شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سحابة على خندمة (1)
أخي عبد الله (2) ،
لقد جاءني على "فرخة العمانية" النجاب الوثيق "ساطي الروقي" برسالتك ذات الصفحات الممتعة.. وعندما أناخها على باب الدار المواجهة لخندمة، وقد تلوتها مسروراً على كثرة أعبائي من الأحزان.
نحن كلنا من عباد الله، ومن عبيده، فهناك فرق في الجذر اللغوي بين العبد وبين العابد.
فنحن إذاً عباد الله وعبيده على كل الاشتقاقات، وقد نعود من "حماميزه"، إذا انعكست المقاييس (3) .
قلت في ما سلف: إني أعيش في دوامة من القلق النفسي، إلى جانب خواء في القلب والروح.
ولست أحسد هؤلاء الفرحين المرحين على كثرة انتشارهم بين جوانب الأرض وطبقات السماء؛ ذاك لأني في شغل بنفسي عن غيري، ومن تضنيه نفسه فلن يبالي بما تلقاه نفوس الآخرين.
من يصدق أني أصبحت غولاً مسعوراً لا على العالمين، ولكن على نفسي؟
ومن يصدق أن نفسي بذاتها عادت تفسد كل مقاييسي في الحياة؟
أما أنا فقد صدقت ووضعت ختمي على أول "المحضر" وآخره.
وماذا بعد الخامسة والخمسين من عمر فاسد كاسد؟
من قال إنها خمس وخمسون فقط؟
إني أشعر وأذكر -ربما- أني شهدت "نوحاً" وهو يصنع سفينته، وأني ركبت فيها مع آخر زوج من "الفئران" جنباً إلى جنب، ولكني نسيت إلى أي جبل رست فيه تلك السفينة.
وترامت دهور، وتطاولت عصور، وفقد حسين سرحان ذاكرته، فلم يعد يجترها كاجترار البعير إلاّ في أواخر هذا القرن الهجري.
لقد كتبت الهراء الكثير، ونظمت شعراً ليس بالجيد، ولا بالمثير، وذهب عمري هدراً.
ولو رجعت إلى دفتر حساباتي لوجدتها تنتهي كلها بأصفار يمتزج فيها الأشرار بالأخيار...
فيا أبا محمد..
إني لا أبالي بتعرية نفسي عن الأقمصة المزيفة، ولا أحمل سواكاً لأسناني النخرة الكالحة.
دع الناس يحملون على أجسامهم أضعاف وزنهم من الملابس الحريرية والصوفية..
دعهم يا سيدي.. إن هذا زخرف لا تبهج به الحياة حتى في أقل ديدانها..
لا تظنن أني زاهد كسفيان الثوري، أو كابن المبارك، كلا يا سيدي، ولكني لا أرى في كل الدنيا ما يستوجب الطمع.
كسرة خبز مع قليل ماء، فيهما كل التبلغ، والدنيا كلها محسوبة على هذين العنصرين الأساسيين مهما اختلفت نماذج الأطعمة بعد ذلك؟
وبعد فيا صديقي:
دع السحابة الدكناء على قمة خندمة.. تهبط مرة واحدة، فلن تبلغ تخوم الأرض، والسماء لا تنعزل عنها بمجرد هبوطها..
هذه هي تهبط.. السحابة.. كان فيها برق يضيء جوانبها المظلمة..
ذروة خندمة لم تنكسر، مع هبوط الأمطار، واستمرار العواصف.
قمتاه كسناني رمح، وقد غشاه الغمام، وبينهما مسلك الماء ينحط قليلاً، ومن ورائه بطحاء قريش.
لقد جاءت السحابة من البحر ثم انتهت إلى البحر، وبقيت الصحراء على حالها يباباً.. كيف؟
أليس هذا خيراً؟
قد نقول: بلى..
وإذا عدنا إلى عباد الله وعبيده وحماميزه، فلنسأل الله أن يوفقنا، وهي "قطمة" لكلام كثير.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :245  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 68 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج