شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
التاريخ والمؤرخون (1) (1)
كان متردداً في خاطري أن أكتب كلمة أضمنها آرائي في التاريخ وشعوري نحو المؤرخين بمناسبة ما صدر من الكتب التاريخية الحديثة في مصر والحجاز ومنها: نشأة الدولة الإسلامية، وحروب الإسلام والإمبراطورية الرومية لأمين سعيد، وحياة محمد لمحمد حسين هيكل، وحياة سيد العرب لحسين باسلامة، وآثار المدينة المنورة لعبد القدوس الأنصاري وغيرها.. لكن المسألة ليست مسألة شعور أو عاطفة إذا رام الإنسان أن يعبر عن رأيه الشخصي في أي شيء، وأراد مع ذلك أن يتوخى الصواب، ويجعل الحقيقة المجردة نصب عينيه؛ لأنها مسألة فكرية قبل كل شيء، والفكر من نتاج العقل، وإذن فلا مجال للعواطف في عمل يكون العقل وحده صاحب النفوذ المطلق فيه. بلى إن للعواطف مجالاً واسعاً، ولكن من طريق آخر، وهو إذا اشتهى أحدنا أن يتحيز ويجنح إلى هواه، فله أن يستخذي لرغبة عاطفته فيخالف بذلك العقل والصواب على خط مستقيم. والعوامل التي تزج بالعواطف في هذه الأبحاث أولاها الغضب أو الرضى، فإذا كان المرء راضياً عن أحد أو شنفاً (2) له فإنه يتأثر بشعوره نحو ذلك الشيء في ما سيكتب عنه، ولا بد أن يستملي شعوره ما يريد من تحيز بيِّن وهوى مستحكم، إلا إذا كان المرء ذا إرادة قوية ونزوع إلى الإنصاف، فهذان يدرأن عنه ذلك التيار الجارف، ويصرفانه إذا كتب أو تكلم عن هذه الغرائز الطبيعية التي لا تستهوي إلا ضعاف العقول، ويوجهانه قبل كل شيء إلى العقل الذي يملي الحق، ويهدي إلى الصواب، ويعترف بالحقيقة، ويقدر مختلف المواهب حق قدرها.
كانت الكتابة عن التاريخ والمؤرخين كما قلت تجول في خلدي، وكانت الفكرة تعاودني فتركتها تختمر، واستحضرت في ذهني أشباحاً من المؤرخين، وصوراً من التاريخ مما يجب أن يستحضر في مثل هذا الموضوع، ثم كتبت ما توارد علي من الخواطر وما أنثال علي من الأفكار بهذا الأسلوب العادي.. وقد أستطيع أن أعد نفسي شاعراً أو فيلسوفاً، وأدعي أن أفكاري هنا تطابق تماماً أفكار فلان أو علان من أساطين التاريخ وعباقرة المؤرخين، لولا أني أمقت هذا الأسلوب من الكتابة وأعزف عنه بكل نفسي، لأني أراه مثالاً للإعلان عن النفس والدعاية لها والإشادة بذكرها، وأعتقد أن أولئك الكتّاب الذين يعتمدون هذا المنوال إنما يستغلون أمثال هذه المواقف ليبرهن كل منهم على مقدرته وسمو تفكيره وإظهار نفسه بمظهر العبقري الممنوح، وإن كان جلهم أو كلهم في درجة الصفر من هذه المزايا كلها.. وأعتقد كذلك أنه لا يلجأ إلى أمثال هذه الأساليب إلا من كان ضعيف المادة قاصر النظر؛ ليستر بهذا الادعاء الواهي ضعفه وقصوره.
قالوا: إن أول من كتب التاريخ هيرودوت اليوناني، ولهذا دعوه أبا التاريخ المكتوب، وذكروا لنا معاصراً له -أو بعده بمدة وجيزة من الزمن- ديودور الصقلي، وهما أول من كتب التاريخ وضبط حوادث الأزمان الغابرة، وكلاهما كان قبل الميلاد. وفي من ذكر من أوائل المؤرخين: بروسوس الكلداني ومانثون الإسكندري ويوسيفوس الإسرائيلي، وقالوا: إن الصينيين كان منهم من يكتب حوادث يومه على الأحجار والألواح الرخامية، وكان المصريون يكتبونها على ورق "البردي" -النبات المعروف بمصر- وقد أبقى الفينيقيون والأشوريون والبابليون وغيرهم من الأمم القديمة آثاراً تاريخية على الصخور والجبال من نقوش ورموز مما كانت متداولة بينهم ومعروفة عندهم، وكان العرب في [تلك] (3) الفترة يقيدون ما يريدون حفظه وبقاءه على الأكتاف وعسب النخل.
وقد يمكننا أن نذكر في ضمن المؤرخين القدماء من اليونانيين والرومانيين أمثال: كسينوفون ماركيانيوز، بطليموس، سترابون، بلينيوس، ذيونيسيوس، ثيوفاتس، وبلوتارخوس.. وإذا كان يجب علينا أن ننبه القارئ الفاضل إلى أن الأربعة الأولين أكثر ما يهتمون بالجغرافيا في ما ورد من آثارهم، والأخير منهم "بلوتارخوس" ينزع إلى ترجمة عظماء اليونان والرومان وتحليل شخصياتهم والمقارنة بينهم، غير أن الجغرافيا والتراجم يمتان معاً إلى التاريخ بصلة وثيقة.
وكان حنا النقيوسي النبطي معاصراً لفتح عمرو بن العاص لمصر وموجوداً في الإسكندرية، فكتب ملاحظات ومشاهدات عن تلك الأحوال والقلاقل في مجلد ضخم لا يزال حتى الآن مرجعاً مهماً للمؤرخين في دار الكتب المصرية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :308  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 89 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج