شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مشاهدات في المدينة (4) (1)
الأدب في المدينة:
وليلاحظ القارئ الكريم أني لا أتكلم عن المدينة إلاّ بمقدار، فخمسة أيام أو ستة لا تكفي لأن يعرف الزائر ما تجب معرفته، فضلاً عن أن يتغلغل أو يتحرى، وهي المدة الوجيزة التي قضيناها هناك.. ولو يسألني سائل عن سبب هذا التعجل لما استطعت أن أعرف له سبباً معقولاً، ففي الرفاق من هم أكبر سناً، وكبر السن ما يزال له عندنا الاعتبار والتقديس؛ فعلى الكبير أن يملي الأحكام وينفذها ويتصرف كما يشاء، وما على الصغير إلاّ أن يسمع ويطيع، ويلزم الصمت حيال هذه التصرفات كلها.
فصغر السن معناه عندنا الجهل وضآلة المعرفة وقلة التجارب، والكبر يدل على عكس هذا كله، وإن كنت لا ترضى بهذا، أو لا تصدق به فما عليك إلاّ أن تنطح برأسك أقرب جدار إليك...
وفي المدينة مخلوق يسمى الأدب يدب على قدميه -كما يدب عندنا- وإذا أعوزه النشاط هناك أو خانته القوة أخذوا بيديه أو وضعوهما على الجدار، ولكنه هنا -كما يبدو لي- إذا سقط من الضعف تركناه حتى يمر به عابر سبيل فينهض به؛ فهنا يعوز أدبنا التدليل والعطف، وهناك يجدهما بلا شك من الأدباء والرؤساء وممن يتشبث بأذيال الأدب والرئاسة.
ومن الصدف أني وجدت هذا الطفل الصغير جالساً القرفصاء ففهمت أنه في فترة راحة ولعب؛ ولو قدر لي أن أراه يخطو أو يحبو لعرفت اتجاهاته.
ومع تدليلهم له وعطفهم عليه يحرصون على سيره ومستقبله وتربيته، فلا يسمحون له باللعب كثيراً ويلقنونه ويفهمونه مزية الجد وفضيلة المقاومة ويدربونه على الطماح والاعتداد بالنفس؛ ولهذا فهم يؤمنون بأدبهم إيماناً صحيحاً، ولو كان في مقدرتهم أن يحملوه على الأكتاف ويطوفوا به العالم لما ترددوا، وما أظنهم إلاّ فاعلين متى قدروا على ذلك، وهم أفهم لروح الأدب وأكثر حباً له وتفانياً فيه وأقدر على مواجهة الحقائق منا.. ولو أن المدينة تمد "بالمواصلات السريعة المنظمة" لسبقت مكة في العلم والأدب والمدنية بلا ريب، ومن يشك في هذا، أو يكابر فعليه أن يتقدم للرهان...
فهناك مدرسة العلوم الشرعية (2) ، ومدرسة دار الأيتام -إن كان هذا اسمها (3) - ومدارس أميرية وأهلية، وحلقات للدروس الدينية وغيرها في الحرم النبوي الشريف تعقد عقب كل صلاة، وفيه أئمة جهابذة، ومطابع -أو لعلّها مطبعة واحدة (4) - ومكتبات ودور للكتب وغير هذا كله مما لم أطلع عليه.. وعندهم فكرة في إصدار جريدة أسبوعية للأخبار والسياسة وتجمع إليهما أدباً قيماً (5) ، ومجلة شهرية مخصصة للأدب (6) ، وهذه الفكرة قد اختمرت بلا شك ولم يبق إلاّ تحقيقها والعمل لها.
ولا أدل على اهتمامهم بالأدب وتقديرهم له من أنهم وضعوا نادياً أدبياً أطلقوا عليه اسم "الحفل السعودي -أو الحفل العربي السعودي" وقد انقسم أخيراً إلى ناديين بسبب اختلاف وجهات النظر بينهم؛ في أحدهما الأنصاري والخياري (7) وحوحو (8) وغيرهم، وفي الثاني عنبر (9) ، والنقشبندي (10) ، ورجب (11) ، وزيدان (12) وغيرهم، وتلقى في كليهما المحاضرات أسبوعياً؛ وهذه المحاضرات تتناول شتى المواضيع المفيدة من أدب وتاريخ وفن وعلم، وأعني بالعلم هنا العلم الميكانيكي؛ ففي الأسبوع الذي أقمناه بالمدينة ألقيت محاضرة في النادي الأول في "اللاسلكي" وفوائده ومدهشاته وما يتصل به، وفي الأسبوع نفسه أو الذي قبله -لا أذكر أيهما- ألقى عبد الحميد عنبر محاضرة في النادي الثاني موضوعها "المعراج" بمناسبة حلول أيامه الذي كان فيها، فهذان موضوعان مختلفان أحدهما روحي أدبي، والآخر مادي علمي.
ولعبد القدوس الأنصاري الأديب المعروف ولع بدراسة الشعراء القدماء. في صوت الحجاز قرأ له القرّاء دراسة لابن مقرَّب، وهناك أطلعني على دراسة للشاعر الجاهلي "زهير بن أبي سلمى"، ودراسة أخرى لشاعر آخر لا أذكره بعث بها كما أخبرني إلى مجلة "الرابطة العربية" بمصر.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :324  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 73 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج