شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شاعرا الجزيرة العربية
لم تنجب الجزيرة العربية من أبنائها شاعراً عربياً قحاً هجاناً (1) يشار إليه بالبنان في عصرنا الحاضر إلا بضعة شعراء..
يأتي في مقدمتهم: الأمير الجليل عبد الله الفيصل آل سعود والشاعر حسين سرحان.. فلا غرو إن أطلقنا عليهما شاعري الجزيرة العربية بلا منازع..
وشاعرنا السرحان يأتي في مقدمة الشعراء المحدثين ممن يتمثل في شعرهم صدق الأداء وجزالة الأسلوب والتصوير الرائع وحسن السبك والديباجة المليحة.
والشعر عند السرحان سجية وطبع؛ لأنه ينحدر من قبيلة (بني سعد) بطن من (هوازن) القيسية المضرية العدنانية..
و (بنو سعد) قبيلة السرحان، وقوم حليمة ظئر الرسول (صلى الله عليه وسلم)، نشأ في كنفهم رسول الله وترعرع في ربوعهم وتربى بين ظهرانيهم، هم أفصح قبائل قيس عيلان، وقد رأيت منهم الكثيرين ممن يرسلون الشعر على عواهنه بغير تكلف ولا مشقة.
ونظلم شاعرنا حسين سرحان إذا قلنا: إن شعره نتاج السليقة وحدها.. ولكنها السليقة وبجانبها الاطلاع الواسع والثقافة الرفيعة واللغة الثرة ورهافة الحس وسعة الخيال والقدرة العجيبة على التعبير.. وكل أولئك أدوات يجب أن يمتلك ناصيتها الشاعر الموهوب..
والسرحان شاعر (رومانتيكي) يبث الطبيعة شكواه ويشرك الكائنات الحية أحاسيسه وشعوره ويخاطب الحياة والنجم المضيء والصادح والباغم من الطيور ويسأل ما السر بين الزهور وبين النسيم إذا ما سرى؟. ويكلم الروح ويطلب منها أن تقوم وتشم روضة عبقت من كل نفح، ويوجه لشهر رمضان هذا السؤال:
هل في الطعام وفي الشراب هنيهة
تفتر عن جدد لأنسك واحد
وديوان (الطائر الغريب) لشاعرنا السرحان الذي نقدمه إليك أيها القارىء العربي الكريم معرض جميل لصور شتى تأخذ بمجامع القلوب وتختلب الأبصار وترتاح إليها النفس..
فتلك صورة (الجد اليفن) التي صال فيها السرحان وجال بريشته البديعة واستطاع أن يأتي بكلمات كنا نعدها من عويص الكلام فإذا هي السحر الحلال.
وتلك صورة (مزنة) ابنة الشاعر التي توفيت في العشرين من عمرها، ولكنها ماثلة أمامه آخذة عليه دروبه.. يراها مع الماء والهواء.. يراها ملء أخيلته وقلبه وأحلامه.. إنها رثاء مبتكر جديد لم يطرقه الشعراء من قبل وصورة رائعة من صور الحزن والبكاء واللوعة..
وتلك صورة الكواكب التي تبدو طريفة، فيها الجميلة والدميمة، وفيها وفيها.. وكواكب السرحان في هذه القصيدة:
تهدي إلى خطأ وتأرج إن بدت كأريج جيفة
وتلك صورة (أنفاس منخر) التي تذكرنا بهجاء ابن الرومي ذلك الهجاء المقذع..
وتلك صورة (القبح والحسن) وهما تعبير ليس له مدى يحدد مبناه أو معناه، فرب قبح ترعاه سواد القلوب ورب حسن تعاف العين مرآه هكذا يقرر السرحان..
وتلك.. وتلك.. صورة جميلة لها من الروعة والحسن ما يعجز عن وصفه البيان، وتجعل لصاحبها الصدارة بين الشعراء المجيدين في جميع البلدان.
ومع أن حسين سرحان شاعر موهوب ومن القلائل الممتازين.. وهذه شهادة أدلى به صنوه ونظيره الشاعر المصري المرحوم أحمد فتحي صاحب الكرنك في حديث نشرته مجلة (الإذاعة المصرية) قبل وفاة أحمد فتحي بأيام، وقد أثنى على السرحان بما هو أهله وعده من كبار الشعراء العرب ممن لا يشق لهم غبار، إلا أن شاعرنا السرحان يعيش في غربة روحية متقوقعاً داخل نفسه، مفضلاً أن يعيش في برجه العاجي، خوفاً من أن يصطدم بواقع الحياة ودنيا الحقيقة..
ولهذا آثر السرحان الانطواء الذي لازمه طوال حياته -شاباً وشيخاً- وأثر هذا الانطواء في شعره الذي يصوغه درراً غوالي ثم يرمي به غير مبال بما فعل..
وعندما اتصلت بأخي الشاعر الكبير حسين سرحان ورجوته بأن يسمح لنادي الطائف الأدبي أن ينشر إنتاجه الشعري لم يعطِ هذا الرجاء اهتمامه ولم يأبه له، فأخذت أجري وراءه لاهثاً كما يجري الغريم وراء مدينه المعسر، والسرحان كعادته يسوّف ويماطل، واستطعت بعد لأي أن أجمع له هذه القصائد الخرائد من بطون إضبارات متناثرات سمح لي بالاطلاع عليها وأودعتها ديوان (الطائر الغريب) الديوان الثاني للسرحان..
وستفتخر المملكة العربية السعودية (وطني الخالد) بهذا الديوان؛ لأنه يضم شعراً نابضاً بالحياة شعراً خليقاً أن يقال له شعر..
علي حسن العبادي
رئيس نادي الطائف الأدبي
 
طباعة

تعليق

 القراءات :634  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 117 من 288
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.