مضى ألفُ عام وهو بالألفِ يَزدرِي |
تُردّدُ ذِكراه على كل منبرِ |
عظيمٌ من الأفذاذِ في رَوضِ شعرِه |
مَعان تنيرُ النَّهج للمتحيِّرِ |
"إذا قال شعراً أصبحَ الدهرُ منشدا |
ورَدَّ الصَّدى مع كل حادٍ مشمّرِ" |
وإنَّ الفتى مهما تسامى مقامُهُ |
ليُهْمَلُ لولا سورةٌ من تذكُّرِ |
تثيرُ الشجون الكامنات كأنها |
طلولٌ تدوّي جوفَها ريحُ صَرْصرِ |
* * * |
أبا الطيِّب اسمع شعرَ مَنْ ليس شعرُهُ |
بغثٍّ ولا إلهامُه بمقصّرِ |
يَروقُ له تردِيدُ ذكرك كلّما |
ألحَّ به فرط الأسى المستعّرِ |
ويدرسُ في آثارك الغرِّ آية |
تحيِّرُ لبَّ العاقل المتبصّرِ |
تفيض بألوانِ المعاني وإنها |
لكل المعاني مصدرٌ أيُّ مصدَرِ |
وشعرُك ديوان على الدهر خالدٌ |
كما خَلَدت آثارُ مصرَ وتَدمُرِ |
نرى فيه ما عشنا حقائقَ جمّة |
تمرُّ على لوح الحياة المصوّرِ |
فسجّلها في دقة وبراعة |
وجاءت كما قد شئتَ آثارَ عبقري |
* * * |
وأمتعتَ أسماعَ القرون بصادح |
وأنهَلتَ أفواهَ الرّواة بكوثَرِ |
فللَّه ما أوريتَ من زَندِ حكمةٍ |
وما فاضَ من ينبوعك المتفجرِ |
وذكرٍ يجوب الخافقَيْنِ وينبري |
مع الفَلك السَّاري إلى حيث ينبري |
أرادوه أن يخبو فما انفكَّ عالياً |
فأكبِرْ به أكبِرْ به ثم أكْبِرِ |
وما ابن العميد الفذّ في الفضل بالذي |
يُتاحُ له إخمادُ ذِكْرٍ مُشهَّرِ |
سعى آملاً إخمادَهُ فكأنما |
يحاول نَتْناً من أريج معطَّرِ |
ونفسٍ تمنِّيها المعالي هُمَامَةٍ |
مشجعةٍ تصبُو إلى كل مفخَرِ |
فما تتقي شيئاً ولا ترتقي ذرى |
تجرُّ على الأجيالِ ذيلَ التبختُرِ |
ترى كلَّ شيء دونَها في مقامها |
وتسمو إلى حيثُ انقطاعُ التصوّرِ |
وما ذاك عن ضعف ولكنْ طموحها |
أراغ لها العَليا فلم تتأخّرِ |
وبين يديْهَا كلُّ نهج ممهَّد |
وفي جانبيها كلُّ عزم مؤزَّرِ |
فنالت من العلياء من نال قبلها |
"عصام" على عهد المليك ابن منذِرِ |
لئن كان محسوداً لقد كان نابهاً |
فلا بدع أن يُصمَى بقوسٍ موتّرِ |
فواهاً لأبكار المعاني إذا هوَت |
إلى الأرض ذلاً بالجبين المعفَّرِ |
وواهاً لأسلوبٍ من الشعر مُعْجِزٍ |
رفيع ولفظٍ مُحكَمٍ متخيَّرِ |
وللشعرِ سرٌ يبعثُ الروحَ حيَّةً |
ويُلهبُ إحساسَ الأريبِ المفكِّرِ |