أقصوصة لها ذيول.. قد تقصر.. وقد تطول (2)
(1)
|
خليد.. يعود! |
في بيروت شارع يسمى شارع "فوش" لا يتذكر خليد أين موقعه الآن من بيروت. كان يسحب رجليه في هذا الشارع ذهاباً وإياباً، وفي نقطة معينة منه بالذات. |
إنه يستعرض نفسه ويستعرض الآخرين دون أن يتنبه إلى ذلك، وهو مغرم باستعراض نفسه من داخلها دون حاجة إلى مرآة. وتقع المقاهي والمعارض والفنادق على أيماني الشارع وشمائله حتى إذا احتجت رجلاه قالتا له: |
- صل بنا إلى أقرب مكان وأرحنا أيها المعذب! |
وقد كان. |
كان مقهى [متواضعاً]
(2)
صغير المساحة اسمه في ما يذكر مقهى "جان دارك". |
ومال إليه وأخذ مائدة إلى نافذة تطل على الشارع، وطلب شيئاً خفيفاً، وأشعل سيجارة. |
هل هي اتفاقات؟ أو محض مصادفات أو توارد أقدام بدلاً من توارد الخواطر ووقوع الحافر على الحافر كما يقال في معاني الشعر؟ |
إنه لا يدري إلاّ أنه رأى صاحبة الثوب الذي هو في لون الطحلب القاتم، وهي توفض في مشية سريعة، وفي يدها حقيبة سوداء وتقول: يا ميشال! |
وسبقها خليد بنظره في اتجاهها فرأى أمامها على مدى غير بعيد شاباً أنيق الهندام من قمة رأسه إلى كعب حذائه، لعلّه يناهز الخامسة والعشرين أو يطيف بها. |
ترك خليد شرابه الخفيف، وسيجارته تدخن نفسها، وأحيط بقلبه، وأصبح ذهنه يشتعل. |
تباطأ ميشال، حتى لحقت به، ودار بينهما كلام يشبه الهمس استغرق أقل من دقيقة ثم ذهب هو إلى وجهة، وعادت هي أدراجها تمشي على مهل، وقد بدا في محياها إسفار واضح. |
خليد.. أين أنت أيها البطل؟ واستدار المقهى حول رأسه مئات المرات، ورأى المرآة التي أمامه وكأنها تمد له لسانها. ولم يكن المقهى عامراً، ولكنه أبصر كل خلائق الأرض والسماء قد حشدت فيه! |
.. مومياء ثاوية على كرسي أثري محبوسة في قفص من زجاج سميك! لقد كان خليد كذلك. |
المكان..! لقد انحصر في نطاق يقاس بالأصابع، أما الزمان.. فقد تعطل وتوقف! |
أين أبو العلاء المعري ليقول من جديد: |
هذي طباع الناس معروضة فخالطوا العالم أو فارقوا
(3)
أي كتلة من الجليد قبعت على ظهر صخرة؟ |
قال له خادم المقهى: |
الحساب يا سيدي.. لقد أزف وقت الغداء!؟ ونشر خليد في قبره الذي دفن فيه وهو حي.. وقال: آخ.. نعم! قذف الخادم بعدة ليرات، ولم يرتقب تصفية الحساب.. ثم انطلق. ملايين من الشياطين كانت تلعب في قدميه.. أسفر محياها.. ولكن لماذا يسفر؟ ولماذا هذا التبهج في عينيها، والتوهج في خديها؟ لماذا.. لماذا؟ |
إننا نريد أن ننصف خليداً فلم يكن يحبها حقاً، ولذلك فليس عليها أن تعطيه حساباً عن تصرفاتها. إنها حرة.. نعم.. متفقون على ذلك، لكن الحرية تارات قد تكون أسوأ من العبودية.. وهناك "الألفة" فقط، إن الألفة أحياناً قد تكون أشد من الحب وأعنف! انطلق خليد.. ثم فكر وقدر.. وثابت إليه نفسه من تلقائها. |
ما تبخر من العباب، ثم صعد إلى السحاب.. عاد فثاب إلى التراب! إن خليداً كان سريع الغضبة سريع الفيئة! وأخذ يتمشى سبهللاً، وطفق يهزؤ من نفسه ويتندر عليها. وشعر [بيد]
(4)
تدفعه وخلفه، ثم إذا هي في لحظة تواجهه بعينيها من أمام.. |
وثار بركان "فيزوف"..! (إن كان لها بقية فستأتي). |
|