أنا أهواكَ، غير أنّي أهواكَ مِثالاً للصفحة البيضاءِ |
كالشَّذَى البِكْرِ، كالنّسائمِ حَيْرَى ما جرتْ في بسيطةٍ أو فضاءِ |
مثلَ الزّهرِ لم يَفُحْ بُرْعُمٌ منه على غير هَمْسَةٍ من ذكاءِ |
مثلَ الطيرِ في ذُرَى وكرِهِ لم يُفْضِ بالشَّكْوِ أو يَجُدْ بالفضاءِ |
كاللآلي محبوسةً في بحارٍ كالعَزَالِي ممنوعةً في السماءِ
(2)
|
كسِرارٍ ما باح إلا لِمَنْ جادَ له بالخفاءِ جِدِّ الخفاءِ |
أنا حُبِّي حُبٌّ بعيدُ المرامي سائرٌ -دهرَهُ- على استحياءِ |
مثلَ من أبصرَ السَّوامَ، وقد خافَ -على بأسِهِ- شِدَادَ الرِّعاءِ
(3)
|
هو ضعفٌ، لكنَّهُ ساطَ بالضَّعْفِ ولم يَخْشَ قوةَ الأقوياءِ |
حُبُّ خَيْرٍ، بل حُبُّ عَزْمٍ وإن لم يُسْعِفِ الدهرُ نَقْصَهُ بالوفاءِ |
* * * |
هو هذا الهوى الذي أنا أهواهُ ولكنَّهُ كحُبِّ الهواءِ |
كالذي طاردَ الظِّلالَ، ولم يِأْلَ فأمسى مُجلَّلاً بالمساءِ |
ولَكَمْ رُمْتُ يا حبيبُ هواكَ العَذْبَ في فَرْطِ رِقَّةٍ وصفَاءِ |
وجمالٍ ما بعده من جمالٍ وحياءٍ يفوقُ كلَّ حَيَاءِ |
غيرَ أنّي إذا نظرتُ إلى ماضيك أُقْذَى بالصفحةِ السّوداءِ
(4)
|
كم تقلَّبْتَ في رحابِ ظلامٍ وتَجانَفْتَ عن مجالَيْ ضِياءِ |
وتَنَعَّمْتَ في فسيحٍ من النُّعْمَى على غيرِ عزَّةٍ أو سَنَاءِ |
كالذي جالَ حين أغْفَى فألْفَى نفْسَه في مجاهِلِ البَيْداءِ |
ثمّ لمّا صَحَا رأى أنَّ في الأرضِ جِناناً مَكْنونَةَ الأنْداءِ |
عَبَقاً عاطراً، وظِلاً ظليلاً وثماراً رَغِيبةَ الإجتناءِ |
* * * |
أيُّ حبٍّ؟ لكنَّه حبُّ مغلوبٍ على أمرِهِ طويلِ الثِّواءِ |
لم يَجِدْ في الحياةِ ما يستحقُّ الحبَّ إلاّ بعد امتحانِ ولاءِ |
فإذا خابَ، فَلْيكُنْ عونَ من ناءَ بهذا الداءِ العياءِ العياءِ |