شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كيف ترسم برنامجاً عملياً قابلاً للتطبيق
في رفع مستوانا الاقتصادي؟ (1)
أنا لا أعرف رسم البرامج؛ لأني لا أستطيع تطبيقها.
ولطالما رسمت لنفسي شتى البرامج في الحياة والمعيشة والمعاملة والقراءة والكتابة فكان خير ما فيها أني أرسمها في ذهني أجمل رسم، ثم أكتبها في أجمل أسلوب، ولا شيء بعد ذلك يساعفني بتطبيقها أو يحثني عليه أو يحببه إلي!
وإذا كان يعنيني كل شيء، فبنفسي يجب أن أعنى قبل كل شيء، وقد تبينت أني أفشل الناس وأشدهم إخفاقاً حتى في إدارة ما يتعلق بي من بعيد أو قريب، وما هذا بسر يجب أن أطويه، ولكنها حقيقة يليق بي تبيانها، وقد بلغت من العمر مبلغاً أنا سائم به ملول منه محنق عليه، فما عرفت -في حياتي قط- وقتاً أخصصه لعمل من الأعمال يشغله ولا يسع غيره، فأنا آكل وأشرب وأطالع وأكتب في كل وقت، ولا يهمني -بعد- أن يكون هذا الوقت ملائماً لهذا العمل أم على النقيض، وكل أوقات الله عندي مباركة -كما يقولون- والوقت الذي يسع عملاً واحداً لمَ لا يسع معه عملاً أو عملين آخرين؟؟
ولم نفرض على أنفسنا هذه النظم الثقيلة ونحرص عليها ونستهيم بها؟ وهي لو فرضت علينا من جهة أخرى لكان الإخلال بها أيسر وألذ للنفس من العمل بها، ولبرمنا بها برماً لا مزيد عليه.
أما الشؤون الاقتصادية فهي غريبة عني، أو هي أفهمتني بشدة أني أنا غريب عنها جد غريب؛ فما لي بها من علم، ولا لي على مزاولتها من طاقة، واليوم الذي ولدت فيه، كانت كلمة "اقتصاد" مرفوعة من كل قاموس على وجه الأرض؛ ولهذا لا تجد هذه المادة عندي في كل ما أمارسه من قول أو عمل، لكن مجلة "المنهل" مجلة أثيرة لدى قرائها عزيزة عليهم، وهي أيضاً فتية في عمرها، قد بلغت الخامسة من سنيها، فيجب أن نزينها بالأطواق والخلاخيل ونحلي جيدها بما هي خليقة به من قلائد وعقود، ولا نضن عليها -فإنها لا تضن على قرائها- بكل ما في المستطاع.
وقد تفضلت فألقت علي هذا السؤال: كيف ترسم برنامجاً عملياً قابلاً للتطبيق في رفع مستوانا الاقتصادي؟
ورأيي في هذا الموضوع -على قدر علمي به- رأي خير ما فيه الإيجاز، وقد رجعت إلى كتابين عندي في نفس هذا البحث، هما "الرأسمالية" مترجم عن كارل ماركس، و "الأغنياء والفقراء" مترجم أيضاً عن ولز، ولكني لم أستطع قراءتهما، لأنهما يثقلان على نفسي بقدر ما يثقل الاقتصاد على يدي، وقرأت عدداً ممتازاً من مجلة "المصور" عن ثروة مصر الاقتصادية، فرأيته يزخر بواجهات البنوك العقارية والرأسمالية.
حبذا لو أن الاقتصاد يدرّس في مدارسنا في ما يدرس من العلوم، فإنا لنحتاجه أشد من حاجتنا إلى دراسة قواعد الإملاء والتفاعيل الصرفية، وإنا لنراه ألزم لناشئتنا من عشرين قصيدة عرجاء يلقنونها عن ظهر قلب لصفي الدين الحلّي وابن نُباتة السعدي وابن سناء الملك والفتح بن النحاس.
فإذا مرنت الناشئة على الثقافة الاقتصادية ومهرت فيها فإنه يكون حينئذ من السهل عليهم جداً أن يطبقوا ما يسهل تطبيقه ويتألفوا بحنكة ولطافة ما يصعب عليهم، وتكون الروح الاقتصادية عندئذ مشاعة بين الجميع كهذا الهواء المشاع، فما من حاجة تدعونا أن نشجعهم على الكرم الحاتمي أو نغريهم به، فإن الخصلة -وهي خصلة واحدة لا تتغير- لتبلغ في زمن نهاية الحسن والطيب، بينما تكون في زمن آخر المثل الفظيع في الرداءة والقبح! وكل زمان يطبع الله جل وعلا أهله بطابعه أرضوا ذلك أم كرهوا؛ ففي العهود السالفة يحب كل إنسان أن يشتهر بأنه كريم، أما الآن فما بالمرء من رغبة بأن يكون كذلك حينما يقضي عليه هذا الكرم المصطنع بأن يمضي بعض الأحيان الليالي الطوال ساغباً لاغباً.
فلندرس الثقافة الاقتصادية دراسة واسعة، وإنا لحقيقون بعد بأن نرفع مستوانا الاقتصادي إلى ذروة عالية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :389  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 170 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج