شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
[هل الأدب غاية أو وسيلة؟] (1)
سؤال فيه غرابة، وفيه إحراج، وهو بعد ذلك يحتاج إلى روية وتفكير ويفتقر إلى مراجعة وتنقير.
والجواب عليه يختلف باختلاف الأذواق والاتجاهات، وتتشعب به النفوس والأذهان ذات اليمين، وذات الشمال.
وأنا امرؤ لا تصدر نفسي عن نفس أخرى تتأثرها أو تذهب مذهبها ولا أجني من ذهني "أزهار قوم آخرين" إلا بقدر ما يرسخ في النفس، ويرسب في الذهن من بقايا الأطعمة الفكرية التي أهضمها، وكنائن الحفظ والدراسة التي تختزن في الذهن إلى حين.
فإذا أردت رأيي -شخصياً- في ذلك، فإني سأقوله بكل صراحة لا لبس فيها ولا تغرير.
سأقول رأيي -يا صاحب المنهل- الذي أعتقده أجزم الاعتقاد، وما أبالي إذا غضبت علي "العشيرة" كرامها ولئامها على السواء (2) .
الأدب يمكن أن يكون غاية، ويمكن أن يكون وسيلة، ويمكن أن يكون وسطاً آخذاً من كليهما بطرف، ويمكن أيضاً أن يكون "لا شيء" مستغنى عنه كل الاستغناء.
يكون غاية لمن أراد به إمتاع الروح، وتوسيع آفاق النفس، وجلاء الذهن وإرهاف البصيرة، ونقل "الحياة" على صورتها الصحيحة في خيرها وشرها وجمالها وقبحها، وفي كل مشابهها ونقائضها، وترقيها وتدينها، فإن الذي ينقل جانباً واحداً من الحياة لمنتجع شر انتجاع، فوق ما في ذلك من الزيف والكلال والخداع.
وهنا يكون "الأدب" أرقى وأجود ما يكون، وإن نقل من الحياة أسوأ وأقبح ما يكون.
هذا هو الأدب إذا كان غاية مجردة سامية.
فأما إذا كان وسيلة، فهو أقل من ذلك بكثير كثير، بل هو شر كله في النزر منه والغزير، ولا سيما إذا استخدم ذريعة للتوافه العرضية، والخساسات التجارية، وتسلف الشهرة لطفل ما يزال يتدحرج في قماطه، والتهالك على الأشخاص لتجميل المستقبح، وتحسين المستهجن، فذلك كله -يا سيدي- فوق أنه سخف، فهو غير ممكن لا في القوى المجتلبة، ولا في القوى الفطرية، وقد مضى الزمن الذي كان يمكن "بلوتارخوس" فيه أن يقول عن أبطاله إنهم يحاربون التنانين والسعالي والمردة، فأين نحن من ذلك الزمان؟ هذا الأدب الذي يجتر هذه النفايات، يجب أن يطعن في مقتله، قبل أن ينيخ علينا بكلكله.
ويمكن للأدب أن يكون وسطاً بين الوسيلة والغاية إذا أخذ من طرفيهما بنصيب، وذلك إذا استعمل أولاً كوسيلة، ثم انتهت به الوسيلة إلى غاية بينة المعالم، وتوخى فيه القصد، والاعتدال؛ فحينئذ يمكن أن يكافئ خيره شره، ويلاقي نفعه ضره، ولا ضير من طغيان جانب على آخر، ما دام أنه لا يرفع رجلاً بعد رجل إلا لهدف محدود أو لمرمى ملموح في رزانة وتحفظ.
والأدب -بعد ذلك- يستغنى عنه كل الاستغناء، ولا يجوز أن يعتبر "شيئاً" في "الأشياء" في البلدان المتأخرة التي تعيش على النمط البدائي الفطري فإن أهلها يكتفون بالضروريات اللازمة في شؤون حياتهم، فماذا يريدون بعد المأكل والمشرب والملبس والزواج؟ بل لعلها لا تجتمع لواحد فيهم ميسرة مذللة.
إن الأدب كمال روحي لذيذ، والناس على ضربين: ضرب بلغ الكمال "المادي" فاكتفى به عن الأدب، وضرب لم يبلغ الكمال المادي، فهو في شغل بالتماسه عن الأدب، وهناك ضرب ثالث (ولكنه نادر) استطاع أن يجمع بين اثنيهما بعد جهد عظيم وبذل كريم، ومع ذلك فإني لأخاف أن تنطفئ الشعلة الروحية من ضغط المادة الجبارة التي تتوهج إلى جانبها.
ولكن لماذا أخاف؟ فإني لم أبلغ الكمال -بعد- في واحدة فضلاً عن الاثنتين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :415  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 172 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج