رُبَّ ريحٍ عَصَفَتْ مجنونةً |
كم فضاءٍ لاذَ عنها بِفَضَاءْ |
كلّما اشتدَّتْ رأيتَ الأرضَ من |
فَزَعٍ تَرْكَبُ آفاقَ السّماءْ |
وترى الأشجارَ فيها رُكَّعاً |
سُجَّداً تبعثُ آهاتِ الفناءْ |
حَطَّمَتْ منها جُذولاً، وارْتَمَتْ |
بغصونٍ، وتلاشت في الهواءْ
(2)
|
كلّما رَنَّتْ لها قَعْقَعَةٌ |
انْبَرَتْ أخرى بأنَّاتِ وَلاَءْ |
ومضَى الطّيرُ بلا وَكْرٍ ولا |
صاحبٍ، يُرْسِلُ ألوانَ الغِناءْ |
صادحاً، فاعْجَبْ له من ساخرِ |
في يديهِ الموتُ والعيشُ سَواءْ |
امْتَطى قِمَّةَ صَلْدٍ، فعلى |
هذه الدّنيا -إذا غَنَّى- العَفاءْ |
ونباتٍ ذبَ عنه لِينُهُ |
فنجَا من بَعْدِ أن عزَّ النَّجاءْ |
واجَهَ الرِّيحَ بِلَدْنٍ ناعمٍ |
يتَثَنَّى معها أحْلَى انْثِنَاءْ |
رُبَّ رُخْوٍ، وله من دهرِهِ |
مَطْمَعٌ يُسْنِدُهُ بالارتخاءْ |
وقويٍّ ذهَبَتْ قُوَّتُهُ |
عبَثاً، ما صَدَّتِ الدّاءَ العَيَاءْ
(3)
|
* * * |
غارةُ الرّيحِ لها ما بعدها |
جمَعَتْ ما طابَ إحساساً وَسَاءْ |
أنا من عقلي في ريحٍ، ومن |
مهجتي في نَسْمَةٍ منها رَخاءْ
(4)
|
بَرَدَتْ نفسي، فما من أمَلٍ |
وأشاحتْ عن أحابيل الرَّجاءْ |
واستوى الطيبُ لديها بالأذى |
واستراحتْ رغم تَبْريِحِ العناءْ |
ويثورُ العقلُ -كالرِّيحِ- وقد |
نَكَأَتْ أجْراحُهُ بالكبرياءْ |
هائجاً تَهْدِرُ في أشداقِهِ |
حُجَجٌ يَحْسَبُها ذاتَ غَناءْ |
تَعِسَ المنْطِقُ! ما أخْيَبَهُ |
حين يَسْتَغْني بِعَجْزٍ أو هُراءْ |
قُوِيسَتْ فينا المنايا بالمُنى |
واستوى كلُّ غباءٍ وذكاءْ |
* * * |
ما أحَسَّ الريحَ في مُهْجَتِهِ |
رَجُلٌ إلاَّ انتهى شرَّ انْتِهاءْ |
تتنَزَّى منه في أطماعِهِ |
زَعْزَعٌ ذاتُ عُرامٍ واشْتهاءْ
(5)
|
فإذا غايةُ ما يَنْشُدُهُ |
مَنْصِبٌ أو ثَرْوَةٌ ذاتُ امْتِلاءْ |
وإذا النفسُ خَوَاءٌ في الهوى |
نُبِذَتْ نَبْذَ أديمٍ بالعراءْ |
وإذا العقلُ، وما زَيَّنَهُ |
وتَوَخَّاهُ، مُحالٌ وادِّعاءْ |
وأْدُكَ النَّفسَ إذا قَهْقَرْتَها |
بين مَرْذُوليْن من زادٍ وماءْ
(6)
|
كلّما فاضا، ظننتَ النّفسَ قد |
أدركتْ من كلِّ شيء ما تشاءْ |
رُبَّ ريحٍ ذاتِ بَرْدٍ ونَدَى |
بعد أخرى ذاتِ حرٍّ والْتِظَاءْ |
فاخْتَلِسْ من ريحِك المُزْجَاةِ ما |
كان أحْرَى حيثُ يَهْفُو بالبقاءْ
(7)
|