شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
استيحاش (1)
استوحشت جداً يوم بلغني نعي رئيس الصيادلة "ضياء بك" (2) وأقول استوحشت وما أحسب أن هذه الكلمة ستؤدي المعنى الذي أريده لها في نفسي؛ فقد ذهبت بي الحالة النفسية كل مذهب -يوم تلقيت الخبر- وطفقت أفكر في هذا المصير المحتوم الذي لا استمهال فيه ولا ندحة عنه ولا مفر منه، وإنا لنخطئ كثيراً يوم نتحسر على الشاب يختضره الموت اختضاراً في ريق شبابه، ولا نأسى على من يعتبطه الردى اعتباطاً وهو في أجود صحته، فهذا كهل يقتطفه الموت وهو في متوسط الشجرة لا هو في أدناها فتناله الأيدي ولا في أعلاها فتذروه الرياح.
والمرء مستهدف في حياته لألوان الشر والخير، ولكن لا يدنو الإنسان من الكمال إلا إذا عرف كيف يستقيم ويقدر في كلا الحالين، وما للحياة قيمة في نظر الفرد الممتاز إذا لم يتلق الضر والنفع ويحسن ثم يتقبل الإحسان كما يصمد للإساءة، بل أعتقد أن المرء أياً كان وأنى كان مدفوع إلى كل هذا بما ركب فيه من غرائز تتجاذبها شتى العوامل ومختلف الانفعالات وتتأرجح بين خير تريده لنفسها، وبين شر يراد لها أو يتربص كما بها، فليس في إمكان، ولا يدور بحسبان وجود إنسان تكون حياته خيراً محضاً أو شراً بحتاً إلا ما استثنى بديع السموات والأرض من رسله أولي العزم وأنبيائه المصطفين.
لمحتان من الذكريات أصبحت الآن أجترهما وأستعيدهما عن الفقيد، لكأنهما وقعتا بالأمس القريب؛ فأما الأولى ففي مكة، وقد التقيت به في "المسعى" فأخذ يعاتبني -رحمه الله- ويقول: إنك لا تزورنا إلا يوم يكون عزيز عندنا، فاعتذرت بما ساعفتني به البديهة، وما أحسب بديهتي بالتي تحسن إنقاذي من موقف كذلك موقف، وأما الثانية ففي الطائف فقد قابلني وقال: أظن أنك ستسر جداً إذا أخبرتك بأن عزيزاً في طريقه إلينا.
رحمك الله يا ضياء، وجزاك عن أهلك وأصدقائك ومحبيك خير ما تستحقه من الجزاء، وأسبغ عليك فيضاً من رحمته ورضوانه، وأمدك العفو الغفور بما أنت حقيق به من عفوه وغفرانه.
أخي عزيز، يا أخ روحي، أأوصيك بالثبات؟ وأنت أثبت من جبل، أم أوصيك بالصبر؟ وأنت معدود من الصابرين، أم أحضك على السلوان؟ وإن السلوان نفسه لتتفجر ينابيعه من أعماق نفسك المرحة وتلوح جواهره على أسارير وجهك الطلق، بل أعزّي نفسي على الطلاقة والمرح اللذين سنفقدهما فيك فترة نرجو ألا تكون طويلة ولا ثقيلة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :477  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 43 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.