شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عربي المستقبل (2) (1)
القسم الثاني لعبد الرزاق الحصَّان ببغداد
دعني إذن أتكلم عن الحجاز ومفاخره كما أتكلم عن حقيقة رياضية أو قضية مسلمة فأقول: إنه لولا ثورة الحجاز الإسلامية لبقي العراق تحت نير الحكم الفارسي، ولبقيت مصر وسوريا تحت نير الحكم الروماني، ولبقي العرب أجمع بين شتات يفرق شملهم وجهل تنحط به قيمتهم وتناحر ينعدم معه وجودهم...
ولولا الموجة الحجازية الإسلامية العظمى، لما كان للموجات العربية التي تقدمتها كبير خطر، ولما ذكرت في كتب التاريخ إلا كما تذكر الأخبار التوافه التي لا تدل على شيء ولا تهدي إلى شيء. فما جزيرة العرب؟ بل ما العالم كله، لولا الحجاز ولولا النور الذي انبثق من الحجاز؟ وأعتقد أنه ليس في حدود الإمكان أن يغمط الحجاز حقه العظيم وينكر فضله العميم على كل الأقطار التي تنطق الضاد وتدين بالإسلام، بل حتى على الأقطار النائية التي لا تسمع إلا الصدى الخافت عن الإسلام وعن العربية!
هذا رسول الله وسيد البشر محمد بن عبد الله صلوات الله عليه، وهذا الصديق أبو بكر، وهذا الفاروق عمر، وهذا ذو النورين عثمان، وهذا المرتضى علي، وهذا الداهية العظيم معاوية، وهذا الأريب المحنك عبد الملك بن مروان، وهذا القائد المظفر خالد بن الوليد، وهذا العاقل الحازم المنصور، وهذا الباسل المغامر عبد الرحمن الداخل، وهذا الملك العالم هارون الرشيد، وهذا الملك الفيلسوف المأمون، فمن هم هؤلاء؟ وإلى أي عشيرة ينسبون؟ أليسوا كلهم حجازيين، أليسوا من قريش الحجاز؟ أقلتهم أرض الحجاز وأظلتهم سماؤه، وإن أعظم ما يمتاز به أحدهم هو أن يتعهد وطنه الأول ويهتم به ويقدره حق قدره ويحسن إليه كما يحسن الليث إلى عرينه.
ومع هذا فمؤلفنا الفاضل يأبى إلا أن يحصر الفضل كله للعراق ويقصر جميع المزايا الطيبة لأهله ويحاول أن يقلد الإسلام والعرب منة لا تحتمل ولا يقوم عليها دليل للعراق وأهله.. ولسنا نحسد العراق لفضل تليد يستحقه أو لفخر أثيل يتباهى به، فعز العراق لا شك عز العروبة والإسلام؛ على أن العراق لن يكون شيئاً إن لم يكن عربياً مسلماً، ومن هنا يتضح فضل العرب والإسلام عليه لا فضله عليهما، غير أنّا وددنا لو خصص الأستاذ فصلاً -على الأقل- للحجاز وأشار فيه إلى ما امتاز به هذا القطر المغموط الذكر من مكان مرموق ومجد عريق ويد لا تطاول في عصر النبي الكريم عليه السلام والخلفاء الراشدين، وكان هذا ما يجب على حضرة الأستاذ المؤلف، بدلاً من تلك الإشارات الخفيفة التي كأنما يقسر عليها قسراً.
بقي علينا أن نناقشه في مسألتين وهما: إسلام عمر بن الخطاب ومحاولته أن يضيف فضل إسلامه إلى ذلك الصحابي الجليل "خباب بن الأرت"، دون أن يكون لهذا الصحابي من حاجة إلى مثل هذا الفضل المنتحل.
قال المؤلف: إن خباباً كان عراقياً، فلنصرف النظر عن كونه عراقياً أو غير عراقي، ولننظر في أسباب إسلام عمر.
إن من قرأ خبر إسلام عمر في سيرة ابن هشام أو السيرة الحلبية أو غيرهما من كتب السيرة لا يرى لخباب أي فضل في إسلام عمر؛ فعمر أسلم بإلهام من الله بعد شعوره بالندم على ضرب أخته وختنه وتقززه من منظر الدم الذي سال منهما وبعد أن تلا سورة طه فتبين له الحق وسطعت له الآيات البينات، زد على ذلك تصريحهما له بإسلامهما وقولهما: "لقد أسلمنا وآمنا بالله فاصنع ما أنت صانع"، مما حدث له في نفسه رد فعل وزاده ترغيباً في الدين وإعجاباً به وانخراطاً فيه.
والمسألة الثانية محاولته في تعريب "صهيب" وجعله عراقياً، ولا أدري كيف عزب بال الأستاذ أنه بهذا يكذب الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في قوله: "صهيب خير الروم" (2) ، أو ما هذا معناه، فضلاً عن أني قرأت الشيء الكثير من كتب السيرة والتراجم، فما قال واحد منها إن صهيباً كان عربياً، فضلاً عن أن يكون عراقياً، ولست أدري على أي مصدر اعتمد الأستاذ في نسب "صهيب" وتعريبه!
هذه ملاحظات سريعة وهي على ما لها من خطر لا تحط من قدر الكتاب ولا تبخسه حقه، فالكتاب في الحق طريف وممتع، وهو بمثابة منار رفيع يهدي شبان العرب إلى الوطنية الصالحة ويحدوهم إلى الاعتزاز بقوميتهم العربية والأخذ بناصرها والذب عن حوضها، وفيه ما يثبت أن الجزيرة المحبوبة لا تزال مهداً منتجاً للعبقرية والنبوغ، ولا يزال فيها السر الغامض العميق الذي تكشف منه الحوادث والأجيال حيناً بعد حين ما يبهر اللب ويلفت النظر ويبعث على الإكبار.
وإذا عقمت الجزيرة وتلاشت معنوياتها فعلى الدنيا العفاء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :368  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 104 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج