شَكَوْنا زماناً لا يُمِرُّ ولا يُحْلي |
مَسيخَ مذاقٍ مثلَ مُسْتَكْرَه البَقْلِ
(2)
|
نُرَاوِحُ منه فاسدَ الرَّأْيِ والهوى |
أذىً، ونُغادي أعْوَجَ الفرعِ والأصلِ |
ولسْنا نُبالي المالَ، فالمالُ هَيّنٌ |
ولا المَجْدُ.. إنّ المَجْدَ في نَفْثَةِ الصِّلِّ |
رغائُبنا شتَّى، وتجمعُ بينها |
إذا ما تعادتْ فطرةُ النفسِ والعقلِ |
فللنّفس أوطارٌ، وللعقلِ مثلُها |
لو احْتَكما يوماً إلى حَكَمٍ فَصْلِ |
وجدتُ زمانَ السَّوْء يخدعُ أهلَهُ |
وَهُم خادِعُوهُ حَذْوَكَ المِثْل بالمِثْلِ |
فمن يستطيبُ الجاهَ، أسْنَى حِباءهُ |
ومن يَتَصَبَّى المال أغراهُ بالجَزْلِ
(3)
|
ومن يَشْتهي اللّذّاتِ أولاهُ بَحْرَها |
يُخَوِّضُ منه في المَرِيءِ وفي الرَّذْلِ
(4)
|
وظنّوا بأنّ العيشَ -لا عيشَ مِثْلُهُ |
كذاكَ، فَلَجُّوا فيه بالخَيْلِ والرِّجْلِ |
فما خيبةَ الدنيا، إذا ظُنَّ أنها |
مطاعمُ تَسْتَهْوي البطونَ إلى الأكْلِ |
فَما قيمةُ العِرفانِ، ما قيمةُ الحِجَى |
وما لَذَّةُ المَعْنَى، وما رَوْنَقُ الفَضْلِ؟ |
* * * |
وقومٍ من الشُّربِ المُصَرَّدِ خُيِّبُوا |
فباتوا على عيشٍ أشدَّ من القَتْلِ |
على حين ألوانُ الجنانِ تَرَادَفَتْ |
وجادَ على أفْيائها صَيِّبُ الوَبْلِ |
تراهُمْ إذا ما اسْتَعْذَبَ الورْدُ حُلّئوا |
وصُكُّوا صَكَاكَ الجُرْبِ في عَطَنِ الإبلِ
(5)
|
ولا ضحلَ في ماءٍ، ولا جَدْبَ في ثَرَى |
ولكنّه حُكْمُ الخَصيبِ على المَحْلِ |
* * * |
فيا زمناً ألْفَيْتُهُ لا يريدُنا |
بِحَزْنٍ، ولسْنا بالمريديهِ في السَّهْلِ |
تَناءَتْ بنا أمْدَاؤنا، وتعَذَّرَتْ |
مسالِكُهُ عنّا على مُلْتقَى السُّبْلِ |
أرَانا نُرَجِّي منك ما ليس يُرْتَجَى |
ونَبْلي فَنَلْقَى في الكنى شرَّ ما نُبْلي |
ويُرْهِقُنا ليلٌ طويلٌ ظلامُهُ |
فلا نجمَ في أفْقٍ، ولا نَوْرَ في حَقْلِ |
وإنّ أغانينا لَفِي حُرْقَةِ الأسَى |
وإنّ أمانينا لفِي حَسْرَةِ الثَّكْلِ |
* * * |
رَجَا نَيْلَكَ الرّاجونَ من كلِّ طُغْمَةٍ |
فأعطيتَهُمْ في سرعةٍ منك أو رسْلِ |
وكنتَ حديدَ النَّاب مُسْتَوْعِرَ الذُّرَى |
على كلِّ زاكي المُجْتَنَى وافرِ النُّبْلِ |
كريمٍ تزيدُ الحادثاتُ جبينَهُ |
جلاءً، كما زينَ المُهَنَّدُ بالصَّقْلِ |
تَعّبْدَتَ أحْرارَ النّفوسِ فأفْلَتُوا |
من الغِلِّ، إنَّ الشرَّ أجْمَعَ في الغِلِّ
(6)
|
وصفَّدْتَ عِبْداناً بفضلكَ غرَّدُوا |
ليَهْنِكَ منهم كلُّ مُسْتَحْمَقٍ فَسْلِ
(7)
|