مشواري مع هيئة الإغاثة، وأستميحكم العذر بأن تتحملوني عشر دقائق إذ هناك بعض اللقطات التي تكمل مسيرتي في هيئة الإغاثة وقد اختصرت جزءاً كبيراً منها لضيق الوقت.. سوف أترككم تعيشون بعض اللحظات مع بعض الجهود التي بذلتها هيئة الإغاثة برجالها المخلصين وخصوصاً أن هذه الهيئة فيها أناس لو حركتهم يستطيعون أن يزرعوا الأمل ويزرعوا الثقة، وعلى رأس الموجودين فيها المشرف الباسم أخونا محمد خضر عريف الذي يشرف على مجلتي "ينابيع الخير" ويشرف على "الإغاثة" ويشرف على الأعمال الخاصة بالإعلام، وأوجه تحية أيضاً لكل زملائي الحاضرين من أعضاء هيئة العاملين في هيئة الإغاثة، أخونا الأستاذ عاطف المراجع المالي وإخواني في كل الإدارات "وطلعت أزارع" ولا أريد أن أحصر في أسماء وأخونا الباشمهندس معاني ناصر وكل الإخوان الذين أتاحوا لي أن أتحرك بحرية وأعمل لمد يد المساعدة، والإنسان صغير بنفسه كبير بإخوانه وأترككم تعيشوا بعض اللحظات مع بعض مناشطنا في الهيئة وأخونا الدكتور نوح مختار نوح رفيق الرحلة في السودان، والدكتور عبد الله حبحب وجميع الموجودين من أفراد وعاملين في هيئة الإغاثة الذين نتطلع إن شاء الله في قابل الأيام لأن يكون لهم دور أكبر في العمل الاجتماعي الدولي خصوصاً وأن هيئة الإغاثة هيئة عالمية مقرّها المملكة العربية السعودية وهي عضو في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وجميع المنظمات العالمية، وأيضاً الأمين العام لهيئة الإغاثة شريك في الأمانة العامة في منظمة التعاون الإسلامي.. أترككم تعيشون بعض جوانب العمل في حياتي الوظيفية وبعض الجوانب الخاصة.. [هنا يتم عرض لشرائح مصوّرة].
هذا بعض من جهود مناشط الهيئة؛ توزيع البطانيات والسلال الغذائية على المهجرين السوريين النازحين في كلٍّ من الأردن وتركيا ولبنان، وقد استطعنا في خلال هذه الفترة أيضاً أن نأخذ عدداً من أبناء النازحين الذين كانوا يدرسون في سوريا وندخلهم المدارس اللبنانية في الفترة المسائية التي استأجرناها لهذه الغاية ودفعنا رواتب لمدرّسين سوريين يدرسونهم المنهج السوري بحيث لا ينقطع هؤلاء الأبناء عن الدراسة، وعدد المستفيدين من هذه الحالات في الأردن وتركيا ولبنان 7800 حالة. كما استطعنا أن نكفل 89 يتيماً، وفي الآونة الأخيرة وصلتنا أعداد لـ400 يتيم يتولى عدداً منها بعض من المحسنين.. ولعل أبرز ما يميز هذه الأعمال أن الأمم المتحدة قد نشرت ضمن تقاريرها الأخيرة التي عُرضت قبل أسبوع على الإخبارية تقريراً عن جهود هيئة الإغاثة السعودية وأنها الهيئة الوحيدة التي ظلت تقدم الدعم والمعونة، وفي الوقت نفسه عندما اجتمعنا بالقيادات اللبنانية قلنا لهم نحن هيئة إنسانية لا تهتم إلا بالإنسان ولا نفرق بين دين أو لون أو جنس أو عرق، كل ما يهمنا هو المتضرر ونحن نسعى إلى مساعدته بصرف النظر عن الانتماءات السياسية لكل منهم، وهنا أشير إلى أن وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني وائل أبو فاعور طلب عقد اجتماع مشترك في مكتبه وقد ذهبنا نحن كل قيادات الهيئة والمسؤولين ووقفنا على الاحتياجات وحددناها، إلى حد أن وائل أبو فاعور وزير الشؤون الاجتماعية قال لنا: "بيّضتم وجهنا يا هيئة الإغاثة وسددتم الثغرة الموجودة عندنا كلبنانيين تجاه إخواننا السوريين". هؤلاء الذين ترونهم بعض الطلاب الذين يدرسون في المدارس الخاصة باللاجئين السوريين، حتى في الأردن استطعنا أن نستأجر بعض الشقق وأسكنّا فيها بعض المهجّرين بمعدل أسرتين في كل شقة، وبالتالي استطعنا أن نقضي على كثير من أمراض البرد التي كانت تصيب صدور الأطفال منهم وقلصنا عدد الحالات التي تتردد على المستشفيات لهذا السبب، وهكذا غيّرنا طبيعة الاستراتيجية التي نواجه بها مشكلة النازحين السوريين في كل من الأردن وتركيا ولبنان. في المؤتمر دعونا المنظمات الخيرية في الكويت فحضرت وطلب القائمون عليها تعهدات من منظمة التعاون الإسلامي فتعهدنا في ذاك المؤتمر بثلاثين مليون دولار وتعهدت أيضاً بعض المنظمات والهيئات من ضمنها نحن بتكاليف تصل إلى ثلاثمئة مليون دولار، كما شجعت المنظمات الأهلية حكومة الكويت - كون مستشار الديوان الأميري هو رئيس إحدى الجمعيات الخيرية - وبالتالي عندما جاء الإخوان ووزعوا علينا الاستمارات المتعلقة بالتعهدات والكشف كان الجميع متردداً فأخذت الكشف ووقعت وقلت إننا مستعدون لدفع ثلاثين مليون دولار شريطة أن يتم بحث الحالات من قبل العاملين في الهيئة وأن تحدد وتوزع بمعرفتنا، أي ألا تتدخل فيها الأمم متحدة فتأخذ شيئاً من نصيب ولا تأخذ شيئاً من جزء من تكاليف التشغيل وبالتالي فنحن نطمئن المانح والداعم أن أمواله سوف تصل إن شاء الله إلى المستحق من خلال التوثيق الذي نقوم به. ونحن شاركنا في مؤتمر رؤساء الدول المانحة المتعهدة الذي دعا إليه أمير الكويت، وهنا -كما تشاهدون- لقاء مع أمير الكويت والمستشار في الديوان الأميري الكويتي هيأ لنا حضور اللقاء الثاني الذي كان على مستوى رؤساء الدول التي تعهدت بالمشاركة. كان هناك أيضاً لقاء في مؤتمر القمة بصفة عضو مراقب تمثلت فيه جميع المنظمات العالمية من أمم متحدة ودول عربية، فحضرنا المؤتمر الخاص برؤساء الدول وهذه بعض اللقطات، هذه اللقطة في السودان وهذا السفير السعودي في السودان.. هذه في كرن بالقرب من الحدود الأريترية.. ولو حكينا تفاصيل عن هذه الرحلة فإن فيها ما هو مضحك وفيها ما هو محزن، إلى حد أن عدداً كبيراً منهم قد أصيب بالملاريا وآخرين لدغتهم الثعابين، حتى البندول يعتبرونه شيئاً عظيماً. هذا المؤتمر العالمي للفتوى وقد شاركنا في أول يوم وانطلقنا بعد ذلك للخدمات. هذا الرجل الفاضل الذي ترونه يرعى 160 معهداً في إندونيسيا ويصرف عليها، وهذه بعض المعاهد الموجودة على مساحات واسعة من الأراضي، وهذه فيما نحن ندشن أحد المشاريع عندهم.. هذا الرجل يؤمن أماكن لاستضافة الذين يأتون من مختلف الأقاليم لزيارة أبنائهم الذين يدرسون عنده في المعاهد ويوفر لهم المأكل والمشرب والإقامة والجلوس مع أبنائهم في فترة الإجازات ويصرف عليهم من ماله، وكان عندما تتأخر عليه بعض الإعانات يبيع من الأراضي الزراعية التي يملكها ليصرف منها عليهم، وأمام هذه النماذج المشرّفة فإن الواحد منا لا يملك إلا أن يرفعها على رأسه ويقبل رأسها. هذه بعض مشروعات الهيئة: مسجد "الحور العين" بجدة هنا، وقد اُفتتح أخيراً، وفي نفس الوقت كانوا في الهيئة يتحرجون عن الإفصاح مخافة أن يقال والله عندنا مشروعات أو عندنا أموال فيحجم الناس عن الدفع، فقلت لهم لا، بل نفرد أوراقنا كلها أمام الجمهور ونقول هذه إمكانياتنا ولدينا إمكانيات جيدة في الهيئة لكن التطلعات والآمال أكبر من حجم الإمكانيات المتاحة لنا فساعدونا، وبدأنا نوقع على الملأ، وهذه بعض البرامج الخاصة بالمشاريع الوقفية. أحدث مشروع وقفي وقعناه على مجمّع يغطي 40% من تكلفة مشروعات البرامج الصحية للهيئة وهذا بالتالي يساعد الهيئة على الوقوف على قاعدة متينة، بحيث لو توقف دعم المانحين تستمر الهيئة في أنشطتها وبرامجها من خلال التمويل الذاتي الخاص بها.
هذه رحلة العمل التي بدأت في الشؤون الاجتماعية وستواصل مع هيئة الإغاثة الإسلامية، وأسأل الله التوفيق وفي الوقت نفسه أشكركم جميعاً على الإنصات وعلى الحضور وعلى التشجيع وعلى الدعم وعلى رأس الجميع الوالد والشيخ عبد المقصود خوجه الذي أتاح لنا هذه الفرصة الذهبية؛ لنطلع الناس على جزء من المناشط وإزالة الصورة السلبية من أذهان البعض عن الهيئة..
شكراً لكم مرة أخرى وشكراً مرة أخرى لعائلتي التي صبرت علي في هذا المشوار وعلى رأسهم زوجتي وأبنائي وبناتي الأعزاء فجزاهم الله عني خيراً، وهنا أذكر كلام أمي عند ذهابي إلى هذه المشاغل إذ كانت تقول: "أدعو الله أن يؤجرنا بعملك هذا"، وأنا في كل عمل أقوم به أقول: "أدعو الله أن يجعل لوالدي أوفر النصيب من الحظ منه إن شاء الله"، وشكراً لكم مرة أخرى على هذه الفرصة الطيبة.
عريف الحفل: شكراً لسعادة الأستاذ إحسان صالح طيب على هذه الوقفات الحياتية الموفقة إن شاء الله وهذه الذكريات الجميلة، نسأل الله له طول العمر في عمل الخير وخدمة الإنسانية. أيها الإخوة والأخوات الآن كما تحدثنا في بداية الأمسية سوف يكون هناك مجال للأسئلة مع أن وقت الأمسية المخصص للأمسية قد انتهى تقريباً ولكن بعد إذنكم نأخذ بعض الأسئلة من قسم الرجال ومن قسم السيدات، ولنبدأه من قسم السيدات بالترحيب بالضيف ومن ثُمّ السؤال الأول من قسم السيدات. تفضلي الزميلة نازك الإمام.
شكراً أخ محسن. بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أصحاب المعالي أصحاب الفضيلة أصحاب السعادة الإخوة الحضور الأخوات الكريمات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نرحب بضيف "الاثنينية" لهذه الأمسية سعادة الأستاذ إحسان بن صالح طيب أمين عام هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية فمرحباً بسعادته ومرحباً بحضور وحاضرات أمسية ضيفنا الكريم. بداية أرجو من سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه مؤسس "الاثنينية" أن يسمح لي باختصار كلمة لسعادة الأستاذة نورة بنت عبد العزيز آل الشيخ المستشارة الاجتماعية ومدير عام الإشراف الاجتماعي بمنطقة مكة المكرمة سابقاً لإلقائها نيابة عنها وهذا سيكون بمثابة السؤال الأول لنا، أتسمح لنا الشيخ عبد المقصود؟ هي كلمة صغيرة اختصرتها.. نعم.
((كلمة سعادة الأستاذة نورة آل الشيخ))
بداية تقول الأستاذة نورة آل الشيخ: لعل من أصعب الأمور أن أتحدث عن رجل بقامة إحسان طيب لأنه زميل فوق الكلمات، عرفته بداية التحاقي بالعمل كباحثة اجتماعية وكنت أسمع عن مدى تعامله مع الفتيات التعامل الذي يجمع بين الحزم والرأفة والضبط والصداقة، وقد سمعت عن أنشطته الكثيرة وكنت حديثة العهد بالعمل الاجتماعي فأعجبتني فكرة المعسكر وعندما تقلدت الأمانة مثلما تقلدها وجدت نفسي لاشعورياً أقتبس شيئاً من أفكاره وأنشطته للأطفال المعاقين؛ فاقتبست فكرة المعسكرات الصيفية للأطفال المعاقين ودمجت معهم الأطفال الأيتام..
الشيخ عبد المقصود خوجه: يا أستاذة نازك.. شكراً لك وللسيدة نورة آل الشيخ التي ستكون على كرسي التكريم في القريب العاجل.. لدينا أسئلة كثيرة فعلى الأقل تتركين لنا فرصة لطرح هذه الأسئلة، لأن أخانا إحسان ما شاء الله أخذنا معه في رحلات طويلة فلم يبقَ معنا كثير من الوقت، فإذا كان هناك سؤال للسيدة نورة فاطرحيه لو سمحتِ..
نازك: طبعاً نعتذر إلى الأستاذة نورة، ونحن حتى اختصرنا كلمة الترحيب بالأستاذ في الحقيقة لكي نقول الكلمة هذه..
الشيخ : يكفي هذا..
 
 
طباعة
 القراءات :298  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 72 من 163
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج