الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

تقاسيم على القلم..! ⁽¹⁾

المعروف أن التقاسيم متعبة في الموسيقى، وأن هناك أنغاماً صامتة مفردها تقسيم، وجمعها تقاسيم تنفرد بها آلة موسيقية كالعود أو الكمان أو القانون، وتعزف هذه التقاسيم بلا مصاحبة مغنٍ، فتكون أشنف للأذن وآنس للروح وأبعث على الشجى، وتجد السامعين لها منجذبين إلى ذلك اللحن المعزوف بكامل ألبابهم، وكل انتباههم وهو يترقرق من مطلعه إلى مقطعه.

كذلك هناك تقاسيم على القلم؛ فبعض الكتاب، وهو بعض مفروض فيه القلة ولكن مع كامل العزة، إذا نمقوا مقالاتهم أو دبجوا رسائلهم، وتتبعها القارئ الذواقة اللطيف الحس، فإنه لا يستطيع أن يملها مهما طالت.. وكيف تطول كتابة تجمع بين متع النفس والذهن والعقل والتأمل والقلب، ثم هي إلى كل ذلك مضمخة بطيوب من البيان، مترسلة كأنها أنفاس معشوق، سيالة بنفيس الغرر، غواصة على ثمين الدرر.

طلاوة الأسلوب؟

قوة الأداء...

السهولة الممتنعة؟

إلى غير ذلك من التراكيب التي لا تكفي وحدها منفردة أو مجتمعة، هناك سر خاص، فإن الكاتب هنا لا يكتب بعقله أو قلبه فقط، ولكنه يضيف رهافة الطبع مع سلامة الفكر مذوبة في روح حلوة، مدوفة بشيء من التجارب المرحة.

قد تكون فيها سخرية ولكن بلا قسوة.

وقد يخالطها فكاهة، ولكنها غير مبتذلة...

وقد يتخللها دعابة، ولكن ما أمتع وما أروع!

من هؤلاء أحمد حسن الزيات في افتتاحيات الرسالة رحم الله أيامها، ومنهم المغفور له إن شاء الله إبراهيم عبد القادر المازني في الكثير من آثاره.

وطه حسين في رسائله التي يودعها كتبه القديمة كلما سافر إلى فرنسا أو غادرها.

وأحياناً يلمع المرحوم زكي مبارك، ثم لا يلبث أن يخبو. غير أن هناك كاتباً عربياً من لبنان ما يزال يجس على هذا الوتر البديع الرائق.

إنه أمين نخلة في صفحاته التي يرسلها أحياناً في مجلة الأسبوع العربي، وأحسبه في الآونة الأخيرة قد انقطع عن الكتابة.

فاتني أن أذكر عن التقاسيم الموسيقية تلك التي تفرد أو تجمع بين مختلف الأنغام مثل: الراست، والنهاوند، وحجاز كار، وجهار كار، وبنج كار، والصبا، وغيرها من تلك الطعوم المغردة اللذيذة.

والحجازيون يختصرون هذه الأسماء فيقولون: الرصد، والحجاز، والجاركه، والبنجكه، إلى آخره.. أو بعبارة "بحمردسج".