شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سأل سائل (1)
هل الثقافة العلمية أصبحت شرطاً لازماً من شروط الإنتاج الأدبي؟
هل ينتفع الأديب من تغذيته بالثقافة والعلم؟
هل الاهتداء بالنظريات العلمية يعطل ملكات الابتداع..؟
هل في وسع الأديب المعاصر الموهوب أن يستغني عن العلم ويطرحه جانباً ويعتمد على مواهبه؟
هذه الأسئلة موجهة من حسين هاشم إلى صديقه الكريم الأخ عبد الله عريف، وهي على تكرارها وسذاجتها خير ما يفسح المجال للعريف، حتى يبهرنا بغزارة اطلاعه ويروعنا برحابة أفقه، ولكنه -أثابه الله- الأديب المتواضع، فلعل الله أن يرفعه بتواضعه الجميل، فأمرني أن أجيب عنها -أي والله أمرني أمراً بلا تلطف ولا رجاء، وأنا امرؤ غير متواضع -وإن لم أكن متكبراً- ولكن الخجل يجللني بغلالة أرجوانية تكاد تتورد لها وجنتاي لو كنت ذا لون أبيض مشرب بحمرة، ويكاد هذا الخجل يجعل من عرقي المتفصد "مساقط مياه" تصلح لتوليد الكهرباء.
وأستطيع أن أجيب الأديب حسيناً جواباً يؤخذ تفصيله من مجمله، فإن أديب العربية الأول في اعتقادي أبو ]عثمان عمرو بن[ بحر (2) الجاحظ كتب في الأنساب والحيوان وخواص الأجسام والجواهر وأمزجة الأمم وأخلاق الملوك، وقد كان يصح أن يكون فاوست عصره بمقدار ما بلغ إليه العقل العربي في ذلك الزمن البعيد.
ورأينا إماماً جليلاً من أئمة الدين يكتب عن الحمقى والأذكياء والطفيليين يصيد "خاطره" في كتاب جميل ثمين، وهو ابن الجوزي، فكيف يمكن أن نفصل الثقافة -العلمية- أو العلم نفسه عن الأدب؟ وكيف يكون عندئذ أدباً صحيحاً؟ ولهذا قال الأقدمون -وهو صواب-: "إن الأدب الأخذ من كل شيء بطرف".
وأستطيع بدون حاجة إلى التواضع (المزيف) أن أقول للسائل الأديب: إن أول ما قرأته هو شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، ثم زاد المستقنع في الفقه الحنبلي على ما أذكر، ثم قرأت بعد ذلك قراءة هضم واستيعاب تفسير الجلالين والبغوي وابن كثير، وابن ماجة والترمذي والبخاري ومسلم وأبا داود والنسائي، وهي الستة الكتب الصحاح في الحديث، وأدب الدنيا والدين للماوردي، ومنهاج السنة لابن تيمية، وفتوح الشام للواقدي، وسيرة ابن هشام، وأحسب أن أحداً من الأدباء الآن لا يجد وقتاً أو صبراً على قراءتها.
وأنا اليوم أقرأ في التراجم والجغرافيا والفلك والفلسفة وعلم النفس والطب ووظائف الأعضاء والنسبية وغيرها من النظريات العلمية الحديثة وما يختص بالذرة وإشعاعها وطاقتها، ولا يعنيني أن أفهم كل ما أقرأ أو أتمثله التمثل الصحيح الوافي؛ فما انبسطت عبارته واستقام قصده فهمته، وما تعقد أو اعتاص تجاوزته إلى غيره، ولست بالوحيد في ذلك، فإن جلة الأدباء عندنا يقرأون كل شيء مما يخرج خروجاً تاماً عن نطاق الأدب، حتى في أضأل معانيه.
إن المواهب الأدبية وحدها لا تجدي فتيلاً في تكوين شخصية "الأديب الموهوب"، فإن الأدب لا يزيد عن معان جميلة أو صور جميلة مفرغة في قوالب جميلة فما غناء ذلك؟ إن لم تكن هنا أو هناك لمحة من الفلسفة، أو قبسة من السخر أو لمعة من الألمعية أو نفحة من العلم أو استشهاد بالطب أو اعتماد على الجغرافيا في مناسباتها.
وكيف يتسنى لنا أن نتصور أن الاهتداء بالنظريات العلمية يعطل ملكات الابتداع؟ إن الابتداع نفسه نظريات "أدبية" تواجه النظريات العلمية وتكاد تقوم مقامها إذا انعدم النفع وتلجلج المنطق في النظريات العلمية.
والعلم نفسه لا يصاغ ولا يبسّط إلا بأساليب أدبية، وإلا فكيف يمكن فهمه أو هضمه؟ وإذا كان الأدب رفع النفوس إلى الحقائق المثالية، فإن العلم تدريب العقول على الحقائق المادية المجردة، ولا غنى للإنسان مهما كان عن هذه ولا تلك.
وكل إنسان بطبعه أديب وعالم من حيث لا يشعر؛ فهو يعرف من عمله ومهنته ما يكفيه، وهو يعبر عن أفراحه وأتراحه بما يرضيه، فهل العلم والأدب إلا هذا لولا اختلاف الطرائق وتباين الأساليب وتراوحها بين الجمال والدمامة والسمو والإسفاف والرقة والغلظة؟
وبعد، فعزائي في إكبابي على كتابة هذا الجواب في منتصف الليل، هو إطاعة أمر عبد الله عريف، فقد أطعته وغلالتي الأرجوانية توهمني أني أكتب في الشفق الرائع.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :341  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 173 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.