شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
موعد مع المدينة المنورة (1) (1)
في نحو السابعة بعد الظهر كانت السيارة الفارهة تقف أمام الباب.. وكنا بإذن الله على موعد مع المدينة المنورة عمرها الله.. كان في السيارة أصدقاء عديدون أحسب أنهم زاهدون في الظهور، وعازفون عن الشهرة، ولولا ذاك لكنت سميتهم.. فإن رغبوا ذلك فإن اللبن في "الزبدية" متى شاؤوا؟!
ومشينا بعد السابعة على مهل..
وكان الجو غائماً، والرعود تقصف.. وكنا في مثل جو "الجنة" السجسج.
درجت السيارة، وحينما أزلفنا بين بحرة وأم السلم تصعدت غمامة من ناحية الجنوب الغربي، ثم ترفعت نحو الشمال الشرقي، ولم نكد نجتازها بمدى ثانية حتى حيتنا أيما تحية بنغم موسيقي لذيذ مركز استمر أكثر من مدى خمس دقائق، ثم اسبطرت إلى الشمال (2) .. ولم يكن فينا من يتكلم.. إن الإدارة الوحيدة التي تتكلم فينا هي السيارة في مجموعة محطاتها الإذاعية.
كنا نجتاز القلاع المؤدية إلى أم السلم، وكانت السيارة تؤدي إلينا في نغمة متنقلة بين السامبا والرومبا والجاز والشارلستون، والتشاتشا..
لقد كانت خليطاً من النغم الغربي، وإن شئت فقل من النغم الأفريقي..
ذلك لأن أكثر الأنغام الأوروبية والأمريكية تؤخذ ساذجة من أفريقيا.. ثم يضاف إليها بعض التهذيبات.
إن أساس الأنغام والرقصات الإفرنجية.. نغمات من الغابات الأفريقية مع بعض التهذيب.. والتهريج أيضاً؟
إن الأوروبيين عندما يجدونها منخفضة جداً يرفعونها، وبالعكس.. وذاك كله حتى لا يشتبه أنهم أخذوا رقصاتهم وأغانيهم من الأفريقيين.. ثم إنهم يزنون أغانيهم الأوروبية على مقياس الأغاني الأفريقية مترتبة مع موسيقاها مع الإضافة المشار إليها.
ما علينا..
البحيرات، والغدران المتكوّنة من بقايا أمطار الأسبوع الماضي والذي يليه.. كأنها مرايا تعكس صورة السماء على وجه الأرض في سخاء بالغ.
ووصلنا جدة عروس البحر الأحمر -أو بحر "القلزم" كما كانوا يسمونه قديماً- وتناولنا غداءنا على مائدة صديقنا الكريم قائد الحملة ومتوليها، والمتكلف بنفقاتها.
وفي الساعة العاشرة بعد عصر ذلك اليوم ونحن نسير في قافلة مؤلفة من ثلاث سيارات صغار جديدة فارهة إلى جهة الشمال -هذا الطريق الذي سار عليه إبراهيم الخليل عليه السلام في ما يرجحه كثير من المؤرخين.. ثم سارت عليه القوافل العديدة من عرب اليمن أو الحجاز إما انتجاعاً لخصب، أو تطلباً لمعيشة، أو خبباً في سبيل الغزو.
إنه طريق عالمي قد يتيامن أو يتياسر، ولكنه منذ أكثر من ستة آلاف سنة كان له أكبر الأثر في حمل بضائع العطور والتوابل والجزع والعقيق اليماني والبرود اليمانية.. وكان أكثر ما ينقل -في ما يحمل- خصائص أقوام إلى أقوام وعادات شعوب إلى شعوب.
كان هذا في الزمن السالف خير ما ينقل، أو شر ما ينقل على السواء.
وكان خير ما نقل فيما قبله وبعده منذ نحو أربعمائة وألف عام: الإسلام.
مضينا إذاً إلى الشمال، وفي آخر محطة من قبل طريق المدينة أخذنا ماءنا، وأخذت السيارات ماءها، ثم اسبطر بنا السير.
سيارات ثلاث.. تزحف كأنها في هذه الصحراء الواسعة.. خنافس تتهافت في سرعة أو في بطء.
يسرع السائق أو يبطئ.. ولكن الصحراء تستعصي عليه.. إنها تمتد حتى يغيب الأفق، وتضيق حتى لتكاد السماء تسقط كسفاً على الأرض..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :226  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 75 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج