السرحان يتحدث من طاحونته: |
أتمنى أن أعيش في الفضاء كالطيور
(1)
|
حوار: علي مهدي الشنواح |
هناك في عوالي مكة -في حي المعابدة- يعيش فيلسوف وشاعر في "طاحونة" من السأم كما يقول هو عن نفسه.. هناك.. هناك هذا الإنسان الذي تراه وتشعر كأنك أمام مفكر ألبسته التجارب ثوباً من الخبرة في شؤون الحياة ومعتركها الواسع.. شاعر مجيد يعجبني فيه تواضعه تماماً كشعره، ولا يعجبني فيه شعوره بالسأم والعيشة الرتيبة الخالية من كل نشاط إلاّ نشاط القراءة التي لا يفارقها إلاّ سويعات قليلة.. تعجبني فيه الصراحة في الرأي، ولا يعجبني فيه الإصرار على مهاجمة الشباب، وليته يهاجم السأم الذي يعيش فيه مثلما يهاجم الشباب.. |
وفي مقابلة قصيرة مع الأستاذ السرحان تحدثنا عن الأدب والشعر، وعن الحياة التي يعيشها.. قد أتفق معه في رأي ما، ولكني لا أحب أن يظل هذا الأديب النابغة على هذه الحالة.. ليته يخرج من صومعته أو قوقعته ليسمعنا صوته الجهوري في فنه الذي عاش عليه ولا يزال.. |
قلت للأستاذ السرحان على الطريقة التقليدية: |
- هل من جديد؟
|
فقال بسرعة البرق: نعم أريد أن أحدثك عن السأم. |
إنني أدور في طاحونة من السأم.. من البيت.. إلى دكان الريس.. إلخ.. وهي طاحونة لا جديد فيها.. إنها صورة واحدة.. أراها كأمس واليوم وغداً، كل يوم صوت طبق الأصل من اليوم الذي قبله والذي يليه. |
- هل يمكن لهذه الطاحونة أن تتغير؟
|
- لا أظن ذلك. |
- السأم طابعك البارز في كتاباتك القصيرة إذا كتبت وفي سكوتك الطويل إذا انعزلت عن الكتابة فما هو السبب؟
|
- قد يشعر الإنسان أن الزمن تعطل لديه، واتخذ سمتاً واحداً غير متأنف.. وإذا أحس الإنسان أنه يدور حول نفسه بلا قرار ولا استقرار ولا هدف ولا تجديد، فإنه حينئذ يرى بحق أنه ميت في إهاب متحرك، أو أنه مع التقزز والضجر يحيا ولكن بلا حياة.. |
- عجباً يا أستاذ، ولكن هناك ملاحظة وهي: أن لكل شاعر أو فنان محوراً يدور فيه شعره أو فنه؛ محور وطني، أو محور اجتماعي، أو محور حب، وإذا كان السأم هو المحور الذي تدور فيه، فلماذا لا نقرأ لك شعراً في هذه الأيام حتى ولو كان محوره السأم؟
|
- في المدة الأخيرة فقدت حتى شعوري بالنسبة للزمن المتثائب، وللناس أجمعين.. وملازمة السأم لنفسي أفقدتني حتى إحساسي بنفسي في كثير من الأحوال.. ألا ترى أن الرتابة في السلوك والمعيشة والاختلاط وانتظام هذه في نمط واحد لا يتغير، لا يجلب السأم فحسب، ولكنه أيضاً يقتل الينبوع المتدفق في النفس، أو يجعله على الأقل آسناً آجناً تمل منه حتى طحالبه؟ |
- لندع السأم يا أستاذ.. دعنا نمتطي مركبة فضاء صغيرة ونطير إلى حيث طار "جلين" لنبحث ما إذا هناك سأم في الفضاء الخارجي.. هل توافق ولو بأسلوب فوزي المعلوف
(2)
في ملحمته "شاعر في طيارة"؟
|
- لا أعتقد أن في الفضاء سأماً من هذا النوع، وإذا كان هناك سأم، فلا بد أنه من نوع خاص يتفق مع طبيعة ذلك الفضاء.. على أني أتمنى أحياناً أن أعيش في الفضاء -أي فضاء- في شكل أي طائر من الطيور البعيدة التحليق، وأغني بكل بساطة على أن لا تسمعني أذنا إنسان! |
- ترى ما هو اللحن الذي ستردده هناك، ولماذا لا تريد أن تسمع ألحانك العذبة؟ أتبخل على الناس بألحانك حتى في الفضاء؟
|
- إن لحني المفضل لا يتجاوز نطاقي.. لتكن هذه أنانية، ولكن هذا هو واقعي الذي لا معدى عنه ولا انفكاك فيه، أما نوع ذلك الغناء في ذيالك الفضاء فلا أستطيع أن أحدده الآن وأنا مربوط بطبيعتي إلى هذا الطين اللازب في كوكبنا هذا غير الثاقب، ودعك من الناس؛ فلو أن الناس كلهم تجمعوا في شخصي، لبرمت بهم بلا استثناء. |
|