ازْدَحَمَ الدودُ عَلَى جُثَّةٍ |
أضْفَى عَلَيْهَا نَسْجُ أضْرَاسِها |
حُلَّةَ نُعْمَى، أذْهَبَتْ طِيبَهَا |
وَاسْتَنْفَدَتْ آخِرَ أنْفَاسِها |
* * * |
كمْ قُلِّبتْ فَوْقَ فِرَاشٍ وَثِيرْ |
وَكَمْ تَرَوَّتْ مِنْ مَعِينِ السُّرُورْ |
وَاسْتَخْدَمَتْ فِي عَيْشِهَا زُمْرَةً |
كَبِيرُهَا يَهْرَعُ قَبْلَ الصَّغِيرْ |
* * * |
الأَمْرُ أمْرٌ نَافِذٌ حُكْمُهُ |
وَالنَّهْيُ نَهيٌ بَالِغٌ شَأْنُهُ |
حَازَتْ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعَ المُنَى |
فَأَيْنَ (هارون) وسُلْطَانُهُ؟ |
* * * |
هذِي الملايينُ بِلاَ حَاسِبٍ |
مِنْ ذلِكَ الدُّودِ الكَثِيرِ الكَثِيرْ |
امْتَارَهَا مَائِدَةً دَسْمَةً |
وَبَاتَ يَرْعَى في حِمَاهَا النَّضِيرْ |
* * * |
لَوْ شَامَهَا في قَبْرِهَا شَائِمٌ |
لَتَلِفَتْ لِلْهَوْلِ أعْصَابُهُ |
مَنْظَرَ قُبْحٍ بَعْدَ حُسْنٍ فَمَا |
لَذَّةُ عَيْشٍ تِلْكَ أعْقَابُهُ؟! |
* * * |
أمْسَى يُغَنِّي الدُّودُ في رَوْضَةٍ |
مَا أخْرَجَتْ أحْسَنَ مِنْهَا السَّمَاءْ |
أغْصَانُها، أثْمَارُها، نورُها |
يَقْطِفُ مِنْ ألْوانِهَا مَا يَشَاءْ |
* * * |
قَدِ اسْتَوَى المَأْمُورُ وَالآمِرُ |
فِيها، وأمْسَى العَبْدُ كالسَّيِّدِ |
فَمَنْ يجدْ في رأْسِهِ عزَّةً |
شُجَّتْ غداً، بِالتُّرْبِ والجَلْمَدِ |
* * * |
ثُمَّ خَلاَ الدُّودُ إلى بَعْضِهِ |
مِنْ بَعْدِ أكْلِ الجُثَّةِ العَافِيَهْ |
وابتَدَأَتْ مَعْرَكَةٌ فَذَّةٌ |
تَسْحَقُ أوْهامَ المُنَى الغَافِيَهْ |
* * * |
تَنَازُعُ العَيشِ لَهُ عِبْرَةٌ |
كأنَّهُمْ بَعْدَ الوَغَى يَخْلُدُونْ |
للنَّفْسِ آمالٌ، وَطُولُ المَدَى |
يَقْصُرُ إنْ أذْوَتْهُ ريحُ المَنُونْ |
* * * |
الدُّودُ يُرْدِيْ بَعْضَهُ جَاهِداً |
يَقْتَاتُ أَقْواهُ مِنَ الأضْعَفِ |
كالنَّاسِ، والطَّبْعُ لَهُ شَاهِدٌ |
في حَيْثُمَا يَمَّمْتَ مِنْ مَقْذَفِ |
* * * |
واخْتُتِمَ المَرْأَى عَلَى دُودَتَيْنْ |
مِنْ بَعْدِ فتْكٍ وَافْتِراسٍ وأيْنْ |
قَدْ رَامَتَا خُلْداً فَيَا سُخْفَ مَا |
تَوَخَّتَاهُ مِنْ خُداعٍ وَمَيْنْ!! |
* * * |
واحْتَدَمَ الجُوعُ فَلَمْ تَصْطَبِرْ |
إحَدَاهُمَا وَانْبَرَتِ الثَّانِيَةْ |
كِلْتَاهُمَا تَبْغي البَقَاءَ الَّذي |
أعْيَا جَميعَ الأُمَم المَاضِيَةْ |
* * * |
واشْتَدَّتِ المَعْمَعَةُ الدَّائِرَهْ |
واسْتضْرَمَتْ جَبَّارَةً جائِرَهْ |
فَيَا لَها مِنْ صُورَةٍ إنْ تَكُنْ |
صُغْرَى فَفيهَا المُثُلُ السَّائِرَهْ |
* * * |
ما الفَرْقُ بَيْنَ الحَرْبِ عِنْدَ الأنَامْ |
والحَرْبِ عِنْدَ الدُّودِ، فَوْقَ الرَّغَامْ؟! |
مَنْ كانَ ذَا نَفْسٍ ضَنِيناً بِهَا |
فَلَنْ يُبالي في هَوَاها الصِّدَامْ |
* * * |
حَتَّى وَهَتْ إحْدَاهُما وارْتَخَتْ |
فَابْتَلَعَتْهَا الدُّودَةُ الظَّافِرَهْ؟! |
كَمْ دُودةٍ في بَطْنِهَا يَا تُرَى |
مِنْ بَعْدِ أنْ كَانَتْ هِيَ الآخِرَهْ؟! |
* * * |
وأصْبَحَتْ في القَبْرِ غَلاَّبَةً |
لاَ مُلْكَ إلاَّ مُلْكَها في التُّرَابْ |
انْفَرَدَتْ بالعَيْشِ وَاسْتَيْقَنَتْ |
وَهْماً، بأنَّ العُمْرَ رَحْبُ الجَنَابْ |
* * * |
ماذا وَرَاءَ النَّصْرِ في حَوْمَةٍ |
مَغْلُوبُها يُشْبِهُ غَلاَّبَهَا |
إنَّ الرَّدَى كَأْسٌ ولا بُدَّ أنْ |
يَجْرَعَ جَبَّارُ القُوَى صَابَها |
* * * |
يَسْتَبْشِرُ المَنْصورُ في غَدْوَةٍ |
وَمَا دَرَى ماذا يُجِنُّ المَسَاءْ؟! |
وَكَمْ لوَاءٍ فَازَ صُبْحاً فإنْ |
جَاءَ الدُّجَى حُطِّمَ ذاكَ اللِّوَاءْ |
* * * |
وَخُدْعَةُ العَيْشِ طَبِيعيَّةٌ |
لِكنَّها تُذْهِلُ عَمَّا يُرامْ |
أعِشْتَ ألْفاً؟ أمْ ثَلاَثاً؟ فَمَا |
بَعْدَ، سِوَى تَرْكِكَ تَحْتَ الرِّجَامْ |
* * * |
وَغَبَرَتْ سَاعَاتُ بَرْحٍ ألِيمْ |
ونَالَهَا في الجُوعِ أمْرٌ عَظِيمْ |
حَالَةُ نَحْسٍ بَعْدَ سَعْدٍ، وَهَلْ |
مِنْ حَالَةٍ عِنْدَ اللَّيالِي تَدُومْ؟! |
* * * |
وَجَهِدَتْ تُبْقِي على نَفْسِها |
مَا ادَّخَرَتْهُ مِنْ ذِمَاءِ الحيَاةْ |
تَنْهَشُ مِنْ أحْشَائِهَا مَا تَقِي |
بِهِ كَريمَ الرُّوحِ كَرْبَ الوَفَاةْ |
* * * |
خُطْبَتُها تَمَّتْ، ولاَ ضَيْرَ أنْ |
يُمْنَى خَطِيبٌ مِصْقَعٌ بالسُّكُوتْ |
بَالِعَةُ الجُثَّةِ مَعْ دُودِهَا |
آنَ لها مُرْغَمَةً أنْ تَمُوتْ؟! |