شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مناوشات ومناقشات (2) (1)
ملاحظات ثلاث:
قرأ القرّاء في العدد الماضي في صوت الحجاز ثلاث ملاحظات لصديقي المفضال عبد القدوس الأنصاري (2) على مشاهداتي في المدينة (3) ، ويروقني من حضرة الصديق أنه أديب في نفسه، وأديب في أخلاقه، وأديب في كتابته، ففي هذه الملاحظات الطريفة يبدو لنا هادئ النفس ساكن الطائر رفيع الذوق سليم المنطق.. وواضح جداً أن في ملاحظاته مجالاً واسعاً للنقد والرد لو أني أتحين له الفرص أو أرغب في عراكه، ولكني حرصاً على الوفاء له والاستفادة منه أتجاهل هذا كله وأنسحب أمامه بانتظام معترفاً بأني قد أكون أخطأت في بعض المواقع التي تعنيه وحده دون سواه!!
فلتسجل هذه الهزيمة الأولى في ميدان "المناوشات والمناقشات"، وهي كما يرى القرّاء هزيمة لذيذة يلتقي فيها السالب بالمسلوب، ولا يزهو فيها الغالب على المغلوب.
حاطب ليل:
حاطب الليل هذا له حكاية قديمة في الأمثال العربية، ولست أذكر الآن هل أشار إليها "الميداني" في كتابه النفيس مجمع الأمثال أم لا (4) ؟ وهي تتلخص في أن حاطب الليل هذا لا يروق له أن يزاول حرفته هذه إلاّ في الليل فإذا ادلهم الظلام أخذ حباله واحتقب فأسه وركب حماره وذهب للاحتطاب، ومن سوء حظ هذا العامل المسكين أن المصابيح اليدوية "الكهربائية" لم تعرف في زمانه؛ لأنها لم تخترع وما كانت لتخطر على قلب بشر، فهو يمشي على غير هدى، ويضع يده على أي شيء يحس منه الصلابة أو يتوهمه خشباً أو حطباً فيقذف به إلى حبله الذي يشد به حطبه، ويضرب بفأسه ما يراه أمامه من شجرة أو صخرة أو سواد أو شبح أو غيره، ويمضي يخبط هكذا خبط عشواء، ثم يقفل إلى داره، حتى إذا أصبح نظر في حبله فإذا هو قد جمع فيه حطباً -ولعلّ الحطب أقل ما فيه- وصخوراً ووحوشاً وجيفاً منتنة، وما يدخل في هذا الحساب، وهكذا ظل يدأب في حياته، ومضى الناس على آثار بعضهم وتعاقبت العصور فإذا به يخلد ذكره في الكتب ليكون مثلاً شروداً وطرفة جميلة من طرائف التاريخ.
والغريب من أمره أنه ما كان قد يندم في الصباح على ما حمله في الليل؛ وهذا دليل بلا شك على أنه كان عنيداً مغامراً، وأنه كان يتمتع بإرادة حديدية لا تنتهي إلى حد، وكان شاعراً ولكنه مقل على ما يظهر، فمما روت له الكتب قوله من قصيدة يخاطب بها زوجته:
أتيتك يا هناه بحمل عير
من الحطب المهيأ للوقودِ
فقومي؛ أشعلي ناراً وهاتي
عشاء من قديد، أو ثريدِ
لنأكله ونشرب من حليب
أتى من خلف مقحاد رفودِ
لقد لاقيت هذا الليل أيناً
عظيماً ما عليه من مزيدِ
أسرك أن تنامي في هدوء؟
وأني -بعد- في جهد جهيدِ
وهذا الفأس صدت به كثيراً
فروحي أنت بعد غد وصيدي
خذي فأسي وعيري فاركبيه
وهذا الليل يدنو بالبعيدِ
وشدي الحبل واحتطبي احتطابا
نغيظ بمثله قلب الحسودِ
إلى آخرها، وأظن أن في شعره كلمات غريبة فلنشرحها للقرّاء نقلاً عن كتب اللغة.. (فهناه) كناية عن كل اسم جنس ويقصد بها اسم زوجته، و (الحمل) كسر الحاء ما يحمل، و (العير) هو الحمار الأهلي والوحشي، وقولهم الحمار الأهلي لا نوافقهم فيها؛ لأنه لا يوجد بين الأهالي عندنا ولا عند غيرنا حمار يمشي على اثنتين أو يتقمص جسداً آدمياً، و (الثريد) الخبز المبلول بالمرق، و (القديد) اللحم المقدَّد (كالبسطارمة) ونحوها، و (الخلف) بكسر الخاء: الثدي، و (المقحاد) عظيمة السنام من النوق، والرفود بفتح الراء وتشديدها: التي تملأ الرفد وهو القدح من حلبة واحدة، والأين التعب والإعياء..
ولم تذكر الكتب متى ولد حاطب الليل؟ ومتى توفي؟ فهو إذاً شخصية مجهولة في التاريخ من شخصيات أخرى مجهولة لا عداد لها؛ ويمكن أن يكون شخصاً خرافياً لا حقيقة لما ذكر عنه؛ ولكنه على أي حال يفيدنا بما تفيدنا به "الميثولوجيا اليونانية" من متاع وخيال وأدب.
وبعد، فكما يدريني ويدريك أيها القارىء الفطن (لعل) لكل زمان حاطب ليل؟ وحاطب الليل في هذا الزمان "عبد الكريم بن جهيمان" (5) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :534  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 2 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .