وحمامة سَجَعتْ بليلٍ ساجِ |
ورقاءَ رنَّقَهَا الأسى بمزاجِ |
في كلِّ نفحٍ من عبيرِ فؤادها |
أَلَمُ الأُسَارِ وزَفْرَةُ المُهْتَاجِ |
سكنتْ حمائمُ للظّلامِ وهَوَّمَتْ |
فَتَناجَتِ النّكداءُ أيَّ تَناجِ |
طُرَفاً من الألحانِ غيرَ هَوَالِكٍ |
وبواعثُ الألحانِ غيرُ نَواجِ |
ما زال يدفعُها الأسى ويَهُزُّها |
هزَّ الخِضَمِّ لِغَارِبٍ مَوَّاج
(2)
|
حتّى رَنَتْ في الليل مُقْلَةَ كوكبٍ |
دَحَرَ السُّباتَ بضوئه الوَهَّاجِ |
أشجاهُ لحنٌ ما يطيبُ لِيَائسٍ |
وإذا اسْتطابَ، فلن يطيبَ لرَاجِ |
شَجَنٌ على شَجَنٍ، يَظَلُّ رِتَاجُهُ |
مُتَحَدِّياً في الشَّقْوِ كلَّ رِتَاجِ |
* * * |
الطّفلُ قال: لقد أثَرْتِ مَفارحي |
وبَعَثْت أحلامي على استدراجِ |
أسَجَعْتِ لي؟ لقد ادَّكَرْتُ على كَرىً |
لُعباً تحَطَّمَتِ انْحطامَ زُجاجِ |
وهَفا الكبيرُ وقال: كم من نَغْمَة |
تختال في رَمَل وفي إهزاجِ |
أنا سامعٌ منها عقائرَ لَدَّتي |
ومشاهدٌ فيها عميقَ فِجَاجي |
إنّي لأحْمَدُ للحمامةِ صَدْحَةً |
لا يَفْضُلُ المشْجُوَّ فيها الشّاجي |
وصَغَتْ قلوبٌ للغناءِ خَلِيَّةٌ |
وهَفَتْ ليالٍ للسَّماعِ دَوَاجِ
(3)
|
باتتْ تُصيخُ إلى نُواح حَمامةٍ |
محزونةٍ هِيجَتْ أشدَّ هِياجِ |
وتوقّفَ الليلُ الطويلُ عن السُّرَى |
وعَلاَ أنينُ الشُّهْبِ في الأبْراجِ |
بِنْتَ الهديلِ من ادَّكَرْتِ على هوىً؟ |
أوَرَاءَ حِنْوٍ أمْ وراءَ سِياجِ؟ |
ومن الذي أغراك بعد مسَرَّةٍ |
بِشَجىً، وبعد سَماحَةٍ بلِجَاجِ؟ |
كلٌ توهّم أنّها غَنَّتْ له |
حُبّاً فأدْلَجَ أيَّما إدلاجِ |
وصغا كما قد شاء للصوتِ الذي |
فَغَمَ الظلامَ بأطيبِ الآراجِ |
وتعجبت تلك الحمامةُ إنها |
لا للأسى صدحت ولا الإبهاجِ |
لا للصغير ولا الكبيرِ، ولا لِمَنْ |
شَربَ الزُّلالَ أو ارْتَوَى بأجاجِ |
غنّتْ لمهجتِها، وأبْدَتْ بَرْحَها |
لفؤادِها، فَعلاَمَ حَجْوُ الحاجي؟ |