شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
موعد مع المدينة المنورة (2) (1)
اسبطر السير، وأوغلنا في أوائل الليل، حتى وصلنا "مستورة"، فالتهمنا فيها سمكاً لذيذاً مع بعض المتبلات، وتابعنا سيرنا، وأشرفنا على وادي العقيق بعد الساعة السابعة من الليل، وكنا قد أنهكنا تعباً، وغمت مرائي الطريق علينا، وحتى لو كنا في النهار لما استطعنا أن نميز بين منظر ومنظر، فقد نصبت العيون من فرط التحديق والالتفات يمنة ويسرة!
ليس في يدنا من الأمر شيء.. إن قائد الحملة الأستاذ عبد الله بسيوني (2) ، وفي يده الزمام وكان شديد الوطأة، حريصاً على النظام كباحاً للجماح.. وأنا امرؤ أشتهي الجماح غالباً كما يشتهي الحمار في لغة الحمارين "العنفصة"، ولست أدري ماذا يقابلها بالفصحى؟
كانت السيارات تزخر بالفرش والأثاث اللازم.. فرش النوم.. الوسائد، البطاطين، الزل.. السجاجيد إلى آخر الفاتورة.. لم نكن نحتاج إلى أي شيء!
أضف إلى ذلك أدوات الطبخ كلها مع الدجاج المنتوف المعد، ومع كل ما يحتاجه المطبخ من مختلف أدواته.. كلا.. لم يكن ينقصنا أي شيء مطلقاً.
كنا نشبه أن نكون فندقاً متحركاً بكل ما يلزمه من خدم وأدوات، وكنا نحن سكانه السعداء، وكان مدير الفندق المطلق عبد الله بسيوني..
لما هبطنا وادي العقيق.. قال أحدنا: إلى فندق التيسير، وقال الآخر إلى "الأوتيل" الفلاني، وقال أحدهم نأخذ شقة مفروشة.. وقال.. وقال.. وكان عبد الله بسيوني -وهو رئيس القافلة- ينظر في شبه غموض إلى كل المقترحات ساخراً، فأما أنا فقد كنت في غنى عن أي مقترح لفرط ما ألمّ بي من الرهق والتعب، بعد عهد قديم بالأسفار، وانعدمت الفروق عندي في كل المستويات.. إلى أعلى.. إلى أسفل، إلى أي جهة كانت.. كان المهم بالنسبة إلي أن أمسك الأرض والسلام.
وكانت الجماوات الثلاث إلى يسارنا، ونزلنا في عدة منعرجات وعلى رأس بئر عروة وفي القهوة التي تحيط بها.. قال لنا "هانيبال": هنا المقام، وهانيبال.. هو عبد الله بسيوني.. ونحن قرطاجيون بالانتساب، ولو مؤقتاً.. ورضخنا للأوامر العالية، ولم يعد فينا من ينطق، لا من فرط الطاعة فحسب، ولكن أيضاً من فرط التعب.
قهوة بئر عروة كانت بئس القهوة في كل إمكانياتها.. كانت متعبة، مضنية، سخيفة، لماذا لا تتعهد بها بلدية المدينة المنورة؟ إنها ستكسب حتماً..
بئر ((عروة)) (3)
إنها بئر عروة بن الزبير بن العوام التي يقول فيها الشاعر في ما أتذكر:
..........................
واسقياني من بئر عروة مائي
سخنة في الشتاء باردة الصيف
سراج في الليلة الظلماءِ (4)
وهي بئر عروة الزلال النقاخ التي كان أمراء المدينة المنورة يبعثون بمائها الطيب العذب في القوارير إلى خلفاء دمشق وبغداد.
بلدية المدينة المنورة لماذا لا تقيم عليها مقهى فخماً يشتمل على كافة المشروبات من البارد والحار، ولماذا لا تضع فيها مطعماً مناسباً، ولماذا لا تحيطها بحديقة روية الأثمار، مونقة الأزهار، ذات شيات وسمات تذكر بالخلوات والصبوات أيام عمر بن أبي ربيعة، وابن أبي عتيق، وسكينة بنت الحسين، وعائشة بنت طلحة.. وأشعب، و [الغريض] (5) ، ومعبد، إلى آخر تلك القائمة التي تفوت الأوالي وتقصر عنها التوالي؟
فرشنا السجاجيد، وأوقدنا النار، وكان العشاء الذي يماثل السحور بعد الساعة الثامنة من الليل، وبعده الشاهي، ثم النوم إلى لحظات معدودات.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :259  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 76 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج