تأمَّلْ! فلا سرُّ لديك ولا جهرُ |
لقد بُتَّت الدَّعْوَى.. وقد قُضِيَ الأمرُ |
أيُعْييكَ فِكْرٌ.. أنتَ تَرْعَى سرابَهُ |
فكيف لَوْ أنَّ الفكرَ يتْبَعُهُ الفِكرُ؟ |
وأنتَ من الدّنيا خلاءٌ.. وهذه |
أفانينُها يَنْدَى بها الوَرِقُ النَّضْرُ |
مباهِجُها تسْتَنْفِدُ العيشَ طاقةً |
يُخالُ بها سِحْراً.. وليس بها سحرُ |
ولكننا شَتَّى على غُلَوائها |
تراهُ كعُرْفٍ.. حيث تبدو ليَ النُّكْرُ |
وتُعطيكَ من ألوانها -قدْ- عجائباً |
سَرايرُ، ما ينْداحُ عن مثلِها سِتْرُ |
فلا تَعْذُليني يا ابنَة القوم.. إنني |
أرى النجمَ في حيث استوى معه الظُّهْرُ |
فإن كان في ريب، ففي العين قد تُرَى |
(ولكن على عِلاّتِهِ يذهبُ السِّفْرُ) |
* * * |
وقافلةٌ مَرَّتْ بطيئاً مَسِيرُها |
وقد أعْيَتِ الحادي.. وطالَ بها الدَّهْرُ |
أوائلُها من (آدمٍ) طابَ ذِكْرُهُ |
وهل في حياةٍ مَنْ يَطيبُ له ذِكرُ؟
(2)
|
وآخرُها -حتى القيامةِ- موكبٌ |
يُجَلْجِلُ فيه الحُزْنُ والموتُ والذُّعْرُ |
ألا.. قُلْ لِحادِيها إذا ارْتَجَزَتْ به |
مَشاعرُهُ، والتَاطَ بالدُّجْيةِ الفجرُ
(3)
|
تمهَّلْ.. فلسنا بالعُجالى وغَنِّنا |
فلا النثرُ -يستوْحي هوانا- ولا الشِّعرُ |
وأمّا أنا.. يا صاحِبَيَّ كِلاكُما |
لقد أَلقَتْ في عَيْنِيَ الأنجمُ الزَّهرُ |
* * * |
فهاتِ إذن كأساً.. وخُذْ مثلَها ضُحىً |
ولا تَنْزَجِرْ.. ما ينفعِ الأمرُ والزَّجْرُ |
وغَنِّ بنا.. يا ليت أنّا.. كأننا |
تماثيلُ لا يَنْدَى بها البَحْرُ والصَّخْرُ |
أفاعيلُ ترميها الحياةُ نماذجاً |
عليها قبورٌ، ما يرادُ لها نشرُ |
وعندك آلافُ الملايينِ.. هل ترَى؟ |
لها خطراً؟ أو هل على دَرْبِها إثْرُ؟ |
مضَتْ، مثل أنفاسٍ، وراحتْ، ولم تَعُدْ |
فما شَكَتِ (الشِّعْرَى) ولا انْقَطَعَ القَطْرُ |
فلا تُلْزِميني يا ابنةَ القومِ لَوْمَةً |
فَرُبَّ ملومٍ قد يَقُومُ له عُذْرُ؟ |
* * * |
مضى.. ما مضى.. فاسْتَقْبِلِ اليومَ إنّه |
سيُشْرِقُ في علياءِ مَطْلَعِهِ الفجرُ |
إذا أوْمضَتْ شمسٌ، ولاحتْ كواكبٌ |
وتاهَ الصبيُّ.. واستنفَدَ الأمرُ والقدْرُ |
فسوف تراني في ذُؤابةِ منزلي |
كما انْشَقَّ عن طخياءَ ليلتِهِ البَدْرُ |
* * * |
لقد نَفِدَ الزّادُ الذي كان في يدي |
فما أبْرَقَتْ حُمْرٌ، ولا أرْعَدَتُ خُضْرُ |
وزافتْ رياحُ الحظِّ غُبْراً كَوالِحاً |
فواللهِ ما تذْرُو الرّياحُ كما تَذْرُو |