((الحوار مع المحتفى به))
|
عريف الحفل: شكراً للدكتور سعيد السريحي وعلى هذه اللمسة الجميلة وأنت دكتور سعيد جدير بكل تكريم واحتفاء. الآن نبدأ بتقديم الأسئلة والفرصة نبدؤها من قسم السيدات، الأخت الزميلة نازك الإمام تتفضل باختيار من تعرف بنفسها ثم تلقي السؤال وأرجو أن يكون سؤالاً مختصراً مباشراً ومن دون مقدمات لنتيح الفرصة لأكبر عدد من الإخوة والأخوات. |
الأستاذة نازك الإمام: شكراً أخ محسن. بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أصحاب المعالي أصحاب السعادة الإخوة والأخوات الحضور السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. |
ضيفنا الليلة ليس غريباً علينا فهو ما زال يتربع على عرش الفكر والثقافة والأدب، توّجه البعض هرماً من أهرام الثقافة والوعي في المملكة وهو من أواخر الجيل الذهبي الذي يمثل العلم والعروبة والوطنية. أفنى في حقل التعليم عشرين عاماً وعشرين عاماً أخرى في حقل الصحافة، وبين الحقلين عاش ضيفنا الكريم حياته التي أحبها متنقلاً بينهما. من أكثر ما يؤمن به قوله: "قد نختلف لكن يمكن أن نخلق بيننا مساحة من الاحترام"، وهو القائل: "إن الحداثة جزء من مشروع وطني للتحديث وليست منفصلاً عنه"، كما أنه يلجأ أحياناً إلى الكتابة الساخرة عندما يشعر بعدم استطاعته في أن يكون جاداً. إنه سعادة الدكتور سعيد مصلح السريحي المفكر، الكاتب، الناقد، الشاعر وهو قبل كل شيء الإنسان الذي يفكر بقلبه قبل عقله والذي دائماً ما ينادي "أنا هنا ومنصبي حيث أنا"، فمرحباً وسهلاً به في ليلة من ليالي ((الاثنينية)) الثقافية ومرحباً بالحضور والحاضرات ولنبدأ في طرح الأسئلة، ومعنا بداية الأخت سميرة سمرقندي فلتتفضل في طرح السؤال. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يا دكتور سعيد أسألك: في الوقت الذي كنت فيه مساعداً لرئيس تحرير “عكاظ” كنت تعطي وتكتب وتشرف إلى آخره، والآن وأنت كاتب لزاوية محددة يومية في الجريدة نفسها هل تجد هناك فرقاً في العطاء؟ بمعنى أوضح: هل لديك حرية أكبر في الكتابة وهامشاً في التعبير أوسع ومتحرراً أكثر من قيود سابقة أو ما شابه ذلك وجزاك الله خيراً. |
دكتور سعيد السريحي: حينما كنت داخل الصحيفة كنت أكثر خضوعاً لما يمكن أن يكون رقيباً داخلياً وكنت أكثر قرباً ممن هو رقيب خارجي.. أشعر الآن أنني أكثر تحرراً فحسبي أن أكتب وأن أبعث بمقالي وأشكر للأصدقاء في “عكاظ” أنهم أكثر شجاعة مني فأتوهّم أنهم لن يجيزوا بعض المقالات لكني أفاجأ في اليوم التالي أنهم قد أجازوها. إنني ما زلت أمارس العمل الصحفي باعتبار أن الكتابة المقالية عمل صحفي، وما زلت أمارس العمل الصحفي بمعنى أن القراءة الماعنة للصحافة هي عمل في حد ذاتها، لكنني أشعر أنني الآن أكثر تحرراً، وأكثر اقتداراً على إدارة وقتي.. وأكثر قدرة على أن أعود قليلاً. |
عريف الحفل: السؤال الآن للأستاذ خالد المحاميد، المحرر الصحفي. |
نُقل عن لسانك قولك بأن مشروع الحداثة في المملكة قد فشل ولم يصل إلى أهدافه.. إذا كانت هذه العبارة صحيحة ونقلت على لسانك، فكيف يمكن التعبير عن فشل المشروع الحداثي وهو لم ينضج فكرياً ولم يمتلك أدواته الواقعية لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الواقعي الاجتماعي؟ شكراً. |
دكتور سعيد السريحي: لا أعتقد أخي خالد ونحن رفاق درب أنني قلت أن مشروع الحداثة قد فشل، ولا يمكن لمشروع حداثة أن يفشل، الحداثة رهان على المستقبل ومن يراهن على المستقبل لا يمكن له أن يفشل، قد يخسر حاضره لكنه سيكسب المستقبل، ومن يراهن على الماضي قد يكسب حاضره ويخسر المستقبل، ومن يراهن على المستقبل سيخسر حاضره ويكسب المستقبل.. لقد قلت إن الحداثة كحركة تعرضت للفشل وليس كإنتاج وأقصد بالحركة أن توجد المنابر.. أن توجد الفئات المختلفة من نقاد وشعراء روائيين وكتّاب قصة.. أن يشكلوا حراكاً ثقافياً كما كان الأمر في أواسط الثمانينيات، وأنت أحد الشهود والشهداء أخي خالد لم تعد تلك الحركة كما كانت.. لقد تعثرت حركة الحداثة وإن بقي الإنتاج مستمراً كما نشهده الآن في مختلف المجالات. |
عريف الحفل: سؤال من قسم السيدات: |
نازك الإمام: اسمحوا لي أن أطرح سؤالاً مني. دكتور سعيد ذكرت في إحدى محاضراتك الأخيرة بأنه بصرف النظر عن الاتفاق والاختلاف في أهمية النقد وضرورته، فإنه من المفيد تأكيد فائدته العظيمة للقارئ والمتلقي والأديب نفسه، فهل ذلك يدل على أنه لولا النقد لما كان للأدب كل هذه القيمة وهذا التأثير والفاعلية؟ شكراً لك. |
دكتور سعيد السريحي: لا أعتقد أنني عنيت النقد بمعنى تحليل النصوص، وإنما عنيت به الرؤية النقدية.. كيف نستطيع أن نمتلك رؤية نقدية تجاه العالم وتجاه ما حولنا.. هذه العين ليست هي عين الرضا وإنما هي العين التي تبحث عن اكتمال الأشياء وحينما لا تجدها مكتملة ترفع سبابتها وتهتف فلا ينبغي للأمر أن يكون كذلك.. هذه العين الناقدة أعتقد أنها هي الأهم في حياتنا سواء أكنّا كتّاباً أم شعراء أو كنا مواطنين نحيا حياتنا اليومية. إذاً عنيت بالنقد هذه العين التي لا يُرضيها غير أن تكون الأمور كما ينبغي لها أن تكون.. هنا يأتي الدور المهم للنقد وليس ذلك النقد الذي نعني به تحليل النصوص من قصة أو رواية أو قصيدة أو ما إلى ذلك. |
عريف الحفل: قبل أن نعطي الفرصة للسائل القادم أود أن أشير إلى ضرورة تعريف السائل أو السائلة بأنفسهم ومن ثم المهنة أو العمل الذي يشغله. السؤال مع وائل سعود. |
السلام عليكم، الاسم وائل سعود موظف وإعلامي. |
حضرتك ابن الحي الشعبي "الرويس" وابن مدينة جدة وكما صرّحت في إحدى إطلالاتك الإعلامية "ابن البادية"، وأستاذ لغة عربية ومكانك كان دائماً بين المثقفين، كل هذا يعطيك زخماً لغوياً في التواصل مع الجماهير، وكل هذا يشجعني على أن أسالك: باستثناء التيار الديني يعني جميع التيارات الأخرى الليبرالية أو سمها ما شئت، لماذا يفتقد الحداثيون إلى لغة التواصل مع الجماهير، خطابهم نخبوي ومفرداتهم أيضاً تتعثر لا تصل إلى الجماهير.. يختلفون دائماً حول المسميات وحول التعاريف، حتى المفردات تشعر وكأن المثقفين منفصلون عن المجتمع، كأنهم يستخدمون مفردات متفق عليها. لماذا خطابهم نخبوي ويتعثر مع الجماهير؟ |
دكتور سعيد السريحي: لا أعرف هل هي المشكلة في الفئة المثقفة أو في الجماهير، أخشى أن نضطر إلى التنازل عن القيم العليا للتفكير في سبيل التواصل مع الجماهير.. نحن نحتاج إلى شيء من الحكمة في أن نحتفظ بهذه القيم الثقافية العليا وأن نتواصل مع الجماهير... أشرت إلى التيار الديني لنقل الوعظ والإرشاد وما إلى ذلك... سهل أن تقول للناس ما يعرفون وسهل أن تقول للناس ما يريدون منك أن تقول، وسهل أن تكرر للناس اليوم ما سمعوه بالأمس، غير أن ذلك لا يعني التواصل الحقيقي. إن صعوبة الاتجاهات الثقافية -ولك أن تطلق عليها ما شئت من تسميات- تتأتى من أنها تحاول أن تتحرك في أفق أكثر سمواً من أن يكون معاداً أو تكراراً لما سبق تكراره.. تلك هي المشكلة.. ليست عندنا فقط وإنما في أنحاء العالم كذلك. |
عريف الحفل: سؤال من قسم السيدات: |
نازك الإمام: السؤال من الإعلامية منى أبو الليل من التلفزيون السعودي: |
السلام عليكم، أسعد الله أوقاتكم بكل خير. بداية نهنئ الجميع بعودة ((الاثنينية)) ونهنئ أنفسنا أيضاً فحين غابت ((الاثنينية)) شعرنا أنه قد غابت عنا روح الثقافة، فهنيئاً لنا ب((الاثنينية)) وسؤالي للدكتور السريحي: ما هي رؤيتكم الأدبية فيما يسمى الآن بالربيع العربي؟ وهل نحن على مشرفة تحول في الكلمة والحوار؟ وأثر ذلك على التذوق الفكري والحراك الثقافي؟ شكرا. |
دكتور سعيد السريحي: أحتاج أن أستعيد: |
وأعلم علم اليوم والأمس قبله |
ولكني عن علم ما في غد عمي |
|
نحن نعرف هذا الربيع العربي.. نعرف لماذا حدث.. نعرف كيف يمكن للشعوب أن تكون لها إرادتها التي تجعلنا نردد ما قاله الشابي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة... غير أننا لا نعرف إلام سوف يفضي إليه هذا الربيع لا نعرف هل هناك من سيخطف ثمرة هذا الربيع.. لا نعرف هل الجماهير التي خرجت وحركت الشارع أو الشارع الذي تحرك هل هو الشارع الذي وصل إلى السلطة في هذا البلد أو ذاك؟ هل اختطفت ثورة الجماهير العربية؟ هل اختطف الربيع العربي؟ هنا أنا لا أستطيع إلا أن أختم ببيت آخر للمعرّي: |
كأن منجم الأقوام أعمى |
لديه الصحف يقرؤها بلمس |
|
لا أستطيع أن أحمل رؤية للغد، لكنني أتمنى أن يكون ربيعاً مثمراً وليس ربيعاً مسروقاً. |
عريف الحفل: السؤال مع المهندس عبد الغني حاووط. |
السلام عليكم، هناك كتّاب وشعراء عندما يكتبون عملاً ما يطرحون فيه فكرتهم بشكل واضح ومباشر يفهمه الجميع، لكن بعضهم يرمز بفكرته من باب التحذلق والتمنطق الفلسفي وفرض قدراته في الترميز حتى نصل إلى المقولة التهكمية: "المعنى في قلب الشاعر"، فلا يستطيع فهم مقصد الفكرة إلا الذين يغردون داخل السرب نفسه فتبقى فكرتهم حبيسة دائرتهم أو من يقومون بشرحها لهم شخصياً، فنصبح كمن يرسل رسالة غير واضحة الكتابة لكن يتوجب عليه أن يذهب معها لقراءتها للمرسل إليه، فأيهما أفضل إذاً: الطرح الأدبي المغلف بوشاح رقيق من الرمزية، أم الطرح الغامض المغلف بأستار متعددة الرمزية التي تجعل القارئ يخطئ وقد يسيء فهم المقصد وهنا نسأل: هل الفن للفن كقول آرت أو جوتيه أم الفن للحقيقة وللجميع كقول سارتر وموريه وشكراً. |
دكتور سعيد السريحي: سعادة المهندس أخشى أنك بدأت بشيء وانتهيت إلى شيء آخر.. دعني أسألك: لو أنت تناولت مشروعاً هندسياً بوعي المهندس وبمعاييره، ثم جاءك من يقول لك: أنت ترمز أنا لم أفهم هذا المشروع، أليس من حقك أن تقول له: عليك أن تفقه القوانين التي استخدمتها لكي أطرح هذا المشروع قبل أن تسألني.. قبل أن تلومني لأنك لم تفهمه.. كثير من قضايا الفكر ليست درساً مطروحاً للناس جميعاً وإنما هي قضايا يتداولها المفكرون وعلى من يريد أن يصل إليها أن يمتلك هذه الأدوات التي امتلكها من طرح المشروع.. تماماً كما تطرح أنت مشروعك الهندسي ثم لا تلام بعد ذلك إن استغلق هذا المشروع على من لا يمتلك رؤاك الهندسية.. إن الغموض ليس شيئاً نغلف به الفكرة، ليست لدينا فكرة -مثل التورتة ونضع عليها شيء من الغموض- وبالتالي نقول: "نضع غموضاً كثيراً أم غموضاً قليلاً!".. لا.. الفكرة تكون أحياناً من الدقة بحيث تكون غامضة وتكون سهلة بحيث تكون واضحة.. أخشى -ولا أتهمك أخي الكريم- أخشى أننا ورثنا شيئاً من الكسل العقلي في التعاطي، نريد شيئاً واضحاً، كاتباً يحمل لنا قدح المعنى ويرفعه إلى أفواهنا، نريد أن نتسلى بما نقرؤ نريد أن نستمتع بما نقرؤ وبالتالي حينما لا نجد التسلية لا نجد المتعة لا نجد القدح قريباً من الشفاه نحمل على من كتب من دون أن نقول: نحن بحاجة إلى أن نعاني في الفهم كما عانى الكاتب في الكتابة. علينا أن ندرك تماماً أن الكاتب يريد هدفاً نرتقي إليه وليس أن يهبط به إلينا، من يستطيع أن يستسهل قراءة عبد الله العروي، أو محمد عابد الجابري أو أركون، أو حتى عبد الله الغذامي من يستطيع أن يستسهل قراءته؟ هل هم يغلفون ما يكتبون أم هم يكتبون وفق أفق علينا أن نرتقي إليه؟ تماماً تماماً سيدي الكريم كما تطرح مشروعك الهندسي ثم لا يلومك أحد لا يمتلك أدواتك فيقول لك لم أفهمك.. شكراً جزيلاً. |
عريف الحفل: السؤال من قسم السيدات ونكرر مرة أخرى: نرجو الاختصار في السؤال وتوضيح اسم ومهنة السائل أو السائلة. |
الأستاذة نازك: السؤال من الدكتورة ليلى حسن عبد الله القرشي فلتتفضل. |
السلام عليكم ورحمة الله، نتمنى من الأستاذ الدكتور سعيد السريحي أن يسمعنا جزءاً من قصيدة قريبة منه لننتقل من دوخة النقد إلى هدوء الشعر وجماله، إن أمكن ذلك.. وشكراً. |
دكتور سعيد السريحي: أرجو أن تسعفني الذاكرة.. د. عبد الله مناع قال بأنني هجرت الشعر... أخشى أن يكون الشعر هو الذي هجرني، أقايض كل ما كتبت في النقد وفي الصحافة بقصيدة واحدة.. أرضى عنها وترضى عني، ولكن ما يجيء لا يعجبني وما يعجبني لا يجيء.. شيء من هذا القبيل، سأقرأ بعضاً من قصيدة تكاد تكون الأخيرة وقد تحسبت لمثل هذا السؤال وأنا رجل لا أحمل ولا أملك ورقة واحدة مكتوب فيها الشعر وإنما ما يعلق منه بالذاكرة.. كتبت الكلمة الأولى من بعض الأبيات فلعلها تعينني على أن أتذكر.. هذه القصيدة كانت زفرة البحّار الأخيرة حينما غادرنا نادي جدة الأدبي ويتذكرها أخي الكريم وصديقي العزيز د. عبد المحسن القحطاني. |
جيادك في الموماة تشكو اعتسافها |
ودربك طالت ما بلغت انتصافها |
وما عاد في الأيام يوم مؤمل |
ولا صافنات الخيل حاشا ضعافها |
كأنك خدن للمتاهة كلما |
تميل بك الدنيا لمست شغافها |
خبرت من الأيام كل مجرب |
وعايشتُ منها ريّها وجفافها |
وعدت كما عاد الشقي مرزّءاً |
له عبرة حرّى يداري انذرافها |
كأنك لم تركب جواداً للذة |
ولم تتبطن ذات ليل لطافها |
ولم تسبأ الزقّ الرويّ عشية |
ولم تغتبق كفاك صبحاً سلافها |
فيا صاحبي هذا هو الدرب دوننا |
تأكد بأنا ما بلغنا ضفافها |
سرونا إليها والليالي كأنها |
طوامس لم نعرف جلياً نظافها |
وطال علينا الدرب حول رحالنا |
أراقم كم باتت تنِثّ زعافها |
رمونا بما شاءوا فأصمّت سهامهم |
قلوباً على الفصحى تطيل ارتجافها |
لقد زعموا أنا نهمّ بضَيرها |
ونحن ورب البيت صنّا عفافها |
وكنا لها في القيظ ظلاً وظلةً |
وفي زمهرير البرد كنا لحافها |
لنا كعبة فيها وبيت نؤمّه |
ونكبر فيها ركنها ومطافها |
لبثنا بها خمساً وعشرين حجة |
ولم نتذوق غير مرّ قطافها |
شتونا فلم نحمد شتاء بأرضها |
وبالصيف منها ما حمدنا اصطيافها |
|
ذاك ما بقي في الذاكرة من هذه القصيدة.. |
عريف الحفل: شكراً دكتور سعيد.. استرحنا مع الشعر قليلاً، السؤال لجمال برهان. |
السلام عليكم، جمال برهان، إعلامي إلكتروني، لدي تاريخ مع الأخ سعيد السريحي.. زاملته قبل أكثر من خمس وعشرين سنة في "عكاظ"، كان في القسم الثقافي وكنت محرراً في الشؤون المحلية، كنا نخرج بعد الثانية عشرة ليلاً، كنا نجد سعيد السريحي في مكتبه سعيداً فيه الجلد وتعلمنا منه رشاقة الكلمة واختصار الكلمة. لا أريد أن أطيل، جريدة "الندوة" إرث تاريخي ثقافي اسماً وفكراً وعملاً تم تغييره إلى جريدة "مكة"، فهل هي إشكالية الاسم والمسمى في المكان، أم هي إشكالية الزمان بين التغيير والتجديد؟ شكراً. |
دكتور سعيد السريحي: ذلك أمر معروف وأعتقد وأستاذي الكريم أدرى مني، أهل مكة المكرمة أدرى بشعابها، ليس أمراً طارئاً أن يتغير اسم صحيفة: عرفات.. الندوة.. الآن مكة المكرمة.. أعتقد أن اختيار كلمة مكة المكرمة لها من القداسة ما يحمل تفاؤلاً وأعتقد أن صحيفة تصدر في مكة المكرمة من حقها أن تكون لها المكانة التي نرجوها لها والتي يغبطها عليها كثير من الصحف. لا أعرف عن الشؤون الداخلية للصحيفة لكني أعتقد أن نجاح صحيفة في مكة المكرمة هو كل ما يتمناه ليس السعوديون فحسب وإنما كل مسلم فوق هذه الأرض.. كم سيكون عظيماً أن تصبح هذه الصحيفة "مكة" معبرة عن هذا المكان المقدس مكة المكرمة. |
الشيخ عبد المقصود خوجه: بين قوسين أول من تكلم عن هذا الموضوع بشفافية وبقوة وبحزم وبوجود الجمعية العمومية لمؤسسة مكة المكرمة للصحافة والإعلام ومجلس الإدارة وفي وجود بعض الزملاء هنا أسامة السباعي هو الذي طرح كلمة وجوب أن تكون في مكة المكرمة جريدة باسم مكة المكرمة لما يعنيه هذا الاسم من القداسة، فلذلك وجب أن أقول له شكراً ونحن سعداء اليوم أن نسمع بهذه الكلمة قيد التنفيذ، فشكراً جزيلاً لسموه ولكل من احتضن هذه الفكرة لتنضج ولتكون إن شاء الله أمامنا الجريدة التي نتمناها وتتفق مع قداسة المكان. |
عريف الحفل: السؤال لقسم السيدات: |
نازك الإمام: سؤال من الطالبة في المرحلة الثانوية ريم الجهني. |
مساء الخير، لن يستمتع القارئ بالقراءة لكاتب غير مبدع ولا يبدع الكاتب إلا إذا كان له قلم حر، فهل تعتقد بأنه سيأتي اليوم الذي تؤمن به صحفنا بحرية التعبير أم ستبقي كما هي؟ شكراً.. |
دكتور سعيد السريحي: كل يوم هو أفضل من اليوم الذي قبله والذين يعملون في صحافة اليوم يعرفون أنهم ينشرون أشياء لم يكن من الممكن أن تنشر قبل عشر سنوات، لكن دعوني أتذكر أستاذي جميل عبد الجبار مدير الشاطئ الثانوية وقد أعادتنا الابنة ريم إلى المرحلة الثانوية.. كانت لدينا صحيفة يومية صغيرة وكنت أكتب فيها زاوية أسميها "نقد اليوم"، آثرت أن أكتب التوقيع "أبو الليل" وهو لقب أحد أجدادي، دخل الأستاذ جميل عبد الجبار الغرفة وفتح الباب قائلاً: من الذي يكتب باسم "أبو الليل"؟ فارتعبت منه وكان رجلاً صلباً صعباً رحمه الله.. وقلت أنا. قال: "ليش ما تكتب اسمك؟"، قلت له أخاف.. فنظر إلي نظرة أموت وهي باقية في صدري وقال: "اللي يكتب ما يخاف واللي يخاف ما يكتب" ثم أغلق الباب. إذاً يا ريم كما قال أستاذي جميل عبد الجبار: "اللي يكتب ما يخاف واللي يخاف بلاش يكتب"... وثقي تماماً أننا ننشر اليوم ما لم يكن متاحاً بالأمس وثقي تماماً أنكم ستنشرون في الغد ما نحن لسنا بناشريه اليوم. شكراً. |
عريف الحفل: السؤال للدكتور يوسف العارف: |
بسم الله الرحمن الرحيم، شكراً يا دكتور سعيد شكراً لمضيفنا الشيخ عبد المقصود خوجه لعل سؤالي ينطلق من كلامك الأخير: يعني من يتتلمذ في الشاطئ في الرويس ويتتلمذ في أم القرى على يد لطفي عبد البديع لا يمكن إلاّ أن يكون مثل سعيد السريحي وفياً ويذكر لنا سيرة لطفي عبد البديع.. من يقرأ "حجاب العادة" ومن يقرأ "نظراتك" ومحاضراتك في ابن رشد الفيلسوف يشعر أن سعيد السريحي لديه مشروع ثقافي أو مشروع نقدي أستطيع أن أسميه مساءلة التراث، يا دكتور سعيد: هل لديك مشروع ثقافي أو نقدي بعد هذه المدة الطويلة ومن خلال الإصدارات المتفرقة من كتبك؟ شكراً لك. |
دكتور سعيد السريحي: أخي الدكتور يوسف أنا لا أعرف كيف يكون لدى الإنسان مشروع، لا أريد أن أصدق فكرة أن الكاتب والمفكر عنده مشروع، أنا لدي أفكار أحاول أن أضعها على الورق فتكون كتاباً أو تكون محاضرة ثم لا أزعم لها غير أنها كتاب أو محاضرة، أما أن ترى فيها ما يمكن أن يكون مشروعاً أو ملامح مشروع فأعتقد أن هذا من حسن ظنك بي وبما أكتب.. أنا رجل تأتيني الفكرة أمحصها، أدققها، أراجعها، أضعها على الورق فتصبح محاضرة أو تصبح كتاباً، لكني لا أعرف كيف يكون لدى الإنسان مشروع.. لو كنت أعرف أن لدى الكُتّاب مشاريع لكنت وضعت مشروعاً.. شكراً أخي يوسف. قبل أن أنسى، سأعرج على سؤال أخي الكريم د. عبد الله مناع حول الدكتوراه؛ قلت إنهم عطلوها سنتين أو ثلاثاً.. هم عطلوها إلى الآن ثلاثين سنة.. ولا أريد أن أخوض في الأمر فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وأحمد الله أنني في مكان لو علموا به لماتوا غيظاً، جهدوا جهدهم وقد كفاني الله إياهم أحمد الله على ذلك. |
نازك الإمام: سؤال من الأستاذة نجاة بنجر فلتتفضل وتعرف عن نفسها. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نجاة بنجر، مشرفة تربوية. يلاحظ أن المؤلفات المذكورة جميعها دراسات أدبية ونقدية بحسب التعريف الذي بين يدينا، ولكن كما استمعنا إلى القصيدة الجميلة وغيرها من إنتاجك الأدبي،فهل ننتظر أن تجمع قصائدك في كتاب واحد؟ ومتى؟ نتمنى أن نرى لك كتاباً أدبياً غير الكتابات النقدية والدراسات الأدبية. |
دكتور سعيد السريحي: أستاذة نجاة بنجر لقد قدمت نفسك باعتبارك مشرفة تربوية ولكن دعيني أذكر أستاذة بنجر أن الدراسة التي قدمتها قبل خمسة وعشرين عاماً أو تزيد كانت في ذلك الوقت دراسة تبشر بناقدة وباحثة وكاتبة كنا نحتاج إليها كثيراً، ودعيني أقول إننا في نادي جدة الأدبي سعينا جاهدين لكي نطبع هذا الكتاب وأنك أنت من مانعت في ذلك وأنك أنت من غادرت الكلية أيضاً واكتفيت بأن تكوني مشرفة تربوية.. لقد خسرنا كثيراً أستاذة نجاة وأنا أتذكر دراستك.. خسرنا كثيراً حين اكتفيت بأن تكوني مشرفة تربوية.. ما زلت أقول ومن هنا أن لديك ما يمكن أن تضيفيه إلى الساحة النقدية انطلاقاً من تلك الدراسة التي كانت في ذلك الوقت فريدة في بابها.. لو كنت أثق في ما أكتب لجمعته في كتاب، أعتقد أنني أكثر رضى عن نفسي حينما أكتب الدرس النقدي، وحينما أكتب الشعر.. أذكر في هذا الباب قولاً لأبي تمام: |
ويسيء بالإحسان ظناً لا كمن |
هو بابنه وبشعره مفتون |
|
أكتب القصيدة حينما تأتيني ثم لا أحتفظ بورقة منها ولدي إثبات موجود هنا وهو يعرف أن ليس في مكتبتي ورقة واحدة تحمل قصيدة واحدة وإنما هو ما يعلق بالذاكرة.. أقول: لو كنت استحسن ذلك لجمعته غير أنني أكاد لا أستحسن منه شيئاً، ربما أجد نفسي في الدرس النقدي لذلك أطبع منه ولا أطبعه كله والأصدقاء يعرفون أن ثمة دراسات ومقالات كثيرة لو جمعت لأصبحت عدة كتب ومع ذلك فثمة نفس لوامة، وثمة كلمة للدكتور لطفي عبد البديع الذي ذكرني به أخي الكريم د. يوسف العارف، ثمة كلمة له وصف فيها المطبعة العربية بأنها مطابع تدفع ورءوس تبلع وشمس عمياء تُظل بجهالتها الجميع.. أشد ما أخشاه أن يؤلف المرء كتاباً يزيد المكتبة العربية عبئاً على ما هي فيه. شكراً. |
عريف الحفل: سؤال للدكتور زيد علي الفضيلي. |
شكراً جزيلاً، أخي الدكتور سعيد أخبرتك أنني مفتون بنبرة صوتك وحديثك الشفاهي لكن يظهر أنني لست الوحيد في ذلك فالكل قد فُتن بهذا الأمر، والواقع إني وأنا أنتظر دوري لاحظت أنك قبل قليل قد أغلقت على سؤالي الذي كنت أريد أن أسأله لكني وطالما أن الدور قد جاء أحب أن أضعه بين يديك لكي أسمع منك ويسمع منك الحضور إجابة له.. واقع الحال أخي الدكتور سعيد أنك قد وجهت رسالة شكر لمعلميك الذين وضعوا لبنات بنائك الفكري فشكراً لك على هذه اللفتة الرائعة الطيبة. سؤالي: ما هي الرسالة التي يمكن أن توجهها اليوم إلى من عمل على إيقاف منحك رسالة الدكتوراه وأنت قد استحققت الدرجة شعبياً وهذا هو الأهم.. أنت أقفلت الباب لكن أريد أن أعيدك مرة أخرى: ما هي الرسالة التي يمكن أن توجهها لهم في مثل هذا اليوم الذي نحتفي فيه بك ونحن نحتفي بك على الدوام؟ شكراً جزيلاً. |
دكتور سعيد السريحي: لا أعرف لكني فقط أقول إن من يقف أمام المستقبل ومن يقف ضد المستقبل لن يرحمه التاريخ. كتبت لإدارة الجامعة: لدي منكم شهادتان: الماجستير والبكالوريوس، فإن أردتم استردادهما فأنا غني عنهما... ليست المسألة شهادة دكتوراه -وأشهد الله أنها لم تؤرقني ليلة- ليست المسألة شهادة الدكتوراه وحسب لكن الشيخ الجليل عبد المقصود خوجه يتذكر أنني حاولت أن أنتقل إلى جامعة الرياض وكان الشيخ الجليل أحد شفعائي إليها وبعد أن قبلت في القسم وقبلت في الكلية أعيدت المعاملة من إدارة الجامعة بالرفض، تقدمت لكلية المعلمين فرفضت، قدمت لأكثر من جهة -وصالح بوقري يتذكر- تقدمت للخطوط السعودية فقالوا ليست لدينا وظيفة تكافئ شهاداتك.. لا أعرف ماذا كانت شهاداتي؟ أحمد الله أن “عكاظ” كانت بيتي وهي أهلي.. إذن المسألة لم تكن شهادة الدكتوراه بل كانت محاولة تصفية فقط، وأريد أن أقول: لأنهم كانوا ضد المستقبل خسروا هذا المستقبل وأضيف: لا تقفوا ضد التاريخ، فلن يرحمكم التاريخ. شكراً جزيلاً. |
عريف الحفل: سؤال من قسم السيدات. |
نازك الإمام: الحقيقة اسمحوا لي أن أطرح سؤالاً نيابة عن الأخوات الحاضرات. د. سعيد: هل كل ناقد هو كاتب وشاعر وقاص؟ أم كل كاتب وشاعر وقاص هو ناقد؟ وكيف؟ شكراً لك. |
دكتور سعيد السريحي: لا أعرف، هناك قسط مشترك ينبغي أن يكون لدى كل منهما؛ ففي داخل الشاعر ناقد، وفي داخل القاص ناقد... هناك قسط مشترك غير أن النقد حينما يصبح علماً ومنهجاً أحياناً يكون منهجاً إحصائياً رياضياً، كذلك فإننا لا نستطيع أن نقول إن القاص هو الناقد وإن الناقد هو القاص فقد يكون قاصاً فاشلاً أو شاعراً فاشلاً كما يقولون لأن النقد علم، غير أن هناك نصيباً من النقد ينبغي أن يتوفر لدى القاص وهو متمثل في معرفته بأدواته وبكيفية إدارة هذه الأدوات وبأن يكون هذا النقد متوفراً لدى الشاعر ولا أعني به العمل المتخصص، فالناقد أقرب إلى العالِم وليس أقرب إلى المبدع، وهو أقرب إلى القادر على استخدام أدوات لاستخراج معنى للكشف عن فضاءات هذا النقد المتخصص، أما الدارس النقدي فأمر آخر لا دخل له بأن يكون شاعراً أو أن يكون قاصاً وإنما هو ناقد، أما النقد كقدرة على تذوق العمل فأعتقد أنها نصيب مشترك ليس للشاعر أو للقاص فحسب وإنما للمتذوق للشعر والقصة كذلك.. هذا المتذوق في داخله ناقد يعرف الجيد من الرديء. شكراً. |
عريف الحفل: الأستاذ عبد الحميد الدرهلي.. |
لقد نشأتم وترعرعتم في حي الرويس، هذه الهضبة الجميلة كنت أنا من وقت لآخر أزورها وأشاهد رجالاً من الصيادين يأتون إلى الشاطئ ويصطادون السمك.. كان فيها كثير من العمل، من ضمنه كان ورشة كبيرة لسيارات جلالة الملك سعود رحمه الله.. لقد ذكرت مجلتا جدة والرواشين كثيراً عن أحياء جدة لكنهما أهملتا ذكر شيء عن هذا الحي التاريخي الجميل وفيه كثير من رجالات حرب وغيرها.. ليتكم تعطونا فكرة أو تذكروننا بشيء عن هذا الحي الجميل وهذه الهضبة فيكون فضلاً.. |
دكتور سعيد السريحي: أخشى أن يغضب مني الدكتور عبد الله مناع ذات مرة قال لي "أنت يا سعيد داوشنا بالرويس وهي شوية عشش لصيادين".. صحيح يا دكتور؟ ميزة الرويس أنه سقط بين كرسيين: آبائي أهل الرويس أهلي جاءوا من البادية ولم يستطيعوا أن يدخلوا المدينة فأقاموا على الهامش.. عاشوا على هامش المدينة وهامش البادية فأصبحوا بدواً في نظر أهل المدينة وحضراً في نظر أهل البادية، هم أنفسهم لا يعرفون تماماً من هم هل هم حضر أم بدو؟ تواطؤوا على أن يكونوا هم حضراً حينما يكونون مع جماعتهم من البدو وبدواً حينما يكونون مع الحضر.. لا أريد أن أمعن في التأويل لكني أريد أن أقول إن مسألة الهوية بالنسبة لنا هي موضع قلق لذلك سهل علي في ما بعد أن أنظر إلى الهوية لا باعتبارها وجوداً صلباً بل وجوداً قلقاً مترنحاً بين الأنا والآخر، أخذ وعطاء زيادة ونقص. الهوية ليست لدي -كما لدى أهل الرويس- شيئاً مستقراً ثابتاً وإنما هي شيء رجراج، لذلك عاش جيلي ومعه كل الذين دخلوا مرحلة الحداثة عاشوا أيضاً هذه المرحلة المترنحة بين بادية تموت ومدينة لم تولد بعد.. كل الذين في الحداثة جميعهم وبأسمائهم قد قدموا من البادية ولم يلجؤوا إلى سر المدينة لذلك كانت الهوية لدينا أمراً قلقاً قابلاً للزيادة والنقصان قابلاً للتأثر بالآخر منفتحاً منغلقاً في آن لم نكن نملك هوية أو حجراً صلباً كهوية البدوي في باديته أو الحضري في مدينته، ذلك هو الرويس سيدي. |
نازك الإمام: أين نجد الكتب والإصدارات والشعر للدكتور سعيد بن مصلح السريحي؟ شكراً لكم. |
دكتور سعيد السريحي: لا أدري، لكنني أعرف أن نادي جدة الأدبي لديه إصداران وكذلك نادي جازان وأسألوا عنها الزميل أحمد عائل فقيهي، لقد طبع لي كتاباً قبل عشرين عاماً ولا أعرف ما إذا كانت توجد منه نسخ في مكتبة "جرير".. أعتقد أن لديها كتابين لي أما الشعر فإن عثرتم عليه أخبروني أين أستطيع أن أجده فأنا لا أحتفظ بشيء منه. |
عريف الحفل: سؤال من الدكتور محمد المشوح. |
بسم الله الرحمن الرحيم، الشيخ عبد المقصود حضرت من الرياض لأمرين: الأمر الأول تهنئتك بالشفاء من الوعكة التي أصابتكم والثاني امتداد وتواصل هذه ((الاثنينية)) التي أعتبرها بصفتي صاحب صالون صغير نهل من هذه ((الاثنينية)) وارتوى منها وكلما شعرنا بالقلق أو الإنهاك أو التعب تذكرنا مسيرة ثلث قرن عاشتها اثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه فتصيبنا إذ ذاك نشوة للاستمرار والمواصلة أنت عميد المنتديات وأب روحي لنا جميعاً نستلهم منك هذه القوة الثقافية ونستنير بدربك الثقافي الطويل والمديد وننهل من احتفائك وتكريمك بالمثقف السعودي أياً كان بل وحتى العربي والإسلامي في أي قطر ومكان. أما ما دعاني أيضاً إلى الحضور في هذه الليلة فهو هذا الضيف الكبير الذي أعتز كثيراً بأنني استمعت إليه ثلاث مرات: اثنتان في الرياض وثالثتها هنا في بيتكم "اثنينيتكم" العامرة.. أما الأولى فكانت في نادي الرياض الأدبي وكانت عن باكورة كتابه: "حديث القهوة"، وثانيها كان حديثاً خص به الثلوثية فكان حديثاً لا ينقطع سارت به الركبان إمتاعاً ومسامرة في تلك الليلة، د. سعيد سؤالي: |
بعد هذا المشوار الطويل، عشرون عاماً في التعليم منعطفات وتعرجات أحداث وتقلبات.. نادي جدة الأدبي كنتم ماكينته الكبرى كما أشار الدكتور عبد الله مناع ومررتم بمواقف عديدة وأحداث متعاقبة سواء أكانت في نادي جدة الأدبي وقبلها حادثة رسالة الدكتوراه ومسيرتكم الصحفية الطويلة.. آن الأوان في خضم هذا التكريم الكبير الذي يقدمه عميدنا الشيخ عبد المقصود أن تكتب سيرتك الذاتية ليستمع الناس إلى تلك المسيرة الطويلة التي عشتها بتقلباتها وأحداثها وسرائها وضرائها وحلوها ومرها وشكراً لك. |
دكتور سعيد السريحي: يا سيدي لك الشكر الجزيل على حسن ظنك وقبله لك الشكر الجزيل على الثلوثية والتي أعتقد أنك أتحت لي فيها أن أتحدث بما أعتقده من أخطر ما تحدثت عنه، وقد كان حديثي في ثلوثيتكم وأحمد الله أنها لم تغلق عن مأزق الفكر الديني في المملكة.. لو شعرت أن في سيرتي الذاتية ما يمكن أن يضيف شيئاً لكتبتها، لكن ما الذي أكتبه عن سيرة إنسان لا تختلف إطلاقاً عن سيرة أي أحد من الجالسين هنا؟ ليس فيها ما يمكن أن يشكل إضافة لا أريد أن أضيف إلى المكتبة العربية كتاباً مكروراً وسيرتي الذاتية ليست سوى سيرة أي أحد منا ليس فيها ما يمكن أن يكون استثناء ولست أريد أن أصنع من موضوع الدكتوراه بطولة فردية أو أن أساوم بتضحية أو بادعاء شيء فالأمور أكثر بساطة.. ربما الخبرة التي عشناها تحتاج أن يُكتب عنها... ربما فترة الثمانينات تحتاج أن يُكتب عنها لكنني أخشى أن أكتب فأقع في المأزق الذي وقع فيه صديق لي حينما كتب فجعل من نفسه محوراً للحركة، إذ كتب حكايته ولم يكتب حكاية الحداثة.. أخشى أن أقع في هذا المأزق لذلك لا أجرؤ وأتمنى على أن يكون هناك ثمة من هو محايد يقرأ تلك المرحلة فلعل فيها ما يضيف، أما سيرة سعيد السريحي فثق تماماً لو أنه شعر أن فيها ما يمكن أن يضاف لكتبه. شكراً على حسن ظنك. |
عريف الحفل: السؤال من صالح عبد الله بوقري. |
سعداء بعودة ((الاثنينية))، وسعداء بتكريم صديقي العزيز سعيد.. السؤال سُئل، وهو أننا سمعنا في السيرة الذاتية العديد من العناوين ما نشر وما قرأناه سوياً، لكن لم يكن للشعر مكان في ما نشرت يا سعيد، من يقترب منك يدرك تماماً أن شعرك لا يقل جمالاً عن نثرك، والمقولة بأن الشعر هجرك لا نتفق عليها وأنت لا تزال شاعراً مبدعاً فكم نتمنى أن نرى لك ديواناً يمتعنا كما أمتعتنا كتابتك النثرية. |
دكتور سعيد السريحي: شكراً جزيلاً صديقي العزيز ولكنك تعرف أن لديك بعض كتاباتي التي لا أمتلكها وأن القصيدة التي نشرت في "قافلة الزيت" كانت مكتوبة عندك على منديل مطعم وإنني لم أكن أحتفظ منها بنسخة وأنك أنت من أفضلت علي وأرسلتها إلى مجلة "قافلة الزيت" ونشرت.. مجلة القافلة.. سأقول لكم إن عنّ لأحد بعد موتي أن يجمع شيئاً من شعري فربما يجد لدى صالح عبد الله بوقري بعضاً من هذا الشعر. شكراً جزيلاً. |
عريف الحفل: السؤال الأخير للأستاذ مشعل الحارثي. |
أسعد الله أوقات الجميع بكل خير وسعادة وبعد، فارس هذه الأمسية الماتعة د. سعيد السريحي اشتكى عدد من الرواد ممن جمعوا بين الأدب والعمل الصحفي -سواء لدينا في السعودية أو في العالم العربي- من جور العمل الصحفي على حساب الإبداع والأدب، فإلى أي حد جارت مهنة العمل الصحفي على العمل الإبداعي لديكم؟ شكراً. |
دكتور سعيد السريحي: العمل الصحفي لا يخلو من إبداع، وأعتقد أن الصحفيين الكبار هم مبدعون كبار.. إن دخولي إلى الميدان الصحفي متزامن مع دخولي للميدان الثقافي وقد دخلتهما وقد تجاوزت الثلاثين، بمعنى أنني دخلت الميدانين وأنا أمتلك إرادة وعزماً وتصميماً وسبق إصرار وترصد أحيانا أشك: هل العمل النقدي -ودعوني أقول النقدي فليس للإبداع النصيب الذي يمكن أن يسمى به- مرحلة في حياتي؟ لقد قلت في الكلمة التي تشرفت بإلقائها إنني شعرت أن كلاهما أدخل الضيم على الآخر لكنهما تزامنا، إذ دخلت نادي جدة الأدبي عام ألف وأربعمئة وأربعة ودخلت "عكاظ" عام ألف وأربعمائة وخمسة، ولم أدخل الكتابة بمعنى الكتابة إلا في جريدة "الرياض" عام ألف وأربعمئة وثلاثة، فالمسائل تكاد تكون متزامنة أيهما أدخل الضيم على الآخر؟ أخشى أنني لم أفِ العمل الإعلامي حقه باعتباري ناقداً ولم أفِ العمل النقدي حقه باعتباري إعلامياً فأكون كأهل الرويس سقطت بين كرسيين.. للإعلاميين أن يعدوني ناقداً وللنقاد أن يعدوني إعلامياً وأنا بين هذا وذاك لا أعرف ما أكون. شكراً. |
|