أنا لا أَمَلُّ من الرُّنُوِّ إلى مُحَيَّاكِ الجميلِ |
أبداً يهيمُ الطّرفُ في وَادِي مَحَاسِنِكِ الظّليلِ |
مِن أبيض يَقِقٍ، وأحمرَ ذابَ في شَفَقِ الأصيلِ |
وسوادِ فرعٍ فيه بعضُ اللَّوْنِ من تِبْرٍ خَجُولِ |
شَتَّى الزّنابقِ والزهورِ من الأسيلِ إلى الكَحِيلِ |
الحسنُ صانَ شبابَهُنَّ عن التَّغَضُّنِ والذُّبولِ |
* * * |
أنا لست أفْتأُ إنْ رأيتكِ ذاكراً حُباً كَذُوبا |
لي منه كلُّ نَصِيبهِ ما كانَ أحسبَهُ نصيبا |
ما إن عَلِمْتِ عن الغرامِ ولا اصْطَلَيْتِ به لهيبا |
لا تَعْلَمينَ، ولستِ تَدْرينَ العواطفَ والقلوبا |
رُفِّهْتِ في أوْجٍ يعودُ به الجديبُ ثرىً خصيبا |
قد تَعْرِفُ الشُّهْبُ الكُروبَ ولستِ تدْرينَ الكُروبا |
* * * |
أين ارتياحُكِ من ضَنَايَ وما ثَرَايَ لدى سمائكْ |
أصبحتِ في الأُفُقِ البعيدِ أكادُ أعْشَى من ضِيائكْ |
في كلِّ حينِ أبْتَغي سُحُباً تَلُوحُ على صَفائكْ |
فأنالُ أسباباً من الأقدارِ تُغْرِي بارتقائكْ |
لكنَّ جَوَّكِ ما يزالُ على ائْتِمارِكِ وانتهائكْ |
أأَرُومُ حُمْقاً في الصَّحَارَى ضَجْعَةً فوق الأرائكْ |
* * * |
يا فوزَ مَنْ يَلْقَى هواكِ على حياةٍ أو حِمَامِ |
إن كنتِ أبْصَرْتيهِ يَقْظَى أو حَلُمْتِ على مَنَامِ |
خدّاكِ أم شفتاكِ أم عيناكِ أجدرُ بالكلامِ |
السِّحْرُ فَرْدٌ عند فَردٍ والتُّؤامُ على تُؤامِ |
ماذا يَفِي وَصْفٌ وأيُّ الوصفِ يَدْفَعُ كلَّ ذامِ |
أنتِ التي يعيا بها عامٌ أتى من بعدِ عامِ |
* * * |
قد قيل: إنَّكِ طُرْفَةُ في الحُسْنِ.. لكنْ أيُّ طُرْفَهْ |
تُحَفُ الأنام جميعُها تَفْديكِ منها كلُّ تُحْفَهْ |
ليت الذي صنع الهوى لم يُعْطِني إلاَّ أخَفَّهْ |
بل ليتَهُ لم يُعْطِنيهِ فقد أضاف إليَّ ضِعْفَهْ |
أنا من أنا.. أنا عندليبُ وجْدُهُ بالرّوضِ شَفَّهْ |
مُتَهجِّئٌ حرفَ الغرامِ وإنْ أكنْ ضَيَّعْتُ حَرْفَهْ |
* * * |
لو أنَّ في الدّنيا خلوداً غيرَ خُلْدِ الآخرةْ |
لغدوتِ جنَّتَها التي تُصْبِي العيونَ النّاظِرَةْ |
أزهارُها زَهْرٌ وأحداق النجومِ الزّاهرةْ
(2)
|
وثمارُها ذاتُ القطوفِ مَوَائِلُ للباصرةْ |
وعبيرُها خَمْرُ الأنوفِ المُشْتَهاةِ الخامرةْ |
وجنانُ (عادٍ) كلُّها فيها هجيرٌ هاجرةْ |
* * * |
أنا هائمُ بالحسنِ لكنْ بالخيالِ أشدُّ حُبّا |
أهْوَى الهوى صدقاً، وأهواهُ إذا ما كان كِذْبا |
ويَرُوقُني آلٌ يلوحُ أعِبُّ منه الماء عَبّا |
وكذاك وَجْهٌ يَطَّبِيني ما لقيتُ إليه دَرْبا |
من فوقِ قِرْطاسٍ كأنَّ عليه إغماضاً وهَدْبا |
مُتَحَرِّكاً حَيَّ البشاشةِ ناهبَ السَّرَّاءِ نَهْبا |
* * * |
هذاك يُرْضيني وإنْ يَكُ وجهَ حسنٍ في وَرَقْ |
وجهاً يكادُ يُضيءُ لي ظُلَمَ الأماني في الغَسَقْ |
حَيَّاهُ ربَّك من مُحَيّاً منه يَنْبَثِقُ الفَلَقْ |
الصّبحُ فوق بياضِهِ كَكرى ألَمَّ على أرقْ |
والشمسُ عند سوادِهِ عذراءُ رَيِّقَةُ الألَقْ
(3)
|
حتى الغرامُ حَكَى على غَرَقٍ.. نجاةَ أخي الغَرَقْ |
* * * |
أفإن عجَزْتَ عن التَّطَلُّعِ نَحْوَ آفاقِ الجمالِ |
وعجَزْتَ عن شَجَنِ الليالي فوقَ أجنحة الخيالِ |
وطفقتَ تَعْمَه في الضّلالِ ويا لَحُبِّكَ من ضَلالِ |
أصبحتَ عندئذٍ أرقَ من النّدى فوقَ الدَّوالي |
فاكظمْ لِجامَكَ إنّ من أحْبَبْتَ أغلى كلِّ غالِ |
أمسى الجمالُ -ولو على وَرَقٍ- أجلَّ من الجلالِ |
* * * |
هذا أنا أصبحتُ أعْلَقُ بالغرامِ على فؤادي |
من مُزْنةٍ نَثَرَتْ بذوراً للنّباتِ بكلِّ وادي
(4)
|
شِيحاً وحُوَذاناً وقَيْصُوماً يُرَاوِحُ أو يُغَادي |
والوردُ يعْبُقُ نَشْرُهُ والوَرْسُ يُسْرِعُ للمُنادي |
هذا كذاك، وإنّما نارُ المُؤجِّجِ للرمَّادِ
(5)
|
العيشُ ذاك، فإن تُرِدْ عَيْشاً.. فذلك للنَّفَادِ |