شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((الحوار مع المحتفى به))
نازك الإمام: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أصحاب المعالي، أصحاب الفضيلة، أصحاب السعادة، الإخوة الحضور، الأخوات الحضور السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هو صاحب مقالات كثيرة في الفكر والأدب والعلم، حمل حقائب التربية والتعليم كوزير قطري في بلاده سنوات طويلة وتجول بعلمه كوزير ومسؤول في دول خليجية وعربية عدة، وهذا ما ميّزه عن غيره في هذا الجانب؛ فهو ينتمي إلى الجيل الثاني من القطريين الذين تلقوا تعليماً حديثاً والذين تميزوا بحب الاستقلالية والاعتماد على الذات، وهو مع ذلك لم ينسَ حبّه وشغفه للنقد والثقافة والأدب والتي أعطاها اهتماماً كبيراً وصلت إلى حد حصوله على الشهادة العليا في النقد الأدبي الحديث من القاهرة، وقد اتسعت شهرته في هذا الجانب على المستويين المحلي والعربي حتى أصبح صاحب اللقب في النقد الأدبي في الخليج العربي ووصلت شهرة أعماله حد المزاوجة بين الفكر الإسلامي والقومي وعرض إشكاليات المثقف العربي ومعاركه من خلال رؤيته الأدبية التي جاءت بعنوان "إشكالية الثقافة العربية بين الأصالة والمعاصرة"، كما أنه اكتشف من خلال دراسته التي قدمها في كتابه الأثير "النقد الأدبي الحديث في الخليج" سعة النقد الأدبي في منطقة الخليج العربي. إنه سعادة الدكتور محمد عبد الرحيم كافود وزير التربية والتعليم السابق بدولة قطر الشقيقة والناقد والأكاديمي المعروف وصاحب مقولة "إن المرأة متفوقة على الرجل في رواية القصة القصيرة"، فمرحباً وسهلاً بضيفنا الكريم والترحاب موصول لضيوف وضيفات ((الاثنينية)) لهذه الليلة.
اسمحوا لنا بطرح الأسئلة التي نبدؤها مع الأستاذة الإعلامية منى مراد فلتتفضل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لقد أشرت خلال مؤتمر (جواسا) الذي عقده نادي الإحساء الأدبي العام الماضي في نسخته الثالثة إلى دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى ضرورة تجاوز مرحلة التعاون للوصول إلى الاتحاد. بعد حديثك عن أهمية دعم العراق ثقافياً وبناء جسور التواصل والتفاعل الثقافي والفكري بين أبناء مجلس التعاون لدول الخليج العربي، سؤالي: هل تعاني مرحلة التعاون في نظرك نقصاً في مقومات الوحدة الثقافية؟ وهل عوامل الوحدة في حاجة إلى رؤية وإرادة ثقافية واعية تدفع بها إلى فضاء الواقع؟ شكراً.
د. محمد عبد الرحيم كافود: شكراً على هذه الأسئلة وهذه المداخلة أختي العزيزة. بالنسبة للموضوع الذي تم طرحه فإنني قد أشرت تقريباً في هذه الكلمة البسيطة التي قدمتها إلى أهمية وجود ثقافة جماهيرية أو شعبية -سميها ما شئت- وإلى أهمية الدعوة للاتحاد. صحيح أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله قد دعا إلى هذا وقد أشرت إلى ذلك في كلمتي التي ألقيتها في نادي (جواسا) في الإحساء في العام الماضي عندما دعوني وشرفوني أيضاً بإلقاء الكلمة والتكريم، لكني في الحقيقة لا زلت أشعر -وأكرر هذا الكلام- أن هناك نوعاً من التراخي وعدم الاهتمام على المستوى الشعبي، على المستوى الجماهيري، على مستوى المثقفين بالذات في الدرجة الأولى.. كلنا مقصرون في ما يتصل بموضوع قضية التواصل بين أبناء المنطقة وقضية التفاعل الفكري والثقافي والتقارب.. إن أي وحدة تحتاج إلى مجموعة من القيم المشتركة، لكننا نعيش كلنا بمعزل عن بعضنا البعض إذ كلٌّ منا يعيش في جزيرة معزولاً عن الآخر وفي حاجة إلى قدر كبير أو قاسم مشترك يجمعنا. الكل يتكلم نظرياً في الأمر لكن الثقافة ليست قيماً نظرية فحسب إنما هي توجه سلوكيات الإنسان وتفاعله والتآزر والتفاعل والتعاون والمصداقية في كل ما يقوم به من أعمال تدل على رغبته فعلاً في هذا التوحد وفي إنكار الذات والاتحاد. إن الوحدة في حاجة إلى قدر من التضحيات.. أذكر لكم على سبيل المثال أنني كنت في دعوة لزيارة ألمانيا الغربية بعد سقوط جدار برلين بعدة شهور وإعلان الوحدة بين الألمان، فسكنت أنا وعائلتي مع عائلة ألمانية استأجرت منها المنزل، كان الرجل كبيراً في السن وعسكرياً متقاعداً، فكنا نجلس في بعض الأحيان معه ومع زوجته في الحديقة ونتكلم في بعض الموضوعات ومنها الوحدة وانضمام دولة فقيرة هي ألمانية الشرقية إلى ألمانيا الغربية، فكان جوابهما حول هذه النقطة تحديداً "أننا يجب أن نضحي وندفع الضرائب لكي ننقذ هؤلاء ونستعيدهم ونتفاعل معهم ليصبحوا جزءاً منا في التكوين وفي التقارب في المعيشة، إلى آخره".. هذا ما قالته امرأة كبيرة ورجل كبير في السن متقاعدان، وهذا ما نريده أن يكون موجوداً بيننا. ذات مرة كنت في جلسة مع شباب مثقفين من أبناء مجلس التعاون، وهنا أخجل أن أقول إن بعضهم كان يقول لدى تطرقنا إلى مسألة الفوارق المادية إن هذه الدول الفقيرة تريد أن نصرف عليها وتريد كذا وتريد كذا.. لا بالعكس، إنك عندما تصرف عليهم اليوم فإنك تتدارك أشياء كثيرة؛ أعني إذا كان جارك جائعاً أو فقيراً وأنت غني لكنك لا تستطيع أن تعيش بأمان فهو يعتبر قوة لك في المستقبل.. يجب أن ننظر إلى الأمر وفق هذا المنظور، فإن كان هناك تفاوت بسيط فإن قيماً كثيرة تجمعنا، لذا لا بد من أن نفعّل هذه القيم كقضايا الأصول والدين واللغة والتاريخ.. كلها قضايا وقيم لا بد من أن يعيشها الناشئة فتتكوّن لديهم مجموعة من القيم المشتركة التي يعونها بحيث يكون هناك حافز ودافع إلى هذه الوحدة، والوحدة لا تتم بالطريقة التي حصلت سابقاً بين بعض دول العالم العربي حيث فشلت بعد إقامتها بفترة قصيرة بسبب التباين في وجهات النظر، لذلك يجب أن يوجد وعي بقيمة الوحدة وبقيمة الاتحاد وشكراً للأخت.
عريف الحفل: السؤال الآن لسعادة المهندس عبد الغني حاووط.
سعادة الدكتور محمد عبد الرحيم هناك شكوى عن بُعد الشباب عن الكتاب، وإذا ما بحثنا نلاحظ أن بعض الكتّاب يطرح موضوعاً تكفيه صفحات فإذا به يخرج بكتاب مليء بالاستطرادات من تعريف للمعرَّف وتفصيل للمفصَّل، في حين أن الإنترنت سحب البساط من تحت الكتاب في توفير المعلومات بشكل سريع وإن كان يختلف عن الكتاب لجهة أنه لا يسمح للكاتب بالكتابة أكثر من مئة وأربعين حرفاً لتطرح الفكرة باختصار شديد، فأصبح الشباب مشتتين بين هذا الاختصار المخِلّ وذاك التطويل الممِل.
الشيخ عبد المقصود خوجه: أستاذ حاووط رجاء لأن هناك عندي أسئلة كثيرة، أدخل رأساً إذا تفضلت في السؤال.
عبد الغني حاووط: فهل من سبيل ليعود الكتاب جاذباً للشباب؟
د. محمد عبد الرحيم كافود: شكراً. ما ذكرته صحيح في الحقيقة، وانصراف القراء العرب على قلتهم وضآلتهم إلى المعلومات من خلال الإنترنت وغيره أشبّهه بسندوتش الوجبات السريعة، فأنا أرجع أحياناً إلى بعض هذه المعلومات من الإنترنت ومن غيره لكن مشكلتها أن الكثير منها غير مدقق وغير ثابت أو غير صحيح وغير دقيق من الناحية العلمية أو من الناحية التاريخية لذا يجب الانتباه والحرص. إن الكتاب العربي في حاجة فعلاً إلى تطوير وإلى أن يكون خالياً من الحشو الزائد وأيضاً من المدح والثناء و.. و.. إلى آخره، هو في حاجة إلى الدقة وهذا يجرني إلى موضوع آخر: عندما تشتغل في قضية تحكيم الأبحاث أو الدراسات العلمية –وأنا قبل أيام كنت أعمل في هذا المجال– فإنك تجد كتاباً من ثلاثة أجزاء أو ثلاثة مجلدات وبمجرد أن تقرأ صفحاته الأولى تضعه جانباً، في حين أنك قد تهتم بكتيب صغير من عدة صفحات يحمل فكراً جديداً وإضافة جديدة. إن هذه المشكلة تحتاج إلى وعي أيضاً، خصوصاً الوعي الثقافي، إذ ما يهم هو أن توصل الفكرة في النهاية إلى الثقافة: ثقافة المجتمع وثقافة المؤلف وثقافة الكاتب وغيرها.. نحن في حاجة إلى إعادة النظر بالكثير من ممارساتنا سواء في الكتابة أو في أي عمل إبداعي أو فكري لكل منا لكي نتماشى مع العصر ومتطلباته، إذ لا تستطيع أن تأتي بالطالب وتفرض عليه كتاباً من أربعمئة صفحة مثلاً. حينما درست في الجامعة بمصر أذكر أن الكتاب المقرر حينذاك كان يضم من ستمئة إلى سبعمئة صفحة، لكنك عندما تفتح هذا الكتاب تجد أنك لا تحتاج إلى أكثر من عشرين إلى ثلاثين صفحة ربما والتي تشكل زبدة المادة ولست في حاجة إلى هذا التطويل، لذلك كان يقال لنا قبيل الامتحانات الفصل الفلاني محذوف وذاك الفصل محذوف، وهذا الأمر لا يزال يحدث في بعض الجامعات مع الأسف بحيث أنك تصفى على الربع من الكتاب في النهاية، وشكراً.
الشيخ عبد المقصود خوجه: أستاذنا لا أعرف المجموع لكني أود أن أطرح الليلة طريقة قد تكون مفيدة على ما أعتقد. أنا أتصور وأعتقد شخصياً أنه قد يكون مفيداً -بما أن ضيفنا ليس ضيفاً عادياً- لو جمعنا مجموعة من الأسئلة ووضعناها أمام معاليه لتكون الإجابة شاملة، لأن الإجابات التي يحملها معالي الأخ إجابات تحتاج في الحقيقة إلى توسع وإذا سرنا في هذا الطريق فلن نعطي المجال للجميع لأن الوقت لا يسمح لنا إلا بأسئلة قليلة بينما ما أقوله يعطينا الفرصة لطرح مجمل ما بأذهاننا، فما رأيكم؟
عبد الله منّاع: أمر يعطي هذه ((الاثنينية)) حيوية غير عادية، لكن جمع الأسئلة في مجموعات من عشرة أو اثني عشر سؤالاً أو خمسة عشر سؤالاً وتوجيهها للضيف حتى يجيب عليها مجتمعة توفيراً للوقت، أعتقد أنه إن كان يحقق ذلك إلا أنه يميت هذه الجلسة ويجعلها جلسة من جهة تصدر وجهة تستقبل.. نريد في هذه ((الاثنينية)) أن تكون جلسة لحوار الضيف يتحدث عن تجربته والحاضرون يسألونه عنها، لذا نريد فقط من الحاضرين أن يختصروا في الأسئلة وأن تكون على النقاط مباشرة ربما كان هذا أفضل من أن نجمعها في أسئلة مجتمعة حتى يجيب عليها مجتمعة توفيراً للوقت، وشكراً.
الشيخ عبد المقصود: لكم ما أردتم، فأنا رجل أقتعد مقعدي بينكم ودعونا فيما بعد -في أمسية أخرى أو في ظروف أخرى- نجري حواراً حول هذا الموضوع ونفعل حينئذٍ ما هو أصلح.. دعونا الآن نبقى كما كنا وتفضلوا بالأسئلة.
عريف الحفل: أود أن أذكّر فقط بضرورة الاختصار في طرح الأسئلة وذكر اسم السائل والمهنة، كما أن الذي يصلنا هنا على المنصة ليس السؤال وإنما اسم السائل أو السائلة فقط والسؤال متروك للسائل حينما يعطى الفرصة لأنه هو من يطرح سؤاله بنفسه. المايكروفون في قسم السيدات الزميلة نازك السؤال عندكم.
نازك الإمام: سعادة الدكتورة مريم عبد الله سرور الصبان أستاذة الإدارة التربوية والتخطيط في جامعة أم القرى سابقاً لديها كلمة صغيرة فاسمحوا لنا بذلك.
الشيخ عبد المقصود خوجه: لي رجاء، نحن لا نحتاج إلى الكلمات بقدر ما نحتاج إلى سؤال مباشر ومختصر.
الدكتورة مريم الصبان: بسم الله الرحمن الرحيم، شكراً جزيلاً يا معالي الوزير الحقيقة أنك وضعت يديك على جرح عميق عميق جداً وهو هوية هذا الإنسان وقيمه وثقافته. لقد ذكرت أن المؤسسات التي تنشر الثقافة وتجمع في ما بيننا قد تعطلت أو توقفت، فكيف لنا أن نقوم بهذا العمل الكبير لأبنائنا خصوصاً أنهم الآن يتغربون في المدارس العالمية من نعومة أظفارهم ولا يحملون هذه القيم والثقافة، وكما أعتقد فإن التعليم هو الأساس نبدأ به أولاً وبالمجتمع ثانياً لأننا نفقد الكثير الكثير، وشكراً.
د. محمد عبد الرحيم كافود: شكراً على هذا السؤال. في الحقيقة إن الثقافة والهوية هما الأساس، فالثقافة هي الوعاء الذي يجسد هذه الهوية. بالنسبة للمؤسسات فدورها كما ذكرت لك مهم جداً ونحن في حاجة إليه، أما مسألة المدارس الأجنبية التي انتشرت في المنطقة فلها إيجابياتها ولها سلبياتها والسؤال كيف نتدارك هذه السلبيات. قبل شهور قليلة عُقدت ندوات متعاقبة وبالأمس كنت أشاهد عبر قناة (العربية) مؤتمراً حول اللغة العربية والهوية في دبي أقامته مؤسسة الفكر العربي، ووجدت أن كل دول المنطقة تعمل الآن على هذه القضية خصوصاً أنهم شعروا بخطورة وضع اللغة العربية في المنطقة، فأصبح هناك بعض الدول مثل قطر التي اتخذت إجراء يقضي بإعادة تدريس اللغة العربية وتدريس التخصصات كلها في جامعة قطر باللغة العربية، اللهم إلا بعض المصطلحات الخاصة، وهذا قرار صدر وبدأت قطر تطبقه، إضافة إلى أن قطر قد بدأت تدريس المناهج الاجتماعية والدين والثقافة الإسلامية والعربية بشكل إلزامي في جميع المدارس الخاصة. علينا أن نتنبه حتى لا نصل إلى مرحلة يكون هناك فيها شرخ كبير في جدار الثقافة المحلية أو الثقافة العربية في داخل المجتمع، بحيث يتخرج الطالب بهوية تختلف وتتعاكس مع قيم مجتمعه.. حتى الآن عندنا بعض الطلاب وبعض الأبناء الأطفال لا ينطقون باللغة العربية ولا يستطيعون أن يكتبوا سطراً واحداً بالعربية لماذا؟ لأن تعليمه من الروضة فصاعداً كله باللغة الأجنبية وهذا يشكل خطورة أكبر مما تحدثنا عنه على الوحدة الثقافية، لذلك أعتقد أن هناك الآن وعياً وعودة إلى تقييم هذا الجانب وهذا شيء يقدَّر للأجهزة والمؤسسات والدول والأنظمة في إعادة النظر في هذا الموضوع.
عريف الحفل: معالي الدكتور في الحقيقة لدينا الكثير من الأسئلة ووقت ((الاثنينية)) قد حُدِّد حتى الحادية عشرة فقط. نرجو من السائلين والسائلات وأيضاً حتى في الإجابات الاختصار قدر الإمكان.
الشيخ عبد المقصود خوجه: سوف نستأذنكم الليلة في تمديد الوقت لكي نترك لضيفنا الإجابة على أكثر الأسئلة الموجودة لدينا.
عريف الحفل: هذا كرم منكم يا أبا محمد سعيد.
السؤال مع خضر أسعد من القنصلية العامة اللبنانية.
في الحقيقة لقد أجاب معالي الوزير على السؤال بطريقة غير مباشرة، فما هي في نظر معاليكم الوسائل الكفيلة للحفاظ على لغتنا العربية لغة القرآن الكريم وشكراً.
د. محمد عبد الرحيم كافود: طبعاً كما ذكرت الآن هناك نظر في الأمر، أيضاً الأسر تتحمل جزءاً من المسؤولية إذا ما أرادت إدخال أبنائها إلى المدارس الخاصة وبالذات المدارس الأجنبية التي فتحت أبوابها في المنطقة، لذا فهي بحاجة أيضاً إذا كانت حريصة على تعليم أبنائها أن توجد لهم وسائل أخرى لتعليمهم اللغة العربية والتاريخ العربي والإسلامي وغيرها من هذه الأمور التي تتصل بالهوية، وإلا فإن الطفل عندما ينشأ ويصل إلى المرحلة الثانوية فإنك لا تستطيع أن تغير في الكثير من القيم التي اكتسبها من خلال هذه المسيرة لأنه يكون حينئذٍ قد دخل مرحلة صعبة ومنعطفاً خطيراً إذا لم نتجاوزهما في المراحل الأولى يصعب بعد ذلك أن نغيّر الكثير من المفاهيم والقيم التي يحملها من الثقافات الأخرى. مثلما قلت لكم لست ضد الثقافة الأخرى لكني أيضاً أريد أن أستفيد منها بالقدر الإيجابي بحيث لا تؤثر على الهوية. لي بحث أيضاً نشرته في الدوحة منذ وقت قريب اسمه "اللغة العربية والهوية"، فاللغة العربية هي الأساس وهي الوعاء الذي يحمل للإنسان هويته، فإذا فرطنا بها فمعنى ذلك أن لا هوية تفرق بينك وبين أي شخص آخر من جنس آخر.
نازك الإمام: السؤال من الدكتورة لمياء أحمد شافعي أستاذة التاريخ الإسلامي بجامعة أم القرى فلتتفضل.
سعادة شيخنا وأستاذنا الفاضل عبد المقصود خوجه نهنئ أنفسنا بعودتك إلى اثنينيتك أدام الله لك الصحة والعافية. معالي الدكتور بصفتنا مؤرخين ونحن نجتمع في لقاءات سنوية في الجمعية التاريخية السعودية وجمعية التاريخ والآثار لدول مجلس التعاون الخليجي ولنا لقاؤنا القادم في مدينة الدوحة بدولة قطر إن شاء الله في جمعية اتحاد المؤرخين العرب، ماذا تشير علينا معاليك بخبرة المثقف وكوزير للتربية والتعليم لكي نستطيع تفعيل هذه الجمعية و هذه اللقاءات السنوية مع جزيل الشكر مسبقاً.
د. محمد عبد الرحيم كافود: شكراً. هذا أمر يُشكر لبعض الجمعيات التي كنا نفتقدها.. هناك الآن جمعية الصحفيين على مستوى دول مجلس التعاون، وهناك جمعية المسرح والجمعيات التاريخية أيضاً التي حضرت بعض لقاءاتها. في الحقيقة لقد كنت أتكلم قبل هذه الجلسة مع شيخنا عبد المقصود حول أن التاريخ العربي تاريخ سياسي كل ما يرويه أن سقطت دولة وقامت دولة وتقلد مقاليد الحكم الحاكم الفلاني وما شابه، إن تاريخ الإنسان غائب في تاريخنا منذ العصر الأموي لغاية اليوم، فكل تاريخنا يقف عند الرؤوس الكبيرة أو في قيام الدول وسقوطها والحكام.. إلى آخره، لكن هناك قضايا في التاريخ لا أريد أن أتكلم فيها لكني أريد أن أسأل: أنتم المتخصصون في التاريخ هل ترون أن قضية الإنسان والتجارب الإنسانية والتغيرات الاجتماعية لا تدخل في إطار التاريخ كما ذكر ابن خلدون وإنما تقف عند جوانب التاريخ السياسي، حتى في مدارسنا يُلاحظ أن المناهج التاريخية هي في الغالب إما تاريخ سياسي أو تاريخ يؤرخ للأوضاع السياسية أكثر من اهتمامه بالجانب الإنساني أو بالجانب الاجتماعي للمجتمعات، علماً بأن التغيرات التي تحدث فيها والتفاعلات التي تدور في المجتمع هي أساس محور هذه التغيرات لكن هذا يغيب عن واضعي المناهج، فلا بد للتاريخ أن يتعمق في هذه الجوانب كما أرى وهذا محض اجتهاد مني وأنتم أهل التاريخ أخبر مني وأكثر دراية ومعرفة بهذا الأمر وشكراً.
عريف الحفل: سؤال مع سعادة سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية المندوب الدائم لدى منظمة المؤتمر الإسلامي السيد حميد رضا دهقاني.
مع شكري البالغ للدكتور عبد المقصود خوجه كما شكري البالغ للدكتور محمد عبد الرحيم كافود، وبما أن العربية ليست لغتي أعتذر منكم سلفاً وأطرح سؤالي: بما أنني من إيران من بلاد فارس من بلاد سيبويه الذي ضمّن اللغة العربية في كتابه "قواعد اللغة العربية" أفضل كتاب في النحو، وبما أنني من مدينة البيضاء في شيراز، وبما أنني مسلم الحمد لله أريد أن أطرح سؤالاً على الدكتور: بما أننا نعرف هناك اللغات المقدسة في العالم مثل اللغة العربية والله تبارك وتعالى يقول في قرآنه الكريم انا أنزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (يوسف: 2) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْض الْأَعْجَمِينَ . فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (الشعراء: 198-199) وفي آيات أخرى الله تبارك وتعالى تكلم مع نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام بهذه اللغة وهناك لغات مقدسة أخرى مثل اللغة العبرية عندما الله تبارك وتعالى.
الشيخ عبد المقصود خوجه: يا سعادة السفير أرجو أن تحدد سؤالك لأن "الاثنينية" ليست مجالاً للأخذ والعطاء في هذه المقدسات مع شكرنا الجزيل.
السيد حميد رضا دهقاني: حتماً إن شاء الله.. وبما أن الله تبارك وتعالى تكلم مع النبي موسى عليه السلام في التوراة وفي الإنجيل بلغات مقدسة مثل الآرامية أنا أطرح سؤالي: هل هناك خوف من أن نرى يوماً لغة قرآننا لغتنا العربية لغة ديننا تصبح لغة مقدسة، بمعنى أننا نجدها في كتبنا المقدسة؟ لماذا نحن متأخرون عن دول أوروبا وأمريكا والدول الصناعية ولماذا نحن متأخرون في هذه اللغات؟ هل هناك إمكانية لأن تصبح العربية لغة قديمة ومقدسة؟ وشكراً.
الشيخ خوجه: يا سعادة السفير أنا آسف، أنا لا أستطيع أن أجعل لهذا السؤال إجابة في المقدسات، نحن لدينا ثوابت في ((الاثنينية)) لن نحيد عنها، ولإعطاء المصداقية لما يدور في ((الاثنينية)) طرحنا سؤالك وبكل سرور على أن يكون سؤالاً لا بحثاً في أمور كهذه. ليست ((الاثنينية)) الساحة الصالحة لبحث مثل هذه الأمور ويستفيد منها الجمهور الفاضل الذي نتشرف بحضوره كسائلين.
دهقاني: كي لا يكون هناك سوء فهم السؤال هو هذا: هل هناك خوف من أن تصبح اللغة العربية مثل اللغة الفارسية ولغات أخرى...
الشيخ خوجه: يا سعادة السفير أنا لست في مجلس مقارنات ومقدسات، أنا هنا أتكلم في العلوم وبما هو متعارف عليها، أما أن أدخل في مقدسات فهذه مواضيع أكبر بكثير من هذا المجلس فأرجو أن نجعل أنفسنا في الإطار الذي وضعناه للاثنينية منذ أكثر من واحد وثلاثين سنة ونعطي الكلمة لكل من يودّ لكن ضمن السياسة المتبعة في ((الاثنينية)): لا سياسة لا دين لا مذاهب لا صراعات لا عنصرية.
دهقاني: أنا أشكر الدكتور خوجه وأحترم قواعد هذه ((الاثنينية)) لكني بعد انتهاء الجلسة سوف أوضح لكم أنني كنت ضمن هذا الإطار وشكراً.
الشيخ خوجه: هذا يخصك شخصياً ولكن لا يخص ((الاثنينية)) مع احترامي الكبير لسعادتك.
عريف الحفل: إذاً ننقل السؤال إلى قسم السيدات.
نازك الإمام: سؤال من الأستاذة زهرة خميس الباحثة في حقوق المرأة وعلوم الفلك فلتتفضل.
لقد أشار الضيف الكريم إلى سبب فقدان الهوية الثقافية العربية حتى الإسلامية، هل يعتقد أن الشح هو سبب بقائنا في المؤخرة؟ شكراً.
عريف الحفل: سبقت الإجابة عن هذا السؤال. السؤال من الدكتور عزت خطاب.
شكراً جزيلاً، الواقع أن جزءاً كبيراً من السؤال قد أجيب عليه، لكني أود أن أقول إن القضية التي تشغلني كما تشغل الدكتور هي قضية اللغة العربية. أسألك يا سعادة الضيف الكريم: متى ستأخذ اللغة العربية مكانها اللائق والضروري لها في تدريس العلوم الطب والهندسة والكمبيوتر وكل هذا في بلادنا العربية؟ في الواقع نحن مقصرون جداً في حقها، في حين أنني لا أجد أي دولة في العالم كله تدرس هذه العلوم وغيرها إلا بلغتها القومية، فيما عدا العالم العربي، وشكراً.
د. محمد عبد الرحيم كافود: شكراً على السؤال. الحقيقة أنا قبل شهور قليلة فقط أصبحت عضواً مراسلاً في مجمع اللغة العربية في القاهرة، وقد طُلب مني حالياً كتابة بحث عن تعريب العلوم للتعليم في الجامعات وإن شاء الله سوف أبدأ في إعداده في الأيام القادمة. هناك محاولات جرت لتعريب العلوم ولا بد أن أذكر في هذا المجال سوريا التي كانت من الدول المتقدمة في هذا المضمار وأيضاً السودان على رغم ما لديه من مشاكل، لكن مشكلتنا الآن ليست قضية التعريب لكن الاختلاف في المصطلحات، فهذه مشكلة يعاني منها العالم العربي، إذ إن ما تفرزه مجامع اللغة العربية في كلٍّ من مصر ودمشق والرباط والعراق شديد الاختلاف أحياناً، ولسوف تجد أن المصطلح متنوع والدلالة واحدة لكن أيضاً المفاهيم هنا مختلفة لذلك نحن بحاجة إلى أن يتم الأمر تحت رعاية جامعة الدول العربية، وإلى أن ننظر إلى قضية تعريب العلوم وفق معايير واحدة وتعميمها بدل التلهي في الترجمة من التعريب المغربي إلى المصري إلى السوري إلى غيره.. تماماً مثلما نحتاج إلى التعريب من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية لأن لكل مصطلح دلالته والدلالة مرتبطة بثقافة المجتمع. إذاً لماذا لا يكون هناك أيضاً توحيد لتعريب هذه المصطلحات وتعريب العلوم والمعارف. لقد سبق وقلت في إحدى اللقاءات عندما كان الدكتور شوقي ضيف رحمه الله يزورنا بناء على دعوة من جامعة قطر إن مجامع اللغة العربية تعرّب المصطلحات وتضعها في الرفوف ولا تنتبه إليها الجامعات ولا تضع لها أي حساب. إن التعريب يجب أن يكون ملزماً بقانون من الدولة؛ فعندما تصرف على هذه الكتب والترجمة والتعريب وبعد ذلك تركنها في الجمعية.. أنا آسف هناك بعض الأمور التي تحتاج إلى مزيد من الإيضاح، فالجمعية الثقافية في فرنسا مثلاً أصدرت قانوناً يقضي بالالتزام بالمصطلحات الأجنبية باللغة الفرنسية وتدريسها وبإلزام الجامعات بهذا الأمر، في حين لا يوجد لدينا شيء من هذا، شكراً.
عريف الحفل: سؤال من قسم السيدات.
نازك الإمام: سؤال من الأستاذة ريم الخلف من وزارة التربية والتعليم قسم مكتبات ومعلومات فلتتفضل.
السلام عليكم ورحمة الله، نرحب بالضيف الكريم. في ظل الصراعات الفكرية والثقافية التي ذكرتها، أين ترى مستقبل التعليم في المنطقة وخصوصاً في المملكة العربية السعودية لأن الرؤية المستقبلية غير واضحة، وشكراً.
د. محمد عبد الرحيم كافود: والله كما يقولون أهل مكة المكرمة أدرى بشعابها.. إن كل دولة الآن في دول الخليج تجتهد بنفسها في قضية المناهج والتغيير والتطوير، وهناك اجتهادات من قبل مكتب التربية العربي ربما نصل إلى الأفضل من خلالها فليكن هناك نوع من التنافس، لكن أيضاً هناك مناهج معينة يجب أن تكون مشتركة نظراً لوجود الرابط الثقافي في التاريخ وغيره من الأمور التي ذكرناها قبل قليل.. لكن كل دولة تجتهد في تطوير العلوم البحتة كالرياضيات والكيمياء والفيزياء وغيرها من المواد وجعلها في الحاسوب وشكراً.
عريف الحفل: السؤال مع الصحفي مشعل الحارثي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، معالي الضيف الكريم على الرغم مما صرحتم به إلى بعض الصحف القطرية من أن التطور العمراني والاقتصادي قد سبق التطور الأدبي والثقافي في قطر، فإننا نشهد اليوم حراكاً ثقافياً فاعلاً تمثل في العديد من المناشط منها تأسيس بيت الشعر للشباب وتدشين بيت الحكمة وإطلاق معجم الدوحة للغة العربية والترجمة. فمن منطلق حديثكم في بداية هذه ((الاثنينية)) وزيادة في المعرفة والتواصل، هل بالإمكان أن تلقوا بعض الضوء على هذا الحراك، وشكراً.
د. محمد عبد الرحيم كافود: الموضوع يحتاج إلى محاضرة وأنا تحت ضغط الوقت حقيقة إن التقدم المادي أسرع من التقدم الفكري والثقافي في كل المجتمعات على مستوى العالم وهذا أمر مفروغ منه؛ فأنت تستطيع بين يوم وليلة أن تبني لك برجاً وتشق طريقاً وتبني ما تشاء لكنك لا تستطيع أن تصنع طفلاً تدخله المدرسة الابتدائية وبين يوم وليلة يصبح مثقفاً ومفكراً.. لا هناك فروق، لكن المحاولات التي تحدثها الآن دول الخليج ومنها قطر تتسم برؤية كبيرة في ما يتصل بالتطور الثقافي والفكري والتعليمي بحيث تريده أن يتماشى مع التطور المادي، وبالفعل هناك مؤسسات ومنشآت كثيرة في قطر كاستدعاء الجامعات أو فروع لجامعات مختلفة وإنشاء "الحي الثقافي" كما يسمونه. في قطر الآن كثير من المؤسسات الثقافية التي تم إنشاؤها بالفعل كبيت الحكمة وغيره وإعادة إصدار مجلة (الدوحة) كمجلة ثقافية، إضافة إلى محاولات من قبل دول الخليج ككل. ولا بد من الإشارة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة لديها نشاط ثقافي متميز أيضاً، كذلك المملكة هنا لديكم ما شاء الله شباب مفكرون ومثقفون عندما ألتقي بهم أعجب وأستغرب من إمكانياتهم وقدراتهم ولا أستطيع أن أذكر أسماء هنا.. لكني أقول لك نحن في حاجة إلى رؤية مشتركة.
عريف الحفل: طبعاً لقد تفضل سعادة مضيفنا الليلة الأستاذ عبد المقصود بتمديد الأمسية إلى الحادية عشرة والنصف، نشكره مقدماً والسؤال من قسم السيدات.
نازك الإمام: السؤال للأستاذة سميرة سمرقندي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسألك: هل يجب على الأديب أو المفكر أو المطور مثلك أو من يشغل أي منصب أدبي رفيع أو عضوية مجالس إلى آخره أن يكون ناقداً أم لا؟
د. محمد عبد الرحيم كافود: لا، ليس بالضرورة أن يكون الأديب ناقداً أو الناقد أديباً فهذه مواهب وإمكانيات وقدرات تختلف، ولقد قيل إن الناقد كان يريد أن يكون أديباً ففشل فعاد إلى أدب الآخرين ينقده، إلا أن هذه مجرد مزحة قد يكون فيها قدر من الصحة لكن الأديب غير الناقد المبدع في مجاله سواء في الرواية أو الشعر أو غيرهما من الفنون المختلفة قد يكون ناقداً. ففي التاريخ العربي القديم والحديث هناك بعض الكتّاب الذين يعملون نقاداً وهم كتّاب وروائيون ومثقفون، أذكر مثلاً الكبير طه حسين رحمه الله فهو ناقد وكاتب مؤلف.. حتى في فن الرواية عندما نتكلم عن الخليج هناك إبراهيم العريض رحمه الله من البحرين، وهو شاعر وناقد له كتاب معتمد في النقد الأدبي لكنه غير متصل بالخليج كثيراً لكنه ناقد وكاتب وشاعر معروف له مكانته، لذا فمن الممكن أن يتم الجمع ومن الممكن ألاّ يتم، فمن الصعوبة بمكان أن يكون الناقد أيضاً مبدعاً إلى حد ما.
عريف الحفل: سؤال مع الأستاذ الدكتور عاصم حمدان.
بسم الله الرحمن الرحيم، دكتور عاصم حمدان أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب. ضيفنا العزيز، إن الأدب العربي منذ العصور الماضية قد أثّر في الآداب الأخرى ليس في الشرقية فحسب بل حتى في الغربية، من خلال أعمال مثل ألف ليلة وليلة ورسالة الغفران وحي بن يقظان والموشحات الأندلسية، فلماذا تقوقع الأدب العربي على نفسه في الحقبة الأخيرة في حين استطاعت دول مثل أمريكا اللاتينية الوصول إلى مرحلة العالمية؟ شكراً.
د. محمد عبد الرحيم كافود: نحن إذا أردنا تعليل ذلك باختصار وبإيجاز نقول إن حركة المجتمع تشبه الآلة إذا طرأ عطب في جزء منها أثّر على بقية الأجهزة الموجودة فيها، تماماً كجسم الإنسان إذا دبّ المرض في عضو من الأعضاء أثّر على بقية الأجزاء. إن المجتمع العربي يعاني ليس فقط في الآداب بل في كل المجالات، لأن الفساد الذي يعاني منه العالم العربي كالسوسة التي تنخر في جسمه قد أثرت على كل وسائل الإبداع ليس في الأدب فحسب بل في كل الفنون المادية والمعنوية والفكرية، لذلك إذا ما أردنا الارتقاء بالمجتمع العربي فلا بد من أن يكون هناك إصلاح تام، لكن لا يمكن تعميم هذه الصفة على كل الأدب العربي لأن هناك أيضاً من الإبداعات الأدبية المعاصرة ما ترجم إلى لغات مختلفة؛ فكثير من أعمال نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وبعض الكتّاب اللبنانيين وغيرهم من الأدباء قد ترجمت أعمالهم إلى لغات مختلفة، وبعض الأعمال قد ترجم إلى أكثر من ثلاثين لغة، أيضاً هنالك شعراء عرب كثيرون قد ترجمت أشعارهم، وشكراً.
عريف الحفل: سؤال من قسم السيدات.
نازك الإمام: سؤال مني شخصياً نازك الإمام من إذاعة جدة. معالي الوزير تحدثت في وقت سابق عن وضع الجوائز العربية في منطقة الخليج لأن الإعلام تسيد هذا الجانب لتشجيع المبدعين والمتميزين في الأدب والفكر والثقافة وتحديد دورهم في التنمية في وقت كانت فيه الثقافة مهمشة وتابعة للإعلام، فهل لا تزال الجوائز العربية تعيش هذا التسيد الإيجابي من التكريم أم دخلت مرحلة التهميش مع الوقت؟ شكراً لكم.
د. محمد عبد الرحيم كافود: فيما يتعلق بهذا السؤال يصعب عليّ أن أتذكر أين صرحت وأين تكلمت في هذا الموضوع، لست أدري لكن على أية حال أعتقد أن للجوائز العربية على مستوى الوطن العربي دوراً كبيراً في إثارة التنافس وتكريم الإنسان أحياناً، ليس من الناحية المادية بقدر ما تكون من الناحية المعنوية للمبدع، بحيث تجعله يحس بوجوده ويكرم، وهناك الآن الكثير من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي تهتم بتوزيع الجوائز، أي أن هناك في كل دولة من هذه الدول على الأقل أربع أو خمس جوائز على مستوى العالم العربي وبعضها على المستوى الدولي وبعضها الآخر على المستوى المحلي، وهي جوائز تشجيعية وجوائز تقديرية في معظم المجتمعات. لقد أجريت دراسة حول هذا الموضوع وقدمت فيه بحثاً أيضاً لم ينشر حتى الآن، وإنني أعتقد أن هذا الاتجاه في تنامٍ مستمر، مثال على ذلك هذه "الاثنينية" وغيرها ومؤسسة "البابطين" ومؤسسة "الشيخ زايد" وغيرها من المؤسسات كلها لها دور كبير الآن. قبل عدة أيام بعثوا إلي يطلبونني في تحكيم إحدى الجوائز في حوالي سبعة من الفروع وهنالك أكثر من ثمانين شخصاً متقدماً لها وبعض الجوائز بالمئات يصل إلى ثلاثمئة أو أربعمئة شخص متقدم في الفرع الواحد.. إذاً هناك تنشيط للحركة الثقافية والفكرية تشكر عليه هذه المؤسسات سواء منها الرسمية أو الخاصة والأهلية.
عريف الحفل: سؤال مع الأستاذ وائل سعود، عرِّف بنفسك والمهنة.
أنا من الخليج، هل برأيك كون المثقف من الخليج يخلق له معضلة أو معوقات معينة يواجهها مقارنة بنظيره الغربي؟ شاكر لك.
د. محمد عبد الرحيم كافود: لا أعتقد ذلك بل العكس، فالمجتمعات الخليجية وإن كانت تتفاوت في قضية التسامح في ما ينشر لكن يبقى هناك فضاء واسع للنشر، وهنالك الكثير من الشباب ينشرون ما يتصل بقضايا اجتماعية وقضايا ثقافية وقضايا المرأة وغيرها الكثير.. هناك إذاً مساحة كبيرة للنشر وإن كانت لا تبلغ حدود ما وصلت إليه الدول الغربية من تجاوزات، لكن لكل مجتمع خصوصياته وحساباته خصوصاً في ما يتصل بالسياسة وغيرها إذ قد يكون هناك نوع من التحفظ على بعض المنشورات لكن يبقى الأمر محدوداً في الغالب وذلك ما أشاهده في معارض الكتب. في أثناء عملي في إطار جائزة "الشيخ زايد" رحمه الله قبل سنتين استطلعنا آراء بعض الناشرين فأفاد الجميع أن دول الخليج قد شهدت تغيراً كبيراً في ما يتصل بالإفراج عن الكتب الممنوعة، فقبل سنوات كانت نسبة الكتب الممنوعة تصل أحياناً إلى عشرة في المئة على ما قال لي أحدهم، فيما تكاد الآن تكون معدومة أو تصل إلى اثنين أو ثلاثة في المئة في بعض الحالات وذلك فيما يختص بالجانب الديني لا أكثر.. هذا دليل على وجود مساحة واسعة وتسامح كبير في قضية النشر وحرية التعبير لكنها ليست مطلقة كما ذكرت لكم ولا نستطيع أن نصل بين يوم وليلة إلى ما وصل إليه العالم الغربي أو بعض الدول الأخرى.
عريف الحفل: سؤال مع الدكتور يوسف العارف.
السلام عليكم ورحمة الله، د. محمد لقد فجرت في الحقيقة كثيراً من القضايا الثقافية، سؤالي عن دور المثقف الخليجي؛ هذا المثقف الذي وصل إلى صناعة القرار والذي وصل إلى مرتبة وزير لكنه لم يصنع شيئاً في الوحدة الخليجية -الثقافية منها على الأقل- يعني دعني ألوم وزراء الثقافة الخليجيين الذين لم يصنعوا شيئاً ولعلك أحد هؤلاء الوزراء سواء على مستوى التربية والتعليم أو على مستوى المجلس الثقافي، شكراً لك.
د. محمد عبد الرحيم كافود: شكراً على هذا السؤال. في الحقيقة أقول لك إن المثقفين غير مبرئين مما يدور في المجتمعات أو من الجوانب السلبية، لكن لكلٍّ حدود وإمكانيات يستطيع أن يتحرك في إطارها ولكل منا رؤيته الخاصة إلى جانب رؤية المؤسسة ككل رغم أننا نجتهد، فلا تستطيع أن تتخذ كل القرارات وتغير.. لا أريد هنا أن أتكلم في الخصوصيات فيما يتصل بمركز التراث الشعبي ولا أريد زجّه في هكذا أمور، لكني كنت ضمن الناس الذين بذلوا جهداً غير عادي عندما أرادوا في المرة الأولى أن يحلوا هذا المركز للتراث الشعبي المشترك، وقد أعدناه بالفعل وتكرّم سمو الأمير بدفع كل المبالغ المستحقة من قروض على المركز لإعادة استمراريته، ثم بعد ذلك بسنوات واجه المركز المشكلة نفسها فالعملية إذاً نسبية، بمعنى لا تستطيع أنت كوزير أن تغير وتعمل وتفعل كل ما تشاء لأنك في النهاية موظف بغض النظر عن اللقب والاسم.. صحيح أيضاً أن هناك مساحة تستطيع أن تتحرك فيها إنما قد تكون هناك أمور خارجة عن إرادة الوزير أو خارجة عن الدولة نفسها؛ فقضية البرامج المشتركة ليست قضية وزراء ولا قضية مثقفين بل ترتبط بتجاوب هذه الدول، ولها آلية تقوم على تقديم التقارير ولنكن صريحين هذه التقارير تقدم وتوضع فيها الكثير من السلبيات من قبل مثقفين وعاملين في هذه المؤسسات مع الأسف، إذ يقدم هؤلاء تقارير خاطئة إلى الجهات المعنية لتتخذ القرارات على أساسها، ولذلك قلت إن التغيير لا بد أن يكون تغييراً ثقافياً يشمل البنية الثقافية في المجتمع ككل وعاملاً فاعلاً إيجابياً، لذا من الخطأ أن ننسب كل الأمور إلى الحكّام والمسؤولين والقيادات فقط.. لا، نحن أيضاً نتحمل المسؤولية، فأنا كوزير مثلاً لدي قناعة إن أمراً معيناً لا يصح وأقدم تقريري بهذا المعنى فَيُتّخَذُ فيه قرار فأكون عندئذٍ أنا المخطئ أو المسؤول في إشاعة جو سلبي. لا بد إذاً من أن يكون هناك وعي من الجميع، إذ حتى المسؤولين بمن فيهم الوزير لا يتخذون قراراً لا يكون لمن حوله دور كبير في اتخاذه. هذه الأمور ينبغي ألا ننسبها إلى شخص معين أو إلى سواه بل هي ثقافة عامة منتشرة بحاجة إلى إعادة نظر وإلى وعي وإلى ضمير صادق وحيّ لا يقول إلا الحقيقة.. هذا ما نفتقده في ثقافتنا العربية والخليجية: الموضوعية والأمانة والدقة والابتعاد عن النفاق والمجاملات، هذه كلها عملية منتشرة في نفوسنا فلنكن صريحين لكي نعالج أنفسنا.
عريف الحفل: بقي من الوقت حوالى سبع دقائق فليعذرني من لم نتمكن من طرح أسئلتهم لضيق الوقت، سواء كانوا من الإخوة أم من الأخوات خصوصاً، لأننا قفزنا على حصتهن في السؤال السابق وأخذنا سؤالين متتاليين من قسم الرجال. السؤال الآن لقسم السيدات.
نازك الإمام: سؤال من سعادة الدكتورة نجاة بوقس أستاذة مناهج علوم بجامعة الملك عبد العزيز.
سلام عليكم دكتور، سعادة الوزير إن ثورة المعلوماتية، العولمة، النظام العالمي الجديد، حوار الأديان، حوار الثقافات، صدام الحضارات، نهاية التاريخ كلها مسميات ومعطيات شهدها العالم المتخم والمشحون بهذه المصطلحات. في نظر معاليك كيف نصحح تلك المسميات في حياتنا ومن المسؤول عن تصحيحها؟ وشكراً.
د. محمد عبد الرحيم كافود: شكراً. إن مؤسساتنا التعليمية والثقافية وكل مثقف مسؤول عن التصحيح، وهذه الثورة المعلوماتية فيها الكثير من الإيجابيات التي تخدمنا ولو أحسنّا استغلالها فلسوف تقودنا إلى الأفضل، وفيها أيضاً جوانب سلبية.. فأنت عندما تستخدمين التويتر أو الإنترنت أو الفيسبوك أو غيرها من وسائل الاتصال أو مما يطرح من الكتب المضادة لنا أو التي نعتبرها في غير صالحنا كـ"صراع الحضارات" وغيرها، فإن هذه جميعها لديها جانب إيجابي تحفيزي يؤدي إلى إبراز القيم الثقافية. إن كل ما يحتاجه الأمر هو إجراء مقارنة بين قيم ثقافية فاعلة إيجابية كما يراها الغرب وبين قيم فاسدة في ثقافة أو حضارة مقابلة لها. لقد قام الأمريكان بعد أحداث سبتمبر بجمع أو بإصدار ما يشبه القرار ويتضمن قيم الثقافة الغربية وإيجابياتها بهدف تعرية الثقافة أو الحضارة المقابلة لهم، فيزعمون أن كل قيمهم إيجابية وغيرهم يريد أن يهزمها ويهدمها. في الوقت نفسه جرت هناك محاولات في العالم العربي لإبراز بعض القيم الثقافية ونحن لدينا الكثير من القيم لكن سلوكياتنا غير هذه القيم؛ فما نقوله شيء وما نفعله شيء آخر، نحن في حاجة إلى تعديل هذا الأمر ليس بأن ننشر هذه القيم ونوزع هذه القيم ونتحدث بهذه القيم فحسب، بل لا بد من أن نحمل هذه القيم ونحوّلها إلى إجراء عملي كالمصداقية والأمانة والجد والإخلاص في العمل.. إلى آخره، فهذه كلها قيم إيجابية. نحن نقول للأعداء إن لدينا في ثقافتنا قيم العدالة والمساواة، كذلك في ديننا وفي قرآننا الذي يعتبر مصدراً لثقافتنا.. كل هذه القيم موجودة فيه لكن هل نحن نعمل بموجبها؟ هل نتمسك بها؟ هذه هي قضية أخرى.
عريف الحفل: سؤال وليكن الأخير من قسم الرجال خالد المحاميد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يبدو أن سؤالي هو الأخير وقد فاضت الأسئلة واستنفدت كل الأفكار والمعلومات، لكني أريد أن أذكر الدكتور بأن هناك مقولة للمفكر الإسلامي مالك بن نبي تقول إن كل مشكلة تواجههم على الصعيد الواقعي هي مشكلة في الثقافة. هنالك مصطلح اسمه أم المعارك، أنا أريد أن أعرف منك ما هي أم المشاكل الثقافية وكيف تشخص لنا هذه القضية؟ وشكراً.
د. محمد عبد الرحيم كافود: مالك بن نبي رحمه الله هو من الناس الذين كان لهم دور فاعل في تحديد وتجسيد الفكر الثقافي الإسلامي وله دراسات وكتب كثيرة في هذا المضمار، ومعظم ما قاله صحيح فعلاً بالنسبة لمشاكلنا ونتفق معه، وهذا ما سبق وقلته بأن مشكلتنا تبدأ بتصحيح الخلل في المفاهيم أو في المنظومة الثقافية، فإذا صححناها وتمسكنا بها وأبرزنا هذه القيم وعرّفنا بها أبناءنا ومجتمعنا ومشوا في نهجها بشكل صحيح فلسوف نتجنب الكثير من السلبيات التي نعاني منها ليس في مجال الاقتصاد فحسب بل في مجالات أخرى، لذا فإن الإخلاص في العمل وتحقيق العدالة والمساواة والتعاون كلها قيم إذا نزلت على أرض الواقع وتعاملنا بها ومارسناها في حياتنا فلن نرى هذه المشاكل بل سوف تنتفي ومن أهمها الكذب؛ فعندما سئل الرسول صلّى الله عليه و سلم: هل يكون المسلم سكيراً أو يكون زانياً؟ قال نعم. ثم سئل: هل يكون كذاباً؟ قال لا.. وهذه أكبر مصيبة في مجتمعنا، فالمجتمع الغربي قد يصفح عن كثير من المساوئ إلا الكذب، وإذا ما كذب الوزير أو أي مسؤول عندهم فتلك مصيبة كبرى، فالكذب أخطر شيء في حياة الأمم والرسول صلّى الله عليه و سلم منذ أربعة عشر قرناً قد أكد هذا المفهوم فأين منه نحن اليوم؟ أقول أخيراً إن الكذب والنفاق الذي يحدث في مسار ثقافتنا العربية هو أحد أهم المشاكل والمصائب التي تواجهنا، وشكراً.
عريف الحفل: سؤال أخير من قسم السيدات، وليعذرننا الأخوات في قسم السيدات.
نازك الإمام: هو سؤال جماعي من قسم السيدات. السؤال لمعالي الوزير: لقد قلت إن المرأة متفوقة أكثر من الرجل في أدب القصة القصيرة فلماذا؟ وهل معنى ذلك أنها تعاني من قصور في جوانب الأدب العربي الأخرى؟ شكراً لكم.
د. محمد عبد الرحيم كافود: شكراً. في المراحل الأولى تحديداً من ظهور فن القصة والرواية على الأقل -وأقول هذا استناداً إلى دراسة علمية أجريتها على صعيد قطر- أستطيع أن أجزم وأقول إن دور الفتاة القطرية في كتابة فن القصة القصيرة بدا متفوقاً جداً، لكني أيضاً وجدت هناك بعض الإنتاج في المملكة العربية السعودية أيضاً فالفتيات هنا لهن باع طويل في كتابة القصة ليس لجهة تناولها قضية المعاناة أو إحساسها بقضية الرجل والمرأة في المجتمع الخليجي، فحسب، لكن أيضاً لجهة قضية العمل والفراغ الذي تحس به الفتاة أكثر من الشاب الذي يستطيع إضاعة وقته وتفريغ طاقته بالسفر أو بالخروج، في حين أن الفتاة لم يكن متاحاً لها في فترة من الفترات هذا المجال أو هذه الإمكانيات لتفريغ طاقتها، فكان هذا الفن وكما يقال رب ضارة نافعة، فلقد استطاعت أن تصل وتعرف الكثير عما يدور في مجتمعاتنا وهي أقدر في الحقيقة، حيث إنها بدت في كثير من القصص والروايات التي اطلعتُ عليها قادرة بنظرة أكثر تشخيصاً وعمقاً على تصوير العواطف والمشاعر والمعاناة التي تعيشها، وهذه الصور لا تخص الفتاة فحسب إنما تمتد إلى البعد الأسري داخل الأسرة الخليجية والعربية بصفة عامة، لكن هذا لا يعني أن لا دور لها في باقي المجالات الأدبية؛ فبعضهن متفوقات أيضاً في فن الشعر إلى جانب فن القصة والرواية لكن أكثرهن أبدعن في فن القصة ولبعضهن دور كبير أيضاً في فن الرواية، وشكراً.
 
طباعة
 القراءات :402  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 28 من 163
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج