| ألا ما لهذا الليلِ تاهَ دليلُهُ |
| وأظلمَ داجِيهِ وطالَ سُدُولُهُ |
| بهيمٌ وأفكاري غرابيبُ مثْلُهُ |
| يَتِيهُ بها ذِهني، كَلَيْل أُجيلُهُ |
| فما بنجومٍ تلكَ آنَ غيابُها |
| ولا كان بدراً ذاك يُرْجَى أفولُهُ |
| سَرَى، والسحابُ الجَوْنُ بيني وبينه |
| كَوَجْهِ خليلٍ صدَّ عنه خليلُهُ |
| يجودُ بنورٍ -حين يَظْهَرُ- باهتٍ |
| ويَخْفَى فأنساهُ ولا أستَنيلُهُ |
| وما زال عنه ذلك الكَلَفُ الذي |
| غَشَاهُ! فهل يجلو الدّجى أو يزيلُهُ؟ |
| وفي القلبِ تَبْريحُ وفي النفسِ حسرةٌ |
| هما كلُّ ما بي من مَتَاعٍ أَنيلُهُ
(2)
|
| فأمّا مُنَى نفسي وأمّا طِماحُها |
| فقد غالَها من فاتِكِ الدهرِ غَوْلُهُ |
| وأحمَدُ ربي أنَّني كنتُ ذا هدىً |
| فما صَحَّ من ذاك الهوى مُسْتَحِيلُهُ |
| جفاءٌ وإعراضٌ وإقلالُ راحةٍ |
| فأين اصْطباري؟ أين منه جميلُهُ؟ |
| ولولا ادّكارٌ لاعْتَزَلْتُ عن الهوى |
| ألا ساءَ مثْواهُ وضلَّ سبيلُهُ |
| إلامَ يظَلُّ المرءُ يَكْدَحُ لاغِباً |
| وحتَّامَ لا يَثْنِيهِ ما يَسْتَمِيلُهُ |
| وكم مُنْيَةٍ أغْرَتْ فما كان بعدَها |
| سوى مَرِضٍ قد لَجَّ فيَّ دَخِيلُهُ |
| * * * |
| إذا الليلُ ليلُ الناس أم ليلُ مُهْجَةٍ |
| عميقٌ أساها ما يَريم ثقيلُهُ |
| تَمَطَّى بِصُلْب (لامرئ القيسِ) فانثنى |
| يُنَاجِيهِ حتى انْجابَ عنه طويلُهُ |
| أرى الصّبحَ وضَّاحاً فأرْتابُ حائراً |
| وأحْسَبُ أنّ الليلَ عَمَّ شُمُولُهُ |
| مَضَى ومَضَى شطرٌ من اليومِ بَعْدَهُ |
| وما زِلْتُ في هَمٍّ كثيرٍ قَلِيلُهُ |
| سوادٌ على عَيْنَيّ يَحْجِبُ عنهما |
| ضياءَ نهارٍ شَطَّ عَنِّي مَقِيلُهُ
(3)
|
| فيَا وَيْحَ قلبي كلّما قلتُ آنَسَتْ |
| نَوَافِرُهُ وارْتاحَ مني مَلُولُهُ |
| رماني بدَهْيَاءَ كأنَّ صَلِيلَها |
| جِرازٌ على الأعناقِ رَنَّ صَلِيلُهُ |
| يضيقُ بكلِّ الناس ذَرْعاً وبالدُّنا |
| وبالعيشِ فَهْوَ الدّهرُ سودٌ غُلُولُهُ
(4)
|
| تشاءمَ حتّى ما يَرَى لِتَفاؤُلٍ |
| مكاناً، ولو يَحْكي مَدَى الشِّبْرِ مِيلُهُ |
| * * * |
| فما كان "دي موسو" لِيُنْتِجَ في الهوى |
| "لَياليهِ" لولا أنْ رأى ما يَهُولُهُ
(5)
|
| رأى الليلَ دَيْجُوراً وفي القلبِ لَوْعَةٌ |
| ففاضَ شَجَاهُ واسْتَحَرَّ غَلِيلُهُ
(6)
|
| وجاء ببِدْعٍ من أغانٍ ومن رؤى |
| ومن نَغَمٍ قد عَزَّ فينا مَثِيلُهُ |
| معانٍ على مرِّ الزَّمانِ خَوَالِدٌ |
| وقد ماتَ مُوحِيها وأدْبَرَ جِيلُهُ |
| أفاضتْ على القلبِ العَصيِّ تُذِيبُهُ |
| وقامتْ على الدَّمعِ الحَرُونِ تُسيلُهُ
(7)
|
| فَلَوْ كان لَيْلي مثلما كان لَيْلُهُ |
| لقلتُ على ذكرِ الهوى ما يقولُهُ: |
| "رأيتُ حبيبي في السماءِ طلوعُهُ |
| قريبٌ ولكنْ أين منِّي نُزُولُهُ
(8)
|
| فكادَ يُحَيِّيني وكادَ يُنِيلُنِي |
| ويسمحُ لولا أنْ ثَنَاهُ عَذولُهُ" |