شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هذا البدوي الأديب يقول عن الشعر النبطي:
الشعب لا يتنفس إلاّ عبره.. (1)
حوار: فهد العرابي الحارثي ومحمد العجيان وإبراهيم الفوزان
.. حسين سرحان.. أراد الله أن تكون له أجنحة بلا ريش.. وأن تكون له أجنحة بريش في آن معاً.. وهذا محار مرهق ورشيق كان الناس قبل يوم أو يومين يمسحون عرقهم في أعتابه.. ويحيكون من خيوط عيونهم جسراً يعبرونه إليه.. ثم يحطمون هذا الجسر كي يقطعوا على أنفسهم "خط الرجعة" وكل تلافيف أدمغتهم تقول: أحسنتم..!! حتى لقد أصبح عرفاً أرخى رموشه على الحظيرة أن من كان له أجنحة بريش من غير الطبيعي أن لا يكون له أجنحة بلا ريش أيضاً..
.. والناس في هذه الساعة واليوم الذي يليها غمسوا أصابعهم في الصدف والنحاس وفي وسادة "قارون" ثم أخرجوها مذبوحة وكتبوا على بوابة الحظيرة بها: ممنوع الدخول إلاّ لمن كانت له أجنحة بريش.. ولكن السرحان وجماعته القليلة بصقوا على هذه الحروف الساذجة وحطموا الباب الموصد.. وقالوا: نحن أجنحتنا بريش وبلا ريش.. والتحدي على جباهنا منقوش..
وكان السرحان.. وكانت لحظات استيعابه.. فجاءت لحظات تدفقه.. فعشناها طويلاً.. إعجاباً وطلباً لـ "ثروة!"..
وكنا ثلاثة نتمنى أن نلقاه فجاءت المناسبة فذهبنا إليه في مكة: محمد العجيان مدير التحرير والصديق الأستاذ إبراهيم الفوزان والمحرر.
سألناه عن تدفقه؟! فقال: اسألوا ولدنا.
فبحثنا عن زامل.. فقالوا إنه في بيروت.. فكدنا نعزم أن نكتب له هذه الجملة: "كبر الأقفال واتركها مفتوحة!"..
قلنا: ألا تضع من الناس "زاملاً" آخر؟!
قال: ولكني كسول -أقصد مزاجي- هناك من يطالب، ولكني لا أستطيع أن ألتزم.
كنا حتى هذه اللحظة لم نفاتحه في موضوع هذا الحديث.. فلما سمعنا هذه الكلمات كدنا أن نصدم.. وكان قبوله لإجرائه في اعتقادنا لا يتعدى نسبة رفضه.. لم أصبر حتى نخوض في أشياء أخرى فقلت: عندي أسئلة أرهقها بحثها عن جوابك؟!
قال: اكتبها واتركها.. وسأبعثها لك..
قلت: ولكنك كسول، لا تلتزم.. فأخشى أن "تميعها!".. ولا تنس أن "زاملاً" في بيروت.. أريد الجواب الآن؟!
ضحك وقال: ما منكم "فكه!"..؟! توكلنا على الله..
ثم بدأنا وكنا "العجيان والفوزان وأنا" نشترك في حواره..
- قلت له: العزلة قد تكون تفسيراً لمرحلة تأمل واكتشاف.. وقد تكون إيثاراً للصمت لعقدة في فحواها التشاؤم مثلاً.. وقد تكون رفضاً لمناخ محيط وقد تكون شيئاً آخر غير ذلك.. حسين سرحان ما هو سر عزلته الطويلة؟!
- أجاب: أولاً أنا غير منعزل.. فأنا أتصل يومياً بأصدقائي وزملائي في العمل، ولست أؤثر العزلة بحال من الأحوال.. أنظر في شتى الجهات وبكل الوسائل فلا أجد من يتجاوب معي، في مثل هذه الحالة أؤثر العزلة..
- "أنا أفكر أنا إذن موجود".. أنا أتكلم أنا إذن موجود.. أنا صامت أنا إذن موجود.. أنا أحب أنا إذن موجود.. حسين سرحان كيف يفسر وجوده: بتفكيره.. أم بكلامه.. أم بصمته.. أم بحبه؟!
- للرد على مثل هذا السؤال يكفي الإِنسان أن يكون مسيطراً على إحساسه التام بكل ما يشمله وما يشتمل عليه، عندئذ يكون موجوداً ولو لم تتوفر الوسائل السالفة الذكر لإثبات وجوده..
- الكلاسيكية.. الرومانسية.. البرناسية.. أي هذه المذاهب تراه أكثر استيعاباً للشاعر المعاصر؟!
- الشاعر المعاصر إذا كان دافق الحيوية ومتمكناً من ضبط شعوره ثم محسناً للتعبير عنه.. مثل هذا الشاعر إذا وجد لا تهمه عندئذ الطرائق والأساليب على مختلف ألوانها، وبالتالي لا يكون ملزماً بأن يتعبد لأي صورة من الصور الشعرية في كل ما تسبغه من ألوان.
- قلت له: هل يعني هذا أن حسين سرحان الشاعر لا ينتمي إلى أي مدرسة شعرية؟
- قال: أنا حسين سرحان.. والشعراء الذين يجيدون صناعة الشعر شعرهم أثبت وأقوى من هذه الطرائق.. فأنا مثلاً عندما أنظم أي قصيدة أو مقطوعة في أي موضوع كان أبدأ بالقصيدة وأنتهي منها.. قبل أن يلم ببالي شيء اسمه برناسي أو كلاسيكي أو رومانتيكي..
- هنا تطوع الصديق إبراهيم الفوزان بسؤال السرحان فقال: متى يقيم الشاعر سوراً من الأمل حول نفسه؟!
- أجاب السرحان: نحن لا نفترض أن الشاعر أياً كان لا تنطلق له مناديح الشعر إلاّ إذا أقام سوراً من الأمل حول نفسه كما ذكرت.. ومعنى ذلك أن الشاعر حتى وإن كان متشائماً يجب أن يوقد حول نفسه بصيصاً من النور.. ويظل يغذي شعلته الذهنية، وبذلك لا يحتاج أن يقيم سوراً من الأمل حول نفسه.
- سألت الأستاذ السرحان: القصة القصيرة هي سرد لجزء بسيط أو معقد من جزئيات الحياة.. والقصة الطويلة هي الحياة كاملة محددة ببداية ونهاية.. هذا "مفهوم" لنوعي القصة هل توافقه أو تصححه؟!
- إن السؤال يجب أن لا يكون هكذا وأن ندخل إليه شيئاً من التعديل.. فتعريف القصة أو الرواية على طول أو على قصر ما يزال مختلفاً عليه.. فربما قصة قصيرة تستوعب في سردها أنماطاً عالية من الحياة.. وعندك مثل على ذلك قصص "غي دي موباسان" الروائي الفرنسي.. ونجد من يغالي في الروايات الطوال وهي على فرط إملالها واسترسالها في توضيح بعض التفاصيل التي لا لزوم لها نجد أنها لم ينبغ فيها سوى أفراد يعدون على الأصابع، منهم مثلاً تولستوي في الأدب الروسي.. وفي الأدب الفرنسي أناتول دي فرانس.. وإميل زولا.. وفي الأدب الإنجليزي برنارد شو، وعلى أن الأذواق تختلف في الترجيح بين القصار والطوال من الروايات والأقاصيص.
- قلت له: ذكرت في إجابتك -استشهاداً- بعض الأسماء الغربية والشرقية اللامعة في أدب القصة ثم لم تذكر أحداً من قصاصينا العرب؟!
- أجاب: الأدب العربي لم يتقدم إلى مستوى العالمية في القصة والرواية.. وإذا أذكر توفيق الحكيم ومحمود تيمور فهذا يكفي.
- قلت: ونجيب محفوظ؟!
- قال: هذا قاص "بلدي".
- هنا سأل الزميل الفوزان هذا السؤال: ما مدى ارتباط حسين سرحان بأدب بلاده؟
- أجاب: إن إنتاجي المنشور في الصحف السعودية من نثر أو شعر أو غير ذلك إذا كان لا يوحي بأني مرتبط بأدب بلادي فعلى كل ذلك العفاء..
- ثم تحفز بعد ذلك الزميل محمد العجيان ليسأل هذا السؤال: ما مدى توفر العوامل التي تساعد على ثبوت مدلول العالمية في أدبنا السعودي؟!
- أجاب السرحان: هل تعتقد أن هناك عوامل تثبت عالمية الأدب في أدبنا السعودي؟ أنا أرفض الإجابة عن هذا السؤال..
- قال الزميل العجيان: والمؤتمرات الأدبية ما رأيك فيها؟!
- أجاب: ماذا جنينا من الاشتراك فيها؟
- قال العجيان: قد يكون فيها محاولة للتعريف بأدبنا..
- رد السرحان: هناك عوامل أخرى غير المؤتمرات قد تُعرّف بأدبنا.. بوسائل النشر استطاعت أكثر الدول العربية أن تعمم أدبها..
إذا كان هناك مؤلفون.. فمؤلفاتهم عندنا تأكلها "العثة".. ليس هناك تشجيع..
- قال الزميل العجيان: هل تعتقد أن على المجلس الأعلى للآداب والفنون معوَّلاً في هذا الأمر؟!
- أجاب: هل هو الآن ميت أم حي؟!
- قلت: إنه قيل: من الممكن أن يصبح كل صحفي أديباً.. وليس من الممكن أن يصبح كل أديب صحفياً؟!.. هل لك تعليق؟!
- قال: لا أعتقد أن هناك صلة ما بين الصحافة والأدب، ذلك أن الصحافة لها رسالتها الخاصة وإن كان من شأنها أن تخدم الأدب وتروج له وتشجعه.. هناك مثلاً محمود أبو الفتح صاحب دار المصري بالقاهرة أصدر صحفاً يومية، وأسبوعية وشهرية.. وكانت مثالاً للنجاح الصحفي.. بينما كان أسلوبه في الكتابة أسلوباً عادياً وعلى جانب من الضعف اللغوي.. وعندنا مثلاً الشيخ حمد الجاسر وابن خميس وابن إدريس هؤلاء اشتهروا بالأدب وبأساليبهم الرفيعة وتمكنهم من اللغة والبيان قبل أن يشتهروا بأنهم صحفيون..
- قلت للسرحان: سأقول لك آراء في عدد من الأدباء قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة.. قد تمثل وجهة نظري وقد لا تمثلها.. المهم أن توافقها أو تصححها أو تذكر رأيك المغاير..
خذ أولاً: حمد الجاسر مؤرخ ولغوي ولكنه ليس فناناً؟!
- قال: أما أستاذنا الجاسر فإنه متمكّن من المعرفة التامة باللغة والتاريخ والجغرافيا، ولا يعنيه بعد ذلك أن يكون فناناً، وليس ذلك من شأنه..
- قلت: حمزة شحاتة فنان لم يبق سوى ذكراه؟!
- قال: وأما حمزة شحاتة فهو فنان إلى الأبد.. وقد جمع من المزايا ما لا يستطيع أحد أن يجمعه في إهابه.
- قلت: عبد الله بن خميس شاعر جيد.. ولكنه "واقف"؟
- قال: ومحدث ومؤرخ وذو أسلوب قوي وروحه روح فنان.
- قال: عزيز ضياء ثري من أثرى أدبائنا.. ولكنه أكثرهم بخلاً؟!
- قال: إنه ليس بخيلاً، ولكن لعلّ له ظروفاً تساعده على أداء العمل الأدبي على النحو الذي يرغبه، وكنت أود لو استغل معرفته التامة باللغة الإنجليزية والأدب الإنجليزي فترجم لنا وأثرانا بكثير من الروائع.
- قلت: أحمد جمال، هل نسي أنه شاعر؟!
- قال: لقد عرف طريقه في الكتابة الاجتماعية وأجاد فيها وبرز ولا يعنيه بعد ذلك إن لم يعد شاعراً.
- قلت: والعواد محفور على لسانه "أنا ابن جلا..".
- قال: تقول أنت إنه محفور على لسانه "أنا ابن جلا".. فما ذنبي أنا!!
- قال الفوزان: حسين سرحان مزارع يزرع الكمون في وادي العدم (2) ؟
- قال السرحان: وهذا أحسن تعريف له..
- قلت: الناس يعرفون عنك أنك تمارس الشعر النبطي والشعر الفصيح.. ترى أيهما أكثر مطاوعة لك في التعبير عن انفعالك الحاد؟!
- كلاهما.. فأنا أميل إلى الشعرين وأنظمهما وأستظهر منهما الكثير.. ولا أرجح أحدهما على الآخر.
- هل ترى من النبطي خطراً على الفصيح؟!
- لا خطر منه على الشعر الفصيح..
- كيف تفلسف وجوده؟!
- هو أدب شعبي.. مثل الزجل والموال في مصر.. الشعب لا يتنفس إلاّ عبر الشعر النبطي.. وهو أداؤه الوحيد عن مكنونات نفسه.
- من يعجبك من الشعراء النبطيين؟!
- في القديم راكان بن حثلين ومحمد القاضي وابن لعبون.. وابن سبيل.. وفي الحاضر مطلق الثبيتي ولويحان وعلي بن عايد الزيادي وغيرهم..
- آخر قصيدة لك في الشعر النبطي؟!
- آخر ما نظمت قبل يومين:
يا من لقلب ما يهوجس بالعماله
ما نشد عنها ولا هي من همومه
همته فاهل الرجاله والشكاله
والنذاله من يصيب اللي يلومه
- قالوا: إن شعر الفحولة البدوية أكثر جفافاً وأقوى صلادة.. وإن الشعر الحضري أرق لحناً.. وأغدق ظلاً.. حسين سرحان أين يقف من هذه النظرية؟!
- إن هذه النظرية قديمة جداً، وقد لهج بها النقاد في العصور العباسية وما بعدها، منهم ابن قدامة، وأبو هلال العسكري، وابن رشيق.. وبحثوا هذه الظاهرة وتطرقوا إلى أسبابها ونتائجها، وكتبهم المؤلفة والمطبوعة غنية لمن يعنيه هذا البحث..
وأنا أرى أن شعر الفحولة البدوية طبيعي جداً فهم يعيشون بين النؤي والطلل والأماكن المجدبة والموحشة فيجيء إنتاجهم ممثلاً لهذه القسوة والشظف، ويعبر عن ذلك أحسن تعبير في جزالة صارمة ومفردات لغوية لا تفهم إلاّ إذا توبعت بالشروح، وبالعكس من ذلك الشعر الحضري.. ففي أواخر العصر الأموي إلى عصور العباسيين بلغ الرفاه والترف مبلغاً عظيماً وتنوعت الصنوف من الأشربة والأطعمة والألبسة، وعلى ذلك لا عجب إذا كان الشعر الحضري أرق لحناً وأندى ظلاً..
- قلت: قال الشاعر:
"أشكوكِ للسماء
أشكوكِ للسماء
كيف استطعت، كيف
أن تختصري جميعَ ما في الأرض من نساء" (3) .
صورة جميلة بمعنى جديد.. قالها شاعر حديث.. كيف ينظر إليها السرحان؟!
- إذا أمكن لهذه المرأة أن تختصر في شخصها جميع ما في الأرض من نساء فإني أهنئ هذا الشاعر على التقاطه لهذه اللوحة البارعة الحسن..
- قال الفوزان: أيهما تفضل: حديقة فينانة في ظل قصر، أو خيمة في بطن صحراء؟
- أختار الخيمة في بطن صحراء على ألاّ تكون قاحلة "تعود لجدودها ولو قرحت".
- آخر قصيدة لك؟
- لا أدري اسألوا ولدنا زامل.
- آخر مؤلف سعودي قرأته.
- أيامي لأحمد السباعي.
- ما رأيك فيه؟
- رأيي فيه كرأيي في مؤلفه، فهو كاتب بارع فكه ويجيد الكتابة في أمثال هذه المواضيع التي تشبه المذكرات الشخصية.
- قال العجيان: والشعر الحر هل قلت فيه شيئاً؟
- لا، هذا ليس شعراً، الشعر الحر يدل على ضعف الشاعر.
- هل سبق أن اشتركت في مؤتمرات أدبية؟
- لا لم يسبق.. قبل تسع سنين وصلتني دعوة للاشتراك في مؤتمر أدبي فلم أشترك لظروف خاصة.
- هل سبق أن عملت في الحقل الصحفي؟
- كنت محرراً في جريدة البلاد السعودية مع أحمد جمال وعبد الله عريف ومحمد عمر توفيق وطاهر زمخشري، وكنا نقوم بتصحيح "البروفات" وكتابة بعض الأخبار والمقالات.
- هل حققت نجاحاً في هذا الميدان؟
- لا أعتقد أنني نجحت، لعدم ميلي إلى العمل الصحفي.
- أدب الشباب هل أدى دوره كأثر نشيط؟
- على الشباب أن يكافح كما كافح الشيوخ، وأن يقرأ كثيراً وأن يتضلع في لغته؛ فكثيراً ما نقرأ اليوم من الأخطاء اللغوية والنحوية والإِملائية والصرفية في إنتاج أولئك الشباب، والذي لا يتمكّن من استيعاب لغته لا يمكن أن ينجح.
- ومعاركك الأدبية ما هي أشهرها؟
- اسألوا الساسي (4) ، فوالله إني قد نسيتها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :318  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 147 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.