شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
يوم مع حسين سرحان (1)
رافقه 24 ساعة محمد عبد الواحد
طريق طويل.. شاق.. رمال.. وصخور.. شاحب بلون الثرى.. وهي كأشباح الليل السوداء، هو طريق "الزهد".. الذي خطا الأستاذ السرحان فيه خطوات بعيدة.
واليوم سنقضي أربعاً وعشرين ساعة معه.. مع الرجل الذي ابتعد عن الأضواء، وفضل أن يعيش حياة "الظل" بعد أن تساوت عنده الظلال والأضواء.. لقد كره الأضواء واجتاز الملل عبر أربعة وخمسين عاماً.
لقد اختفى.. ولكنه ينفي ذلك عن نفسه قائلاً: يكفيني أن "الظل يتحرك"..
مع الرجل الذي اختفى.. وهو ينفي من نفسه قائلاً: يكفي أن الظل يتحرك.. مع فيلسوف الزهد.. حسين سرحان.. سنقضي يوماً معه.. مع آماله التي طواها الليل.. ومع أحلامه التي بددها نور الصباح.. ومع حرمانه الذي يعيشه قانعاً راضياً.. مع "السرحان" الذي ينام في اليوم ساعتين.. ولا يسمع شيئاً آخر غير نفسه، فهو لا يملك جهاز راديو، مع السرحان في بيته البسيط ومعه أطفاله الصغار.. أو البسمات الملونة في حياته.
ولن أمضي كثيراً في تقديم السرحان.. بل أقول: لقد اعتذر عن تقديم غداء لنا.. وقدم لنا وجبة أقرب من "عشرة أطباق" أو عشرة كتب نختارها.
- أحمل في جيبي العديد من رسائل القرّاء، يستفسرون فيها عن سبب اختفائكم وانقطاعكم عن الكتابة.. ونحن بدورنا نسألك هذا السؤال: لماذا انقطعتم عن الكتابة؟
- أعتقد أنني لم أختف بعد، ودليلي على ذلك أني أعيش كل يوم كما أعيش في اليوم الذي قبله غادياً رائحاً بين الطعام والمنام، ويضاف إلى ذلك أني إذا مشيت في النهار أو في القمراء بدا لي ظل يطول أو يقصر كما يبدو لكل الأجسام المتحركة ذوات الأبعاد.. أما الكتابة والنشر من نثر إلى شعر فليست على أي حال بدليل على الوجود، فإن كثيراً من هؤلاء الذين يفعلون ذلك يعتبرون في عداد الأموات وإن كانوا أحياء متحركين في ما ترى العين.
وشيء آخر يصح أن يكون قرينة مع الدليل: أن الأشباح والأرواح تعيش ولا ريب في وجودها وليس عليها أن تعطي برهاناً بظهورها أو بعدمه.
- عمرك الآن ثلاثة وخمسون عاماً.. ارمِ ما تبقى من عمرك في البحر وتخيل أن المتبرعين لحملك إلى مثواك الأخير سيمارسون عملهم بعد ساعة من الآن ماذا سوف تعمل في هذه الساعة؟
- إن البحر.. أي بحر لن يزيد أي شيء إذا قذفت فيه بعمري، فإن عمري بكل ما فيه لن يبلغ حتى إلى فصيلة الأصداف المتقوقعة.
أما الساعة الأخيرة فلن أعمل فيها شيئاً يمكن أن يكون جديداً بل إني أفضل أن أستمر على ما أنا عليه، سواء كنت آكل أو أشرب أو أمشي أو مستعداً للنوم، ولن أبدل شيئاً من أسلوب حياتي في سبيل هذه الساعة الأخيرة.
- يعشق أكثر الناس، البقاء ترى ما هي أسباب هذا العشق؟
- الذي يبدو لي أن أكثر الناس الذين يعشقون البقاء إنما يعشقون ذواتهم قبل كل شيء، ولو أن البقاء متصل بهم وغير متعلق عليهم لما كان هناك معنى لعشق البقاء.
إن أقل الحشرات في الدنيا تعشق البقاء أيضاً، ذلك لأنها تريد أن تعيش ولو لم يكن في عيشها أدنى منفعة لعالمها الذي تعيش فيه.
والذين يقولون إن عشق البقاء غريزة متأصلة إنما يلمحون إلى هذا المعنى. إن البقاء بلا هدف يتوخى منه ولا مصلحة تنال من ورائه إنما هو سبيل محتوم إلى الفناء.
- همنجواي ضاق بالحياة وتركها وهو في قمة الثراء.. كيف تفسر هذه الظاهرة وهي انتحار فيلسوف رغم ثرائه المعنوي والمادي؟
- في جواب السؤال الذي قبل هذا.. أشرت إلى الخصائص العامة في أسباب البقاء..
لقد كانت أسباب حب البقاء متوفرة عند "همنجواي" حقاً من كل نواحيها ولكن أحياناً قد تكون الأسباب الداعية إلى البقاء هي نفسها الأسباب التي تدعو إلى الملل والضجر من طول البقاء.
إن الفلك عندما يعنى بتقلباته وإدارة شؤونه قد يحل الأسباب السلبية محل الإيجابية أو بالعكس.. وهمنجواي عاش في مجتمع مادي متناقض مذموم، وقد يكون إحساسه استيقظ في أيامه الأخيرة فشعر بآلام الملايين الآخرين مختلطاً كل ذلك بوخز الضمير.. ثم إنه عاش عمراً طويلاً وعريضاً على حد تعبير "ابن سينا" ولم يبق له في الحياة عندما يبلغ القمة سوى أن يبدأ في الانحدار منها إلى السفح.. ولهذا انتحر همنجواي.
- الحياة كيف كنت تعيشها في سن الخامسة عشرة وكيف تعيشها اليوم؟
- لو أن العمر يرجع القهقرى لكان والله ألذ وأمتع وأنبل.. عندما يبلغ الإنسان الخمسين مثلاً يرجع إلى الخامسة والأربعين.. ثم إلى الأربعين، وهكذا.. فإن الصبا يعود فيناناً والجسد يبدأ في البضاضة وأحلام الطفولة تتكرر وتصبح الدنيا وكأنها مزينة لاستقبال "عريس" قادم من أعالي الأولمب، وقد كنت أقول أيام كنت لا أزال شاعراً في قصيدة غير عتيدة:
ولو أن التمني من طباعي
وددت لو أنَّني طفلاً أكونُ
أصرح بالفعال ولا أبالي
وأصدق في الكلام ولا أمينُ
وتركاضي هنا وهناك عفواً
متاع في يد الدنيا ثمينُ (2)
لقد عشت الحياة وأُنسيت -بضم الألف- كيف عشتها.
أما اليوم فقد بطل إحساسي بها وتبلد شعوري فيها.
- ما هي الحياة؟
- الحياة ليست حزمة من الفجل والخس حتى توصف بالخضرة والرواء، ولا هي أيضاً قطعة من حديد حتى تنعت بالصلابة، ولا هي بين بين.
لقد عرفت الحياة في كل المفاهيم وفي كل اللغات ومع ذلك لم يبلغوا منها ما يريدون.
الحياة في ما أرى هي السعادة..
وأنى للإنسان بسعادة تدوم معه مدى عمره ثم لا تنتهي إلا بنهايته، إن ذلك فوق كل طاقته مادية كانت أو روحية.
والحياة لا تفسر إلاّ بأن الكائن العضوي يحيا حياة معلومة محدودة ثم يموت.
- قلت إن الحياة هي السعادة. إذاً ما هي السعادة في نظرك؟
- إن السعادة في نظري -وحسناً إذ حددتها بنظري القريب- لا تعترف بنظرة واحدة من رجل واحد، هناك ملايين السعادات بعدد ملايين بني الإنسان.
فالذي يرى السعادة في جمع المال غير الذي يرى السعادة في بذله وإنفاقه.
ثم إن السعادة مثل الطائر الخرافي أو مثل طير "الرخ" الذي يوصف في الأساطير ولم يتحقق وجوده.
السعادة في نظري.. تكون في التأمل واستطلاع أحوال هذا العالم المغلوب بأهله، يضاف إلى ذلك راحة البال مع شيء من البلاهة!
- يقول بعض الشعراء وبعض الكتّاب إنهم يستلهمون الوحي في كل ما يكتبون.. ترى هل يقع هذا فعلاً؟
- إن الوحي في ما قرأناه في الكتب الدينية لا يعرج إلاّ إلى الأنبياء، وقد اصطلح المتأخرون -تجاوزاً- على استعمال الوحي والإِيحاء من إنتاج الكتّاب والشعراء، بينما كان شعراء الجاهلية يقولون إن لكل شاعر شيطاناً يلهمه شعره، ولهم في ذلك قصص معروفة..
أما أنا شخصياً طيلة حياتي لم ألتقِ لا بوحي ولا بشيطان، ولو وجدت أحدهما لأمسكت بتلابيبه وجعلته رهن إيساري وأغدقت عليه ما يشاء ثم ألزمته أن يكتب لي وينظم كل ما أشاء، وما علي إلاّ أن أضع توقيعي تحت جهده المبذول شاكراً..!
- هل تحتفظ بنسخة مما تكتبه؟
- أبداً.. لا أحتفظ بشيء إلاّ في ما يندر.. وتحضرني الآن قصة روسية كان قد ترجمها عن الإنجليزية المرحوم الأستاذ المازني بعنوان "ابن الطبيعة" قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وقد انتحر "لوري" أحد أبطال القصة فقال "سانيني" وهو بطل القصة الأول:
وماذا إذا نقصت الدنيا مجنوناً واحداً؟
وإذا نقصت الدنيا من إنتاج المدعو حسين سرحان مع تحياتي إليه فماذا تنقص الدنيا؟
- أبو حيان التوحيدي أحرق كل مؤلفاته قبل أن يموت، وكان تعليقه أن الناس لا يستحقون قراءة ما كتب.. ما رأيك في هذا القول؟ وهل كان مصيباً؟
- أي والله.. لقد كان مصيباً.. جد مصيب.. بل لقد بلغ ذروة الإصابة.. ففي بغداد التي كانت تزخر بالمتع والنعم وكل وسائل الترف والرفاه -في هذه البلدة المنحوسة- يصاب التوحيدي بالفاقة والإملاق.
أليست هذه من المفارقات العجيبة؟
من يبتاع منه مؤلفاته وهو لا يجد من يفهمها، فضلاً عن قراءتها، وقد عكف الأمراء والوزراء في وقته على اللذاذات وأهملوا كل القيم الروحية.
إن المادة والمتعة عندما تسيطران على بلد تختل كل مقاييسه، زد على ذلك الأنانية التي تجعل الفرد لا يحس إلاّ بوجوده الذي يتناسى به وجود الآخرين.
الفم الملآن المكتظ بأنواع الأطعمة لا يشعر بوجود الفم الخاوي إذا التصقت شفتاه من الجوع والطوى.. كلا.. مؤلفاته للنار إنها أرحم من هؤلاء الأوغاد..!
- الحب كلمة يلوكها الكثيرون ويعرّفها الكثيرون بتعاريف مختلفة.. ترى ما هو الحب؟
- لم أعرف الحب في حياتي بمعناه الحقيقي.. قد أذكر مرة واحدة أحببت فيها نفسي حباً جماً، وصرت أتطلع إلى المرآة كل حين، ومن يعرف صورة وجهي يدري أني كنت مغروراً جداً، بل إني لا أستعمل "المسهل" ولا العقاقير المقيئة.. يكفي أن أنظر إلى وجهي كل صباح فأبلغ من كل ذلك ما أروم..
هناك أسطورة يونانية تذكرني من "الميثولوجيا" وهي أن "نرجس ليريوك" كان فتى إغريقياً رائع الجمال.. فهام بحب نفسه وأصبح يتطلع إلى وجهه في صفحات الغدران والبحيرات، إلى أن سخطت عليه آلهة الأولمب فمسخته زهرة من النرجس -وأزهار النرجس ما تزال إلى الآن مهطقة "أي مطأطئة" برؤوسها إلى الغدران نابتة على حوافيها، تنظر إلى أحداقها بكل عشق مبرح.
- حدثني عن حياتك كمتزوج.. وما هي محاسن الزواج ومساوئه؟
- إن حياتي كمتزوج -ككل متزوج- فيها ما يسر وفيها ما يحزن، ولكن الإنسان عندما يعيش وحده يصبح شقياً على الرغم منه.. أما إذا قرن إليه شخصاً آخر فكيف يكون؟ سيكون فوق الشقاء بمراحل..
وليس للزواج من محاسن إلاّ أنه نقمة لا بد منها وليس عنها محيد مثل الموت، إلاّ في ما يشذ في حالات استثنائية.
ولولا أن الله يريد عمار هذا العالم لما كان هناك للزواج من موجب فإن الأحياء المائية والجوية والبرية تتوالد وتتناسل بدون حاجة إلى زواج، وقد يقال: إن الإِنسان بطريقة مثلى على أرفع من ذلك.. ولكن هذا هو السر في بأساء الإِنسان وشقائه.
- يتحدث الشباب هذه الأيام عن مشكلة غلاء المهور بحزن وأسى.. ويزيد بالتالي حنقهم وغيظهم على الشيوخ والآباء.. فما رأيك؟
- إن الزمن يتطور، والناس يتطورون بتطوره، فغلاء المهور ليس من صنع الناس كما أرى، ولكنه من فعل الزمن..
وإذا عقدنا غلاء المهور بالأسباب الجذرية.. فإن غلاء أسعار الحاجيات من كمالية وضرورية من أهم وأعمق أسبابها..
فالبيت الذي كان إيجاره مائة ريال أصبح اليوم لا يقل عن ألف ريال..
الملابس، الأثاث، الدخلة، الخرجة، نفس الشيء.. وكما قال ابن سينا، عوداً على بدء:
دخولي كاليقين بلا امتراء
وكل الشك في أمر الخروجِ (3)
فإذا صح للآباء أن يتواضعوا في طلب المهور فإن على الآخرين ألاّ يقدموا على الزواج إلاّ وهم قد أعدوا كل مستلزماته.
- ما تقول.. ليس عجيباً، ولكني لا أوافقك.. المهم لقد جئتك أطلب يد ابنتك فكم تتطلب مني مهراً؟
- هذا عجيب من عدة وجوه.. على كل.. أهلاً بك.. ولكن أود أن أقول:
أولاً- إنه ليست عندي ابنة للزواج، ولو كانت عندي لأعطيتها كفؤها في الأخلاق والنسب.. ولو بأقل المهور وأنت أهل لذلك..
المهم ليس كل هذا..
إن قوانين الزواج لدينا ذات صفات لحمية وقبلية -إلاّ في ما شذ- ولذلك فإن الزواج أو الخطبة لا يمكن أن تكون مسألة مرتجلة بسرعة، كما كان المرحوم عبد المحسن الكاظمي (4) يرتجل الخمسين بيتاً من الشعر في مقام واحد، ولا تجد في كل شعره رحمه الله، بيتاً واحداً يصح أن يكون من الشعر -بمعناه- إلاّ من بحره وقافيته.
- أسمعني بيتاً من شعرك.
- لا تُهني بعد الذي كان مني
قد كفى، آدني الزمان هوانا (5)
- ألق على نفسك سؤالاً وأجب عليه؟
- كان السؤال يجب أن يكون: لماذا يعيش الذي في القمة ولا ينظر إلى من في السفح؟
والجواب: .. وهذه القدر التي تطبخ اللحم حتى تنضجه لا تفكر مطلقاً في هذا الحطب المسكين الذي يتوقد تحتها ويفني نفسه من أجل إنضاجها.
هذا الذي يبيع اللحم والخضر والفحم والحطب يصنع هذا من أجل من فوقه، والذين من فوقه يفعلون هم بدورهم الذي يناسب من فوقهم.
كذلك هذه الأدوار المتوالية المتناقضة على اضطراد لو اختل طرف شعره منها عن مكانه لانعكس كل شيء في هذه الحياة.
- يقال إن "نيتشه" فقد عقله من أجل حصان؛ فبينما هو يسير في أحد شوارع مدينة لورين شاهد حصاناً يضربه صاحبه ضرباً أليماً فألقى بنفسه عليه ليحميه، ثم سقط على الأرض صريع الجنون..
وقبل أن أصل إلى منزلك شاهدت حمَّاراً -بشد الميم وفتحها- ينهال على حماره ضرباً بعصا غليظة، ولكن لم يثر هذا المنظر من المارة أدنى عطف على الحمار المسكين.. كما أنني لم أفقد عقلي ولم يفقد الناس عقولهم.. ترى لماذا فقد نيتشه عقله من أجل منظر مشابه لهذا؟
- جن نيتشه لأنه نيتشه.. أما لماذا لم تفقدوا عقولكم إثر ذلك المنظر.. فهو لسبب واحد هو أنه ليس يوجد بينكم من يحمل عقل نيتشه!
- ما هي الوسيلة لإيجاد سلام حقيقي يسود العالم..؟
- دعنا من السياسة.. فلن تجد لأسئلتك إجابة لدي ترضيك..
ولكن.. في تقديري أنه لن يسود العالم سلام حقيقي، ما لم تفن إحدى الدولتين المتنافستين!
- متى تقوم الحرب وهل تتوقع أن هناك ثمة أسباباً لقيام حرب عالمية ثالثة؟
- ستقوم الحرب غداً.. أو بعد غد.. وأرجو أن لا تشغل ذهنك بقيامها.. فهي قائمة.. منذ زمن.. أما السبب فسيكون في تقديري؛ الاقتصاد!
- الدول الكبرى مستمرة في إنتاج الأسلحة النووية.. ترى هل هذا سبيل إلى سلام دائم أم إلى حرب طاحنة؟
- كل دولة من هذه الدول الكبرى عندما تنتج الأسلحة النووية تتذرع دائماً بحجة الدفاع عن النفس وتأخذ من هذه الحجة معبراً عن وجهة نظرها، ولكنها في الواقع إنما تنتج هذه الأسلحة لترضي شهوات العدوان كلما تملكها -وها هي إسرائيل مثلاً- إنها تستورد الأسلحة وتنتجها.. وتتذرع دائماً بحجة الدفاع عن نفسها.. ولكنها إنما تعمل هذا من أجل شيء واحد فقط هو إرضاء شهوات العدوان من نفسها.
ولهذا فلن يكون إنتاج هذه الأسلحة سبيلاً إلى سلام، بل إلى حرب طاحنة، فهذه الأسلحة تصنع من أجل الحرب وحدها.
- إبراهام لنكولن اغتيل، وجون كنيدي اغتيل من أجل مشكلة واحدة، هي مشكلة الزنوج في أمريكا. ترى هل إصدار قانون الحقوق المدنية أوجد حلاً للمشكلة؟
- أولاً لماذا هذه الأسئلة؟ أليس من الأفضل أن تسألني.. هل سأقدم لكم "غداً" أم "ستظلون على الطوى".. على كلٍ سأقول لك رأيي..
مشكلة الزنوج في أمريكا ستظل قائمة إلى الأبد، لأن البيض يعتقدون أن ثمة أخلاقاً للسود تختلف عن أخلاقهم، ولهذا فالمشكلة لن يحلها إلاّ قانون واحد هو أن يغير السود جلودهم.
ويغير البيض ما بعقولهم..
- كم ساعة تنام في اليوم؟
- ساعتين ولله الحمد.. وسأروي لك قصة:
في عام 73 وبينما كنت في بيروت أصبت بألم ليس خطراً كثيراً.. فذهبت أعرض نفسي على أحد الأطباء.. وبعد الكشف قال لي الطبيب المنحوس بأنني لن أعيش أكثر من سنة واحدة، وأنه يتوجب علي أن آكل جيداً وأنام جيداً، وأقلع عن بعض العادات كالسهر مثلاً..
ولكنني فضَّلت على ما أنا عليه.. وفي آخر السنة التي حددها الطبيب المنحوس.. سهرت ليلتها.. أنتظر قدوم عزرائيل ولكنه مع الأسف.. كان مشغولاً بزيارة آخرين غيري.. من جهات ما من الأرض، ولبثت أنتظر اثنتي عشرة سنة، ولكن يظهر أن الطبيب الذكي تناسى أن يحدد له موعداً لزيارتي.
وفي العام الماضي.. زرت بيروت وعرَّجت على الطبيب الذي يحدد أعمار الناس على مزاجه.. وبعد أن عرفني.. وذكرته بما قاله لي.. قال: "معذور مسكين شو بيعجبو فيك..".
- هل تسمع الراديو..؟
- لا..
- لماذا؟
- لأنني لا أملك راديو.. وأفضل أن أسمع نفسي..
هل... وقبل أن أكمل سؤالي.. قاطعني قائلاً:
دعك من الأسئلة الآن.. هيا قم إن عندي لك مفاجأة.. ودخلنا معاً مكتبته التي تحوي أكثر من عشرة آلاف كتاب، وبينما كنت أدفن رأسي بين دفتي كتاب ضخم كبير سمعته يقول: اختر عشرة كتب.. إنها هديتي إليك بدلاً من الغداء.. وقبلت رغم أن الجوع كان يمزق مصاريني.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :324  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 145 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج