شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مشاهدات في المدينة (5) (1)
الأدب في المدينة (2) :
... يقول لي الأستاذ الأنصاري إنه سيحاول في دراساته هذه أن يتخلص من الأسلوب المصري المبثوث في جرائد مصر ومطبوعاتها، ويستقل بأسلوب شخصي رفيع يجمع بين الجزالة العربية القديمة والذوق العصري الحديث؛ وهذه محاولة طيبة نتمنى لها أن تنجح، وإن كنت ضعيف الأمل في نجاحها، لأن الأسلوب المصري -أو على الأصح الأساليب المصرية- ارتسمت في الأذهان، وانطبعت في الأدمغة، وصارت طبيعة لازمة لا نستطيع مقاومتها، ولا التخلص منها مهما حاولنا. وأسلوب عبد القدوس نفسه كما يبدو لي يتأثر إلى حد كبير بالأسلوب المصري، ولكنه يلتزم السجع في الغالب، ويأنس برنين الألفاظ، وتعجبه الفخامة وقوة السر ومتانة التركيب قبل أن تعجبه جودة المعاني وبلاغتها وسمو الأفكار وجمالها.
وهنا مقياس أصح من هذا، وهو أن مصر تستعمرنا بثقافتها ومدنيتها إلى درجة بعيدة، فمطابعها تقذفنا بمئات المطبوعات وصحفها، وفيها ألوان شتى من عادات المصريين وتقاليدهم ولهجاتهم تفيض علينا فنصطبغ بها من حيث لا نشعر.. واللهجة المصرية تكاد تقضي على اللهجة الحجازية، لا سيما بين الشبان العصريين المثقف منهم وغير المثقف، وعاداتهم تطغى على عاداتنا بالتدريج وحتى أغانيهم الشائعة في لوحات الغناء يترنم بها الباعة والعامة والخاصة، وأدباء مصر وزعماؤها ووزراؤها المشهورون يتمتعون بيننا بشهرة واسعة لا يتفيأ ظلالها كبار الملوك.. فشيوع الأسلوب المصري الكتابي بيننا لا يؤبه له كما يؤبه لغيره مما ذكرنا من النواحي الهامة، هذا إذا تساهلنا أو استعملنا المغالطة فقلنا: إنه لا يوجد أسلوب مصري ولا عراقي ولا حجازي في الكتابة والشعر؛ وإنما هناك أسلوب عربي فقط يختلف حظه من الجودة والرداءة والقوة والضعف والسلاسة والمتانة، وهنا يجب أن نتجاهل شخصية القطر التي تنطبع في هذه الأساليب كلها على السواء، فتعود المسألة معقدة من جديد، وتنتهي حيث تبتدئ.. وعزاؤنا أن مصر لا تستعمر بثقافتها وحضارتها وما يتصل بهما الحجاز أو جزيرة العرب فقط، ولكنها تستعمر أيضاً بلاداً لا تقل عنها في الأخذ بأسباب الحضارة والثقافة من مصادرها الأصلية كالعراق والشام والهند وغيرها؛ والفضل في هذا كله يرجع إلى مكانها المتوسط بين الثلاث القارات العظام: أفريقيا وآسيا وأوروبا.
ولا أريد أن أناقش عبد القدوس، فما أظن إلاّ أنه مقتنع برأيه كل الاقتناع.
أما الخياري فهو غزير المادة واسع المعلومات، ملم بأشتات من العلوم والفنون.. هذان في النادي الأول.
وفي الثاني النقشبندي وهو معروف لقرّاء صوت الحجاز في سنتها الأولى يوم كان يكتب فيها عن مشاهداته في الخليج والعراق وغيرهما.. وهو مطلع مثقف لبق الحديث لطيف المحضر، ويتلو هذا عبد الحميد عنبر وهو مثال للشاب العصري المهذب والأنيق، ويكاد يكون مثقفاً ثقافة إنكليزية لمعرفته باللغة الإنكليزية واطلاعه على الأدب الإنكليزي.
ومن الأدباء المعروفين هناك عثمان حافظ (3) ، وزيدان، وعبد العزيز التركي (4) ، وضياء الدين رجب، وهذا يسمى هناك شاعر المدينة، وكلهم أديب فاضل، والأدباء المعروفون عندنا هنا معروفون أيضاً هناك ويتتبعون سير الحركة الأدبية هنا بمزيد الاهتمام، ويعنون بما ينشر في جريدة أم القرى وصوت الحجاز من أدب فيقرؤونه جميعاً ويتناقشون فيه، وينقدون ما يستحق النقد، ويستحسنون ما يستوجب الاستحسان.
وفي أدبنا هنا ديدان تسمم جو الأدب وتسيء فهمه وتشوه سمعته وتسفل به إلى الحضيض، وما أظن المدينة إلاّ مصابة بمثل هؤلاء، وإن كنت لا أستطيع أن أدلل على هذا بسبب جهلي بهم وسلامتي من لقائهم، وكذلك داء الغرور الأدبي الذي يوجد عندنا بكثرة ويأخذ بأسباب المزيد لم أحس له هناك ركزاً وقد لا تخلو منه، ولكنا نحن المبرزون في شيوع هذا الداء العياء بحيث لا يفيد معه العلاج ولا يتغلب عليه الدواء..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :299  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 74 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج