((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقك، حبيبك وصفيّك سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطـيبين، وصحابته الطاهرين. |
الأستاذات والأساتذة الأفاضل.. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. |
اتسعت مساحات وعيه المتجذر في منهجية عقله الجماعي، وتعددت محطات عطائه في مفاصل تجربة مهنية ثرة، فما بين معيد في جامعة قطر في بواكير حياته المهنية، إلى اقتعاده سدة الوزارة، سيرة حافلة بالتحديات وغنية بالإنجازات. |
أشرعت ((الاثنينية)) هذه الليلة مصاريع أبوابها شرقاً باتجاه الخليج، وتفيأت ظلال دوحته بعد غوص عميق فظفرت بهذا البريق الشفيف الذي يسربه لنا معالي الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحيم كافود وزير التربية والتعليم والثقافة، ووزير التعليم العالي الأسبق في الشقيقة دولة قطر، الأكاديمي الباحث في تراث المنطقة، والمفكر الناقد صاحب الإسهامات ذات الأثر الكبير في المشهد الثقافي الخليجي. |
وللأمانة التاريخية ولدواعي التوثيق الدقيق لمسيرة ((الاثنينية)) فإن الدكتور كافود بتشريفه لنا في هذه الأمسية، يكون ثاني اثنين من الذين كرمتهم ((الاثنينية)) من دولة قطر الشقيقة في مسيرتها الممتدة لإحدى وثلاثين سنة، والتي كرمت فيها حوالى (438) أربعمئة وثمان وثلاثين شخصية بمن فيهم بعض المؤسسات، وأحيطكم علماً -ولا أذيعكم سراً- بأن جملة من أتاحوا لنا فرصة تكريمهم من دول الخليج الست -ما عدا السعودية بالطبع -بلغت فقط (10) عشر شخصيات لا غير، أي بنسبة مئوية تصل إلى 2.28%، فمؤشر هذه النسبة الضئيلة يعني في تقديري المتواضع أن هنالك هوات وفجوات تواصل ثقافية وفكرية وأدبية في رحم واحد يضم أجنّات مختلفة، فهل نعزف لحناً خافتاً لا يسمعه الآخرون؟ |
ومن دواعي غبطتي أن ما يربطني بفارس أمسيتنا هذه يتجاوز مقام كونه ضيفاً ومحتفى به فحسب، بل هو رباط وشيج جمعتنا فيه مؤسسة الفكر العربي؛ فالدكتور كافود هو عضو لجنتها الاستشارية -وبدوري أتشرف بانتمائي إليها كعضو مؤسس- وعضو بمجلس أمنائها الذي نعلق عليه آمالاً كبيرة. فهي بمثابة النبتة التي تتيح لنا تلاقح الأفكار وتغذيها بما يلزم وصولاً إلى تحقيق الأهداف المنشودة عبر عمليات مستمرة من التدارس والاقتراحات التي نأمل أن تجد مكانها اللائق لدى الأجهزة التنفيذية بالدول العربية. |
لم يختلف د. كافود كثيراً عن مجايليه من أبناء ما يمكن تسميتم بالجيل الثاني من القطريين الذين تلقوا تعليماً نظامياً حديثاً، والذين عرفوا بنزوعهم إلى استقلالية الشخصية، والاعتداد بالذات، ذلك في حقبة الخمسينيات والستينيات في خليج ما قبل النفط، والنمط الحياتي السائد في تلك الفترة، والتي أُطر فيها التعليم على النسق الأهلي الديني البحت المنصرف عن كل ما هو حديث أو معاصر. بيد أن هذا الجيل كان متبصراً على نحو ما، ومستشعراً بأهمية الرهان على المسألة التعليمية، كونها آنئذٍ تمثل أرجحية وميزة تفضيلية في سباق الحصول على سبل كسب العيش الكريم. |
انحاز ضيفنا إلى الأدب الخليجي متخذاً منه مـادة للبحث والاستقصاء في مراحل دراساته العليا، على الرغم من شيوع ثقافة المشافهة وقتذاك، وتعذر المراجع للمنجز الإبداعي، وعدم توفر المؤسسات العلمية على منهجية يعتد بها لتكون نواة لدراسات حديثة في النقد الأدبي، في مرحلة تاريخية لم يكن فيها فضاء الفعل الثقافي الخليجي بالحيوية والرحابة اللازمتين لاتخاذه مبحثاً يسهل التحليق فيه بجناحي ناقد. |
ومع ذلك، تجاسر د. كافود وأثقل كاهله بعبء هذه الحفريات العميقة في طبقات الأدب الخليجي الحديث، وانزلق في بواطنه يجري كشوفاته الجمالية والمعرفية في عمل غير مسبوق حقق به نتائج غير مسبوقة لمادة دراسته، في منطقة مهمة من وطننا العربي الكبير غلبت عليها النظرة من الزوايا الاقتصادية بإغفال تام لمرجعياتها الثقافية والفكرية، فعبّد بهذه المبادأة الدروب للدارسين ليتخذوا من موضوع الأدب الخليجي الحديث مبحثاً خصيباً للمفاكرة والاستنارة المعرفية. |
وفي تقديرنا فإن موضوع الأدب في الخليج قبيل دراسات د. كافود -وإصداره لهذه الدراسات في كتابه المسمى "النقد الأدبي الحديث في الخليج العربي"- كان ربعاً مهجوراً عز طائفه، غير أن هذا المنجز الأكاديمي والعلمي للدكتور كافود قد أزاح الستر عن مكنوناته، وخلق الألفة الضرورية لاستجلاء أسراره. |
وعلى الرغم مما قد يبدو على الدكتور كافود من استغراق وإيغال في المسألة المحلية في الخليج كشاغلة من أوجب شواغله، إلا أن المتأمل في منهجه الفكري بتفطن ماعن لا تخفى عليه ملامح استصحاب للخط الإسلامي في فكره في ظل بروز تيارات أخرى ارتفع صوتها بعد حرب 1967م ما جعل من هذا المآل الفكري توجهاً قابلاً للتبرير في تكوين بنية وعيه، وهو القادم من مجتمع محافظ متثاقل الخطى في ولوجه الحذر في منعرجات مجتمع أكثر انفتاحاً وتحرراً كالمجتمع المصري الذي فتح له مسارحه، ومتاحفه، ومكتباته العامة، وحفلاته الاجتماعية الباذخة، فأضافت إلى وعيه المتمدن الكثير من الرصانة التي ضبطت بوصلة فكره بتوازن فريد. |
وفي تقديرنا فإنه في طرحه لرؤيته "إشكالية الثقافة العربية بين الأصالة والمعاصرة" كان قريباً من هواجس وشواغل المثقف العربي في حقبة ما بعد حرب 1967م، ولعل دراسته في مصر الغارقة غداتئذ في أمواج تداعيات ما بعد الحرب بكل تمظهراتها، وتصاعد الصراعات الأيديولوجية، قد ألقت بظلال كثيفة على الاتجاهات النقدية التي تبناها في تلك الفترة، ويبدو ذلك أكثر وضوحاً في انكبابه في جزئية قضية فلسطين في الشعر القطري والخليجي. |
وفي بداية منعطف التغيير الذي انتظم كثيراً من دول الخليج على كافة الصعد التعليمية والثقافية، لبس د. كافود رداء المرحلة فقبل التكليف وزيراً من العام 1996م وحتى العام 2001م في التربية والتعليم والثقافة، ثم التعليم العالي فيما بعد، فكانت أكبر تحديات تلك المرحلة مجابهة معوقات التنمية الثقافية في المنطقة، والمتمثلة في ضـعف المنتوج الثقافي والإعلامي في ظل الخلل الواضح في التركيبة السكانية، واندفاع عجلة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في مهاوي الانفتاح الإعلامي الذي وفرته السماوات المفتوحة، وما أنتجته من هزات حضارية جمة، تجسدت أسوأ إفرازاتها في ظاهرة تهميش اللغة العربية في معجم الحياة الخليجية، وللدكتور كافود رؤية عميقة تمعن النظر إلى اللغة كحاضنة للهوية، وكعنصر أصيل للوحدة الثقافية. |
وفي تقديرنا المتواضع فإن تلك الهواجس والتوجسات الحضارية هي التي دفعت د. كافود إلى تكريس فكره للتأسيس لمشروع وحدة ثقافية عريض يتسع لكل بلدان الخليج، وفق إيمانه بضرورة التعويل على وحدة النسيج الثقافي، وهي رؤية استند فيها حسب تقديرنا إلى تكامل غايات هذه المجتمعات، والاعتصام بحبال هويتها العربية والإسلامية كأهم عناصر مكوناتها الثقافية. وبحسب هذه الرؤية فإن دول المجلس تملك مقومات الوحدة التي بشر بها د. كافود من لغة ودين وعرق وتراث مشترك تمكنها من الانتقال خطوة إلى الأمام في سلم التاريخ من درج التعاون إلى درج الوحدة. |
تضيق مساحة كلمتي الترحيبية الموجزة للوقوف ولو على عجل في بعض من المحطات الحيوية، والفتوحات الجديدة في سيرة د. كافود، آملاً أن يضيء صاحب المعالي بعضاً مما يتيسر له في حواره المفتوح معكم. |
وإلى لقاء يتجدد يطيب لي أن تنضموا في ((الاثنينية)) القادمة إلى ركب المرحبين بمعالي فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد ضيفاً وأهلاً للتكريم بينكم، وهو المستشار بالديوان الملكي، عضو هيئة كبار العلماء، وأحد الذين أكرمهم المولى عز وجلّ بالوقوف على منبر المسجد الحرام إماماً وخطيباً، والذي صدر له أحد عشر مؤلفاً آخرها "تاريخ أمة في سيرة أئمة" الصادر في خمسة أجزاء، بالإضافة إلى الكثير من البحوث والدراسات القيمة. |
طبتم وطابت لكم الحياة.. |
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
عريف الحفل: كلمة الدكتور عبد المحسن القحطاني رئيس النادي الأدبي سابقاً، مؤسس منتدى الأسبوعية بدارته بحي الصفا بجدة. |
|