قُولاَ لِذات اللَّمَى: هَلْ جَاءَها خَبَرُ |
فإنَّ صَاحِبَها أَوْدَى بِهِ السَّفَرُ |
طَالَتْ على الجَسَدِ الوهْنَانِ شُقَّتُهُ |
واسْتَفْحَلَ الدَّاءُ واسْتَشْرَتْ بِهِ الغِيَرُ |
ومَلَّهُ الضَّجَرُ العَاتي، وهَلْ أحَدٌ |
يَقْوَى على أمْرِهِ إنْ مَلَّهُ الضَّجَرُ؟ |
مَعِينُ سَلْوَاهُ أمْسَى مَا بِهِ بَلَلٌ |
وَفَيْضُ جَدْوَاهُ أضْحَى مَا لَهُ أثَرُ |
وأرْمَضَتْهُ هُمومٌ نَوْمُهَا سَهَرٌ |
ونَجْمُها في ظَلاَم العَيْشِ مُنْكَدِرُ |
إنَّ الهُمُومَ وَإنْ خَفَّتَ مَحَامِلُهَا |
لَيْلٌ على لَهبِ الأبْصَارِ مُعْتَكِرُ |
كَذَاكَ صَاحِبُكِ المَرْمُوقُ.. كانَ لَهُ |
عَيْشٌ، فَطَالَ على أعْقَابِهِ ضَرَرُ |
وَكَانَ يُمْكِنُ أنْ يَحْيَا على حُلُمٍ |
لَوْ يُسْعِدُ الجَدُّ، أوْ لَوْ يُمْهِلُ العُمُرُ |
* * * |
يَا ذَاتَ عَيْنَيْن سَوْدَاوَيْنِ شَابَهُمَا |
سِحْرٌ، فَكَادَ بِما قَدْ شَابَ يَنْسَحِرُ |
وَذَاتَ خَدَّيْنِ مَا اهْتَاجَا على قُبَلٍ |
إلاَّ وَرَفَّا رَفِيفاً كُلُّهُ سَعَرُ |
مَاذاَ يَسُرُّكِ مِنْ خِدْنٍ على رَمَقٍ |
شِلْوٍ تبَلَّغَ مِنْهُ النَّابُ وَالظُّفُرُ؟ |
أرَادَ مَحْياً، فأمْسَى وَهْوَ لاَ زَهَرٌ |
في راحَتَيْهِ، ولاَ مَاءٌ، ولاَ ثَمَرُ |
إذا تَبَدَّح
(1)
لَمْ تَفْرَحْ بِهِ قَدَمٌ |
وَإنْ تَطَرَّبَ لَمْ يَصْدَحَ لَهُ وتَرُ |
وَغَيْرُ ذلِكَ، لَوْ يَخْتارُ طابَ لَهُ |
مِنَ المُنَى غَيْرُ ما اخْتَارَتْ لَهُ الخِيَرُ |
لَوْ لَمْ يَعِشْ كَانَ أحْجَى!! بَيْدَ أنَّ لَهُ |
حَظّاً مِنَ الشَّقْو، لا يُبْقي ولاَ يَذرُ |
* * * |
مَا كانَ أحْلاَكِ لَوْ لَمْ يَنْطَمِسْ أثَرٌ |
مِنْكِ الغَدَاةَ، ولَوْ لَمْ يَنْطَبِقْ بَصَرُ |
سَكَنْتِ في التُّرْبِ بَيْتاً مَا تُحَلُّ لَهُ |
عُرًى، ولا يَتَنَزَّى فيهِ مُصْطَبِرُ |
لَقَدْ سَبَقْتِ، فَهلاَّ يَسْتَريحُ ثَرَى؟ |
وَهَلْ يُكَفْكِفُ مِنْ غَلْوَائِهِ حَجَرُ؟! |
الْمَوْتُ! مَا طارَ في اللأوَاءِ طَائِرُهُ |
ولا اسْتَقَرَّتْ على أصْدَافِهَا دُرَرُ |
ولَيْسَ يَرْتَدُّ في رَأْدِ الضُّحَى قَبَسٌ |
وَلاَ تَطَايَرَ مِنْ فَحْمِ الدُّجَى شَرَرُ |
إنَّ الفَنَاءَ لَحَتْمٌ غَيْرُ مَا كَذِبٍ |
في حَيْثُما انْدَاحَ جَوٌّ، أوْ سَرَى قَمَرُ |
ألْحانُهُ شُرَّعٌ في الكَوْنِ صَادِحَةٌ |
بِهَا العَقَائِرُ مَجْذُوبٌ لَهَا البَشَرُ |
زَهَتْ عَلَيْها اللَّيَالي السُّودُ فائْتَلَفَتْ |
زُهْراً، وَطَابَ عَلَيْهَا اللَّهْوُ والسَّمَرُ |
* * * |
مَا صَدَّقُوني أُنَاسٌ حِينَ قُلْتُ لَهُمُ |
بأنَّ حُسْنَكِ حُسْنٌ مُرْهِبٌ خَطِرُ |
يَرْفُضُ كُلُّ فُؤَادٍ مِنْ مَهَابَتِهِ |
وَيَسْتَمِيحُكِ عُذْراً حِينَ يَنْفَطِرُ |
سَرَى لَهُ اللَّيْلُ فَانْشَقَّ الرِّداءُ بِهِ |
وَرَامَهُ اليَوْمُ فانْشَقَّتْ لَهُ الأُزُرُ |
وَراءَ تِسْعِينَ جِيلاً، أُفْرِدَتْ عُصُرٌ |
فإنْ مَضَتْ في هَبَاءٍ، أتْأَمْتَ عُصُرُ |
لَمْ يَأْتِ مِثْلُكِ في حُسْنٍ، وَلَيْسَ لَهُ |
نِدٌّ، وَلاَ يَتَظَنَّى
(2)
مِثْلَهُ بَشَرُ |
* * * |
هَلاَّ ذَكَرْتِ -وَإنْ لَمْ أنْسَ- صَبْوَتَنَا |
إلى اللِّقَاءِ، وإنْ لَمْ تَنْفَعِ الذِّكَرُ! |
أيَّامَ نَلْهُو كَأنَّ الدَّهْرَ آمَنَنَا |
وَلاَ نَرَى حَذَراً لَوْ أمْكَنَ الحَذَرُ |
عَصَافِرُ الخُلْدِ، لاَ تَقْوَى عَلَى قَدَرٍ |
فَكَيْفَ يَنْسَخُ مِنْ أحْلامِنَا القَدَرُ؟ |
إذَا قَضَيْنا عَلَى حُكْمِ الهَوَى وَطَراً |
عَذْباً تجَدَّدَ في أعْقَابِهِ وَطَرُ |
الْماءُ، والزَّهْرُ، هَامَا في بَشَاشَتِنَا |
فَحَيْثُمَا نَتَلاَقَى، الماءُ والزَّهَرُ |
والجَوُّ أصْبَحَ لَدْناً نَاعِماً هُصِرَتْ |
أعْطَافُهُ، مِثلَ غُصْنِ البَانِ يَهْتَصِرُ |