ليلةٌ رُصعَتْ بِنَثْرِ الجُمانِ |
غُرَّةٌ في جبين هذا الزّمانِ |
جُمِعَتْ في الحسابِ سبعٌ وعشرون ليالٍ خَلَوْنَ من رمضانِ |
جعلوها ليلةَ العيدِ تمهيداً، وللمقصد النّبيلِ مغاني |
فَهْيَ عيدٌ قد استقلَّتْ بمعناها وحازتْ مُحقِّقاتِ الأماني |
* * * |
نحن صمنا وصام كلُّ تقِي عابدٍ ربَّهُ سليمِ الجنانِ |
وخضعنا لواجباتٍ وأدَّينا فروضاً لِمُبدعِ الأكوانِ |
نهتدي جهدَنا بما أمرَ اللهُ ونُلْغِي أوامرَ الشيطانِ |
ما فعلنا من المعاصي نُكَفِّرهُ بشهرِ الصّيامِ والقرآنِ |
وأمامَ الأنام رَبُّ رحيمٌ واسعُ العَفْوِ شاملُ الغفرانِ |
كلّنا مسلمٌ يؤمّلُ خيراً في إله مهيمنٍ رحمانِ |
* * * |
يا مليكاً في راحتيهِ عُبابُ الجودِ والرّفقِ والحسامِ اليماني |
راحةٌ تُجْزِلُ العطاء وأخرى تحملُ السيفَ للعدوِّ المهانِ |
أنتَ إن صُلْتَ صولةً أخلدوا ذلاً وطاحوا صَرْعَى على الأذقانِ |
فيكَ سرُّ النبوغِ، تَحْمِلُهُ نفسُ طموحٍ مُجَسَّمٍ للعَيانِ |
صورةٌ كلُّها جلالٌ ومجدٌ في ممرِّ الأجيالِ والأزمانِ |
ومثالٌ للعبقرية فذٌ رائعُ الحسن كاملُ الإتقانِ |
خُلِّدَتْ فيه أعمالُكَ الغُرُّ فما كان قاصياً فَهْوَ داني |
* * * |
إيه يا صاحبَ السُّمُوِّ إليكَ الآن أهدي شعراً غزيرَ المعاني |
وهْوَ فيما يريدُ ينطقُ بالصدقِ ويُمْلي حقائقاً ذاتَ شأنِ |
وسيُنْهي إليك -غيرَ محابي- كلَّ ما حزتموهُ من إحسانِ |
شُدْتُمُو في الحجاز -وهو فقيرٌ- كلَّ ما أنتجتْ يدُ العُمْرانِ |
حين حصّنتمو دائمة الشمَّ، فأمسى مُوَطَّدَ البنيانِ |
هو لم يبلغِ الكمالَ ولكنْ مُدَّ نحوَ الكمالِ منه اليدانِ |
كان من قبلُ مرتعاً لاحتقارٍ في البرايا ومسرحاً للهوانِ |
عَبَثَتْ فيه أنفسٌ ذاتُ سوءٍ ليتها ما انتمتْ إلى عدنانِ |
ونرى الآن فيه مجتمعَ العلمِ فسيحاً، مجالُه للرِّهانِ |
قد تَرقَّى تقدُّماً ونهوضاً حينما شفَّ عن فعالٍ حسانِ |
قد رأينا تجدّداً في قُواهُ فأرَوْنا تَفَتُّقَ الأذهانِ |
وأرَوْنا فيه رجالاً عظاماً نبَغُوا في سياسةٍ وافتنانِ |
إنَّ فيه نَشْئاً، ما ترَوَّى من رحيقِ النُّهى وخمرِ البيانِ |
ومشى نحو غايةٍ ذاتِ مجدٍ يستقي نفعَها فَمُ الأوطانِ |
سوف يغدو كلٌ من النّشءِ فذّاً ويُؤَدِّي لفرضِهِ الإنساني |
إنَّ فيه مظاهراً من ضروب العلم شَتَّى، برّاقةَ الألوانِ |
إنَّ فيه الرجالَ من علماءِ الدّين أبْدَوْا حقائقَ الإيمانِ |
كلُّ هذا أنتم ذووهُ ولولاكمْ لما كان ذاك في الإمكانِ |
حزتمو فَخْرَهُ وأصلحتمو ما كان فيه من اضطراب الكيانِ |
ونفختمْ روحَ التطوّرِ فيه بعدما أدرجوا في الأَكفانِ
(2)
|
وأَعَدْتُمْ له مكانتَه العليا فأضحى له عزيزُ المكان |
وأَعَدْتُمْ للعُرْبِ فخراً قديماً قد تولتْ به يَدُ الحَدَثانِ
(3)
|
فمضى ذكرهم يُحَلِّقُ في الجَوِّ ويُدَوِّي صَدَاهُ في الآذانِ |
* * * |
سيّدي، إنَّ عهدَكم عهدُ نورٍ حافلٍ بالفنون والعرفانِ |
أثمرتْ فيه روضةُ العلم من آسٍ ومن نَرْجِسٍ ومن رَيْحانِ |
سنُغَذّي النّفوس فيها أبيَّاتٍ، ونجني القطوفَ منها دواني |
عند هذا يُحَقِّقُ البلدُ الطيِّبُ في راحتيك أسْنَى الأماني |
* * * |
سيّدي، نِلْتُ جانباً من نداكمْ باسقَ الفرعِ مُثْمِرَ الأفنانِ |
وحياتي ونشأتي في حماكمْ أستقي وَبْلَ جودِكَ الهَتَّانِ |
كيف أخشى الخطوبَ إن لازمْتني وأنا غَرْسُ دوحِكَ الفَيْنانِ |
أصْدِرِ الأمرَ ما حَييتَ مطاعاً لا أنا عاجزٌ ولا مُتَواني |
وسأطريكَ ما بقيتُ وإن كان بياني مقصرّاً ولساني |